التشكيلية فاطمة مبارك تسافر بالقط العسيري إلى قلوب جماهير كأس العالم

التشكيلية فاطمة مبارك تسافر بالقط العسيري إلى قلوب جماهير كأس العالم
التشكيلية فاطمة مبارك تسافر بالقط العسيري إلى قلوب جماهير كأس العالم
التشكيلية فاطمة مبارك تسافر بالقط العسيري إلى قلوب جماهير كأس العالم
التشكيلية فاطمة مبارك تسافر بالقط العسيري إلى قلوب جماهير كأس العالم

استثمر الفنانون السعوديون بطولة كأس العالم 2022 التي تستضيفها قطر، ليسافروا إلى قلوب الجماهير والمشجعين، ويستقروا بأعمالهم بها، في فرصة نادرة وثمينة يختلط بها الإبداع الفني والتراث الأصيل.
في منطقة "البيت السعودي" التفاعلية في كورنيش الدوحة كان المشهد لافتا، مشجعون حملوا الهدايا المزينة بالقط العسيري إلى دولهم، في لقاء نادر - قد يكون الأول - الذي يجمعهم بهذا الفن الزخرفي، وأدرجته منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي غير المادي قبل نحو خمسة أعوام، ليحملوا معهم ألوانا تمثل طبيعة عسير ونقاء أهلها، وزخارف تصف تضاريسها وبيئتها، وتصف الحس الفني للفنان المستند إلى التناظر والحسابات الرياضية الدقيقة.

رحلة اللون
يفتح فن القط العسيري نوافذ لحكايات قديمة وراسخة في ذهن الفنانة التشكيلية السعودية فاطمة مبارك، التي تستذكر جدتها منيرة القحطاني، رائدة الأعمال والفنانة التشكيلية التي كانت تزين بهذا الفن المقبل من منطقة عسير مجالس الرجال، ثم ابتكرت لوحات خشبية تزدان بالقط العسيري، وباتت الملهم الأول لفاطمة في مسيرتها الفنية والإبداعية.
في رحلة استثنائية مليئة بالألوان، تتحدث فاطمة مبارك لـ"الاقتصادية" عن جماليات القط العسيري وما يمزجه من زخارف نباتية وأشكال هندسية، والقريب إلى الفن التجريدي، ويستمد أبعاده من ثقافة المجتمع العسيري، وكان للمرأة دور رئيس في تنميته والحفاظ عليه، في لمسات تضيف رونقا للأشرطة الزخرفية، وتجعل منها لوحة فنية متكاملة.
ويعتمد القط العسيري في شكله البسيط على الألوان الأساسية الأحمر والأصفر والأزرق والأخضر، لكن مبارك أضافت ألوانا جديدة، زادت من مظهر لوحاتها جمالا، فيما اتبعت استراتيجية جديدة في لوحات أخرى، تمثلت في اعتمادها على لون وحيد إلى جانب اللون الأسود، وإضافة اسم مقتني اللوحة إلى منتصفها.

عدوى التفاؤل
منذ أن كان الإنسان الأول ينقش على جدران الجبال والكهوف، حتى الزمن الحالي الذي تنقش فيه الألوان على جدران البيوت ومجالسها، يشكل الفن نافذة ورؤية للتعبير عن مكنونات النفس، وما تختلجها من مشاعر وأحاسيس، وهذا تماما ما يشعر به المتذوق للوحات فاطمة مبارك، التي تنقل أناملها وألوانها إحساسها وتفاؤلها الدائم إلى الألوان التي تملا النقوش، واستلهمت هذا كله في مشغولات وتذكارات مستوحاة من بيئة المملكة وتراثها.
"عدوى التفاؤل" التي تبزغ كنجم لدى الفنان، تنتقل إلى المشاهد كلمح البصر، في فن لم يتمكن المؤرخون من تحديد بداياته الفعلية، وسجلوا أن أصحابه في جنوب المملكة توارثوه جيلا بعد جيل من الأمهات والجدات، في فن يغلب عليه البساطة، وكان يعطي دلالة فيما مضى على الوضع الاجتماعي لساكني المنزل، فتكون الزخارف والألوان أكثر زخما وكثافة في منازل الأثرياء مثلا، مقارنة بزخارف أقل بساطة لدى الطبقة المتوسطة اجتماعيا والبسطاء.

سفيرة القط العسيري
فاطمة مبارك، القادمة إلى الدوحة من أبها، اعتمدت حلولا تصميمية وأسلوبا جماليا في نقش الألوان على الفناجين، واللوحات الفنية بأحجامها المختلفة، والجرار الفخارية، وغيرها من الهدايا التي تمثل المملكة وفنونها، من خلال فكرة مبتكرة.
تمتاز لوحات وهدايا فاطمة مبارك في طابعها بالبساطة، ولعل ذلك ما دفع وزارة الثقافة إلى ترشيحها كفنانة تشكيلية تشارك في تمثيل الفن السعودي أمام الملايين من مشجعي المونديال، الذين يسافرون إلى أول دولة عربية تنظم الحدث الكروي الأهم عالميا.
وكانت مبارك قد شاركت في فعاليات دولية ممثلة وسفيرة للقط العسيري، مثل القرية العالمية في دبي، وسوق الدرب بضيافة وزارة تنمية المجتمع الإماراتية، بالاستفادة من منتجاتها التي أكسبتها لقب "رائدة أعمال"، رغم مشوارها القصير في عالم الأعمال الذي لا يتجاوز ثلاثة أعوام.

طموحات وتحديات
تستغرق اللوحة الفنية عملا متواصلا من فاطمة مبارك يتجاوز ست ساعات تقريبا، للوحة لا يتجاوز حجمها 40 × 30 سنتيمترا، تستخدم فيها دهانات وألوان الإكريلك، وتحظى بإقبال واسع من زوار منطقة البيت السعودي، التي أقامها الاتحاد السعودي لكرة القدم على مساحة تتجاوز 18 ألف متر مربع، متيحا الفرصة أمام الفنانين والحرفيين من شتى مناطق المملكة لتسويق الثقافة والتراث والفنون الوطنية.
تتحدث الفنانة لـ"الاقتصادية" عن تداخل المسميات التي تصف عملها بين الهيئات الثقافية، ففي الوقت الذي تعد فيه حرفية، تصنف أيضا كفنانة تشكيلية، ويتمثل التحدي في المسمى الذي يتداخل ويختلف عليه بين هيئتي الفنون البصرية والتراث، مضيفة بأنها تتحين الفرصة لإصدار التراخيص والتصاريح الثقافية، التي أطلقتها وزارة الثقافة عبر منصة "أبدع"، وتقدم خدمة رخصة صالات عرض الفنون البصرية "الجاليريهات"، الرخصة المقدمة من هيئة الفنون البصرية وتمكن حاملها من إقامة معارض الفنون البصرية والمشاركة في المعارض وورش العمل والمناقشات الفنية.
ورغم هذا كله، تطمح مبارك بأن تؤسس معرضا لمنتجاتها، وتمنت أن تخصص فعاليات أكثر للفنون البصرية، ولا سيما فن القط العسيري، وبينت أن كثيرات مثلها يعملن في هذا الفن، ولكل فنان أو فنانة بصمة ولمسة جمالية، وأبدت إعجابها بعدد من الفنانين والفنانات الذين يرسمون القط العسيري، مثل الفنانة زهرة فايع إحدى مدربات المعهد الملكي للفنون في الرياض، ومنى جابر المدربة في المعهد ذاته، وإبراهيم الألمعي الذي خرج من القط العسيري بمدرسة فنية خاصة.

يقلدون من ضعفك
كيف تتعاملين مع لصوص الأفكار؟ تجيب فاطمة مبارك بمقولة للكاتبة الدكتورة سمية الناصر "تبدع من قوتك ويقلدون من ضعفك"، فالتقليد ضعف، ولن يكون بأي حال من الأحوال في مستوى الفن الأصيل، الذي يقدمه فنان ببصمة وفكرة عرف بها، على حد تعبيرها.
وتكشف لـ"الاقتصادية" عن طقوس تنفرد بها عن غيرها عند الرسم، مثل الهدوء التام الذي يمنحها أقصى درجات التركيز، فتنسى الوقت وأي التزام يربطها بالآخرين، وبما في ذلك المأكل والمشرب، وعرجت في لقائها على قدرة الفن التشكيلي على التأثير في نفوس الآخرين، حيث يستشعر الناس طاقة اللوحة وتفاصيلها، فتغير في نفسياتهم، كما أن الألوان الزاهية التي يتسم بها الفن العسيري ترمز إلى المرح والفرح والسرور، وترمز التفاصيل إلى الجهد المبذول الذي قضاه الفنان في النقوش وألوانها.
يطارد ذهن فاطمة مبارك سؤال دائم في كيفية استمرارية نجاحها بالوتيرة نفسها، وكيف يمكن أن تضيف لهذا الفن العريق، الذي بدأت بالتعلم عليه منذ تتلمذها في المدرسة ومراقبتها لجدتها الفنانة، وتكشف أنها أتقنته بشكل احترافي فقط في الآونة الأخيرة.
لا يزعج الفنانة التشكيلية النقد الفني، فهي ترى أن لكل إنسان رأيا وذائقة بصرية، وتقدير العمل الفني يراوح بين شخص وآخر، وسعر اللوحة بدوره يختلف وفقا للأدوات المستخدمة، وطريقة الرسم اليدوية، والوقت المستخدم، والألوان ودرجاتها وحجم اللوحة، وتناسق العمل الفني في مجمله.

الأكثر قراءة