Author

خصائص المعلومات وصناعة القرار

|

تخيل معي أن هناك قاعدة بيانات يعد ملخصها كل عام موظف الموارد البشرية ليقرأها الرئيس التنفيذي وينفذ توصياتها مدير تطوير الأعمال. ليكن المثال مرتبطا بجودة مخرجات الجامعات وفق تجربة المنشأة خلال الخمسة أعوام الفائتة، وهذه التجربة تشمل تخصصات التسويق والمبيعات وإدارة الأعمال. ستكون قاعدة البيانات عبارة عن سجل لكل موظف تم توظيفه في الفترة السابقة، من أين تخرج وماذا عمل وكيف كان إنتاجه. كانت الخلاصة أن فرق تطوير الأعمال القوية كان يغلب عليها خريجو جامعة "أ" والفرق الضعيفة تخلو منهم، وذكرت أيضا أن خريجي الجامعة "ب" أضعف في استخدام الأدوات البرمجية لكنهم أفضل في تفاعلهم الاجتماعي، وأكثر وصولا لفئات العملاء المختلفة. جودة هذه الدراسة ودقة بياناتها قابلة للمراجعة والتمحيص، وربما يبدع أحد الإحصائيين أو المهندسين في تفنيد جودة البيانات وجودة الإجراء التي خرج بها، ولربما لو كان لدى الرئيس التنفيذي فسحة الوقت لاستعان بفريق بحثي من إحدى الجامعات لضبط جودة الاستنتاج. قد يقول هؤلاء إن الدراسة منطقية لكن هناك بعض الملاحظات، أو إنها متحيزة أو ناقصة أو خلاف ذلك.
هناك ممارسات خاصة بكل مجال مرتبطة بتقييم جودة البيانات وقابليتها للاستخدام. سيبدع الإحصائي في تقييم كفاية العينة، وسيقوم إخصائي البيانات بمعالجتها وفرزها وحصر تحيزاتها، وسيقول المحاسب هل حققت الخصائص النوعية الخاصة بالمعلومات؟ مثل التمثيل الصادق والملاءمة التي تشمل الخصائص التقليدية مثل القابلية للمقارنة وقابلية التحقق وحسن التوقيت والقابلية للفهم.
لو نظرنا إلى أي ممارسة إدارية لوجدناها تبنى على المعرفة، سواء كانت ممارسة بسيطة أو معقدة. كلما انتظم الإجراء الخاص باتخاذ القرار حكمته المعايير الخاصة به، فالتقرير المالي يخضع إلى المراجعة التي تقيم المعلومات بناء على الخصائص النوعية آنفة الذكر، والتقرير الهندسي يبنى على حسابات كمية وعلمية متجانسة ومنطقية وملائمة للواقع. لكن عندما تتخذ القرارات داخل المنظمات كل يوم، نلاحظ التباين والضعف في ضبط جودة المعلومات المستخدمة لصناعة القرار.
يحول الرتم السريع صناعة القرار داخل المنظمات إلى درجة عالية من الهشاشة، إذ تعتاد فرق العمل على عرض ملخصات لا تتفق مع أسس الجودة الخاصة بالمعلومات. وأبسط تعريف للجودة في هذا السياق هو قياس حالة البيانات ومدى قدرتها على تحقيق الغرض المنوط بها، أي: أن تكتسب الخصائص التي تجعل القرار قابلا للصنع بشكل مناسب وسليما. ولسنا نتحدث هنا عن عنصر الحدس والمخاطرة الموجود في كل قرار، إذ إن البيانات حتى لو كانت تعد من الحقائق لها دائما عناصر نقص مؤثرة حسب السياق الذي تستخدم فيه، ولهذا يحتاج صانع القرار إلى الدمج بين عنصر المعلومة وعنصر الحدس القابل للتطوير. لكن المشكلة تصبح فعلا كبيرة عندما تكون المعلومة ضعيفة أو غير ملائمة، خصوصا في وضع يسمح بأن تكون أفضل. هنا تصبح خطوات الوصول إلى القرار خاطئة ومبنية بشكل منحرف، وقد يكون القرار مجرد إحساس وتوقع لا أكثر.
لو نظرنا إلى حافز الفريق المعد للمعلومة، سواء كانت موثقة في ملخص أو تقرير أو عرض، لوجدناه أغلق الملف بنجاح على وجه السرعة، بينما حافز صانع القرار مختلف تماما، إذ إنه يبحث عن النتائج التي تثبت نجاحه. لهذا، من المثير وجود عدد غير قليل من القادة الذين لا يهتمون بجودة المعلومات المستخدمة في صنع القرار. بعضهم لا يملك أساسا القدرة على التمييز بين الخصائص النوعية للمعلومات، مثل اكتمال المعلومات أو حسن تمثيلها أو خلوها من التحيزات أو ملاءمتها للغرض المنشود. وليس التحدي في الممارسة فقط، بل ينشغل كثيرون عن بناء القدرات في مسألة تحسين جودة المعلومات المستخدمة، بضبط الأنظمة المعالجة للمعلومات، أو رفع المعايير داخل المنظمة، أو تدريب الموظفين على هذا الاهتمام النوعي في دورة اتخاذ القرار. تقوم المنظمات على اتخاذ القرارات، هذا ديدنها الأساس والأهم، بل إن الفارق الأهم بين المنظمة الناجحة والخاسرة، أو حتى الباقية والبائدة، هو جودة اتخاذ القرار. أعتقد أن البداية ليست من بناء قواعد البيانات أو أنظمة التقرير المؤسسي أو حتى استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليلات الأعمال، بل من الوعي المشترك داخل المنظمة حول الخصائص النوعية للمعلومات، من قمة الهرم حتى قاعدته.

إنشرها