Author

صعود وسقوط المؤسسة التجارية النافعة اجتماعيا «2 من 2»

|

كانت شركات مثل AT&T وIBM من الأهداف المتكررة لقسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل، لكن من المهم أن نشير هنا إلى أن كل حالة من حالات تدخل الدولة أثبتت كونها مفيدة بشكل مباشر للمشروع الأوسع للإبداع الأمريكي. في مرسوم الموافقة لـ1956، وافقت شركة AT&T على ترخيص كل براءات اختراعاتها التي لم تكن مرتبطة بشكل مباشر بالاتصالات مجانا. وفي استجابة وقائية للهجوم الثالث من جانب وزارة العدل، في 1969، قررت شركة IBM "فصل" البرمجيات عن أجهزة الكمبيوتر التي تنتجها، فسمح هذا بإيجاد صناعة البرمجيات المستقلة.
فشلت شركات عملاقة أخرى من تلقاء ذاتها. فقد دعسـت الشركة الأمريكية للصلب من قـبـل مجموعة من المنتجين الأجانب الأكثر كفاءة فضلا عن ظهور "المصانع الصغيرة" المحلية التي ازدهرت على الخردة المعدنية. ووقعت شركة RCA وشركة Westinghouse ضحية للهندسة المالية قصيرة النظر التي استعاضت عن القدرة الفنية الاستراتيجية بإشباع سوق البورصة اللحظي في زمن هوس التكتلات في ثمانينيات القرن الـ20. انتهت صلاحية براءات الاختراع الرئيسة لشركة DuPont، وانحدرت إنتاجية استثماراتها في مشاريع البحث والتطوير في مواجهة المنافسة الدولية الشرسة.
حتى مع انسحاب شركات القطاع الخاص الكبرى في القرن الـ20 من الحدود العلمية والتكنولوجية، عوضت عن غيابها وزيادة الحكومة الفيدرالية الأمريكية، التي أصبحت الممول الرئيس لمشاريع البحث والتطوير. ومع امتداد جذورها إلى مكتب البحث العلمي والتطوير من زمن الحرب العالمية الثانية، عملت وزارة الدفاع على تمويل التطوير عبر جميع التكنولوجيات التي شكلت في مجموعها الثورة الرقمية ـ من وادي السيليكون إلى البرمجيات. وبغرض استغلال الفرص التجارية التي أتاحتها المنتجات النهائية، نشأت صناعة رأس المال الاستثماري المحترف، أولا لتمويل الإبداع الرقمي، ثم لإطلاق الشركات البادئة في مجال التكنولوجيا الحيوية بعد "الحرب على السرطان" التي شنها الرئيس ريتشارد نيكسون.
لكن الدور الذي اضطلعت به الشركات الكبرى في توفير الرعاية الاجتماعية لموظفيها لم يعوض عنه أحد بعد تراجعها. الأسوأ من ذلك أن قانون تافت-هارتلي لـ1947 فتح الباب أمام قوانين "الحق في العمل" على مستوى الدولة التي أثبتت فاعليتها العالية في تقليص العضوية في النقابات في القطاع الخاص على مدار عقود ما بعد الحرب.
بحلول ذلك الوقت، بعد هزيمة الجهود التي بذلها الرئيس هاري ترومان في 1949 لتأسيس الرعاية الصحية الشاملة باعتبارها استحقاقا فيدراليا، كان إقرار الرئيس ليندون جونسون لبرنامجي Medicare "التأمين الطبي لكبار السن" وMedicaid "التأمين الطبي للفقراء" بمنزلة حدود الرعاية الصحية العامة المكتسبة في أميركا. بالتوازي مع ذلك، أدى تحول جهازي من المزايا المحددة إلى المساهمات المحددة في معاشات التقاعد إلى نقل عبء مخاطر الاستثمار من صاحب العمل إلى الموظف. اليوم، نستطيع أن نقول إن الشركات الكبرى التي حفزت الإبداع ورعت الرفاهية الاجتماعية جاءت ورحلت، لكن قوة السوق تظل قائمة ومؤثرة، ما يثير التساؤل حول المكان الذي تذهب إليه هذه الأرباح الاحتكارية.
أثناء الحقبة النيوليبرالية التي بلغت منتهاها الآن، نشأ هدف جديد لفرصة توظيف التدفق النقدي الفائض في هيئة عمليات إعادة شراء أسهم الشركات. في السابق، كانت الهيئات التنظيمية تحظر هذه الممارسة باعتبارها شكلا من أشكال التلاعب في السوق. لكن لجنة الأوراق المالية والبورصات غيرت القاعدة في 1982. الآن نجد أن أكثر من 60 في المائة من الشركات الأمريكية تعيد شراء أسهمها كل عام، وتتجاوز المبالغ السنوية لهذه المشتريات عادة مدفوعات الأرباح النقدية "وهو أمر غير مستغرب، خاصة في ضوء المعاملة الأكثر تفضيلية الممنوحة لمكاسب رأس المال".
تزامن صعود النظام النيوليبرالي، الذي جرى توثيقه وتحليله بغزارة في كتاب حديث من تأليف جاري جيرستل من جامعة كامبريدج، مع زوال المؤسسة التجارية النافعة اجتماعيا. اليوم أصبحت شركات التكنولوجيا الرقيمة العملاقة غير متحمسة وغير مجهزة للاضطلاع بهذا الدور، وهذا أحد الأسباب وراء كفاحها لنيل الشرعية. بالنظر إلى المستقبل، أستطيع أن أتنبأ بأن الاستثمار المعزز في الدينامية التكنولوجية والرفاهية الاجتماعية، تحت الضغوط التي يفرضها تغير المناخ، ستأتي في الأغلب الأعم من القطاع العام، إن وجد. تـرى هل يتمكن قانون الشرائح والعلوم الأمريكي وقانون خفض التضخم من إطلاق العنان لعصر جديد من الإبداع؟ بوسعنا أن نأمل ذلك، لكن الأمل ليس فـعلا مبنيا لمعلوم.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

إنشرها