Author

فرص الباحثين في مونديال 2022

|
الأحداث التي تحدث في كل أنحاء العالم، بغض النظر عن طبيعتها إن كانت مؤلمة، وقاسية، أو مفرحة، وذات طبيعة مريحة، فالحروب طبيعتها القتل والتدمير وخراب الديار العامرة، وانتفاء الاستقرار، وحلول الخوف، وتفشي الأمراض، إلا أن هناك من ينظر لها حكومات، وأفرادا من زاوية فرص الربح والتكسب في بيع الأسلحة، وإعادة الإعمار، وهذا ما يتم تداوله، والحديث عنه عند نشوب حرب في مكان ما، إذ يكون هم تجار الحروب الفوز بالعقود كما طرح بعد تدمير العراق وسورية وبعد الحرب الأهلية اللبنانية.
في مونديال 2022 المنعقد في قطر الطابع الترفيهي التنافسي هو الأساس، إلا أن ما ترتب على الاستعداد لهذه المناسبة صاحبه أعمال ونشاطات كثيرة تنموية واقتصادية وإدارية وسياسية وإعلامية وثقافية لا حصر لها، ففي الجانب التنموي والاقتصادي تمكنت قطر من تحديث واستحداث بنية تحتية ضخمة تمثلت في الملاعب الثمانية التي تم إنشاؤها أو إعادة تأهيلها، بما يتناسب مع شروط الفيفا إضافة إلى البنية التحتية المتمثلة في الطرق والمترو والسكن والماء والكهرباء والتصريف والمطاعم وجميع المرافق والاحتياجات التي تتطلبها الفرق والجماهير، كما لا ننسى عمليات الإدارة والتنظيم والتشغيل اليومي لتتم المناسبة بالشكل الذي يليق بالدولة المضيفة وبما يلتزم بالشروط والمعايير.
ما يهمني في هذا المقال الإشارة إلى أن المناسبة فرصة سانحة لإجراء البحوث والدراسات في موضوعات عدة، أولها التركيز على التجربة القطرية، باعتبارها نموذجا يمكن دراسته لمعرفة الإيجابيات والسلبيات التي رافقت الاستعداد لهذه البطولة بدءا من التقديم للاستضافة حتى آخر يوم فيها، بل وما بعدها، خاصة إذا أخذنا في الحسبان الظروف الخاصة في الدولة باعتبارها أول تجربة لها، بل أول تجربة في العالمين العربي والإسلامي، إذا ما قورن ذلك بالدول التي سبقت في المجال الرياضي عموما، وفي تنظيم مباريات كأس العالم خصوصا، إذ عند إجراء البحوث لاستنتاج النموذج لا بد من الأخذ في الحسبان جميع الظروف المحيطة، وأعتقد أن أرشيف الحكومة القطرية يتوافر فيه كثير من المعلومات الثرية.
الباحثون وطلاب الدراسات العليا ومراكز البحوث في جامعات قطر والدول العربية بين أيديهم فرص كبيرة تستحق الاهتمام والدراسة، سواء وفق منهج تحليل المضمون، أو بتوظيف المنهج الإحصائي لتحليل البيانات المدونة في الملفات الورقية، أو الإلكترونية، أو البيانات المستمدة من الميدان بإجراء المقابلات مع عينات من الجماهير، أو اللاعبين، أو المسؤولين الإداريين، والفنيين.
المتخصصون بالشأن الرياضي لديهم كم هائل من المعلومات بشأن اللياقة، ونتائج المباريات، والتحكيم والمدربين، وخططهم، وتكتيكاتهم، وكثير مما لا أحيط به بحكم عدم الاختصاص، كما أن إدارة الحشود وتنظيم الدخول والخروج والأعمال اللوجستية تمثل مجالا خصبا لإنجاز كثير من الدراسات فيه، متخصصو الاقتصاد يمكنهم دراسة اقتصادات المونديال في التذاكر والنقل والسكن والأكل والهدايا، أما المهندسون في أفرع تخصصات الهندسة لهم نصيبهم في تصاميم الملاعب والفراغات والإنارة والطرق والحدائق وغيرها، وأذكر في هذا الصدد حديثا دار بيني وبين أحد الأساتذة في إحدى جامعات نيويورك عقب احتفالية رأس السنة، حيث وصف وبصورة افتخار مدينة نيويورك بالعظيمة، مستشهدا أن من حظروا الاحتفال بلغ عددهم 250 ألفا، ولم يعتقل إلا 25 فردا لمخالفتهم الأنظمة.
الرحالة والمستشرقون جابوا الأرض ومشوا على الأقدام وعاشوا مع الشعوب التي وصلوا إليها رغم صعوبة الظروف وشظف العيش، بهدف دراسة ثقافة وعادات وتقاليد الشعوب، وهذا ما مكن الغرب من احتلال الدول، ونهب خيراتها لمعرفتهم كيف يفكر الناس، وكيف يعيشون، وآلية إدارتهم. وفي مناسبة المونديال مع هذا التجمع الكبير من دول وقارات متعددة فرص كبيرة لمتخصصي علم النفس، والاجتماع، والتربية لإنجاز كثير من الدراسات في مجال الاتجاهات، والميول، والعادات، والتقاليد، وربط ذلك بمتغيرات العمر، والجنس، والمستوى التعليمي، والوطن، والقارة، واللغة، وجميع المتغيرات الأخرى التي يرى الباحث أهمية دراستها.
إنشرها