«البيت السعودي» في الدوحة.. ضيافة ثقافية بنكهة كروية
لم تتوقف عزيمة رجال طويق عند حجب شمس الأرجنتين، بل وصلوا بثقافتهم وفنونهم وتراثهم إلى عقول وقلوب الآلاف من مشجعي المنتخبات في قلب الدوحة، الذين قطعوا الأميال لعيش أجواء كأس العالم 2022، في رسالة سلام حضارية، وتعارف ومحبة.
عزيمة رجال الأخضر وجمهوره انعكست بأجوائها على زوار منطقة الجماهير التفاعلية "البيت السعودي"، التي افتتحها الاتحاد السعودي لكرة القدم في كورنيش العاصمة القطرية الدوحة قبل أيام، وأثبتت أن السعوديين هم النكهة الخاصة للمونديال، وأحد أهم عناصر البطولة ونجاحها.
استلهام الثقافة
افتتح الاتحاد السعودي لكرة القدم الأحد المنطقة التفاعلية "البيت السعودي"، مستلهما من الثقافة الوطنية وأسلوب الحياة والتراث والطراز المعماري الفريد، مبان وأجنحة، بلمسة رياضية كلها طاقة وحيوية، أبرزت كل ما تحمله المملكة من كنوز وخصائص فريدة تنفرد بها عن بقية العالم.
وأسهمت هذه الأجنحة و21 فعالية متنوعة في إبراز شغف السعوديين الكروي وتطور القطاع الرياضي في المملكة، الذي مكن المنتخب السعودي من المشاركة في كأس العالم 2022 للمرة السادسة في تاريخه، في إنجاز يحسب لدعم القيادة اللامحدود، والبنية التحتية الرياضية القوية، التي تؤهلها لاستضافة البطولات العالمية، والكنوز الطبيعية والسياحية والثقافية التي تعد بها زوارها.
قبيل افتتاح البيت السعودي، التقت "الاقتصادية" الأمير عبدالعزيز الفيصل وزير الرياضة، الذي حرص على تفقد البيت بتفاصيله الثقافية والرياضية قبل أن يستقبل زواره، في تكامل قادة وزارته مع الاتحاد السعودي لكرة القدم وشركائها من الجهات ذات العلاقة، لتوفير الأجواء الملائمة للجهازين الإداري والفني ولاعبي المنتخب، وإثراء تجربة المشجع السعودي في حدث ينظم للمرة الأولى في العالم العربي، تختلف عن كل ما حدث من بطولات طيلة 90 عاما.
الصقور "يحلقون"
المشوار الرياضي الأهم للصقور الخضر، مكنهم من التحليق وكسر سلسلة انتصارات المنتخب الأرجنتيني الذي يقوده الكابتن العالمي ليو ميسي، لكنه جاء محلقا ومحملا بالثمار التي عادت على السعوديين، فالبيت السعودي وغيره من الفعاليات ذات الطابع الثقافي والرياضي أسهمت في تعريف المشجعين القادمين من دول أوروبية وآسيوية على البيئة العربية، ولا سيما السعودية.
ويكشف مشجعون في حديثهم لـ"الاقتصادية" عن الاستثمار الناجح للسعوديين في هذه البطولة العالمية، حيث يؤكد المشجع الأرجنتيني لاركين فرنانديز أنه شغوف بالمأكولات الشعبية والقهوة السعودية، وما يرافق ذلك من كرم وحفاوة استقبال وطقوس خاصة في التقديم والإعداد والقطف وصولا إلى احتسائها، مبينا أنه وصديقه الإسباني ليو كريستيز تعرفا عن قرب على حياة السعوديين، وتعهدا بالسفر إلى الرياض وجدة وعسير، إذ تمكنهما بطاقة "هيا" المؤهلة لدخول قطر وملاعب البطولة لدخول المملكة، وستمكن المشجعين الإسباني والأرجنتيني وغيرهما من مشجعي المونديال من استثمار وجودهم، لتكوين صداقة مع أهل المنطقة، في دلالة على دور الرياضة في تحقيق التقارب بين الشعوب.
الأهازيج الحماسية
مجلس جمهور المنتخب السعودي كان له الكلمة الفصل في إيصال صوت الجماهير إلى وسائل الإعلام العالمية، حيث يصدح أعضاء المجلس وروابط المشجعين في مناطق الفيفا المخصصة للمشجعين والملاعب وغيرها بالأهازيج والأناشيد والأغاني الرياضية السعودية، التي تخفي في طياتها الشغف والرقي لدى الجمهور في التشجيع والاحتفاء.
رئيس رابطة جمهور المنتخب السعودي عاطي الموركي أكد لـ"الاقتصادية" خلال وجوده في الدوحة أنهم أعدوا أهازيج جديدة استعدادا للبطولة، منها أغان سابقة مثل "أخضر علمنا سعودي" وغيرها، لرفع معنويات اللاعبين في مواجهاتهم ضد منتخبات الأرجنتين وبولندا والمكسيك، كاشفا عن تاريخ عريق لهذه الأهازيج، التي انتشرت وبلغت ذروتها في الثمانينيات، وتشكل جزءا ولو يسيرا من التراث السمعي.
وإيمانا بأهمية الأهازيج والأغاني، وقدرة الأغنية - كغيرها من عناصر الثقافة - على الوصول إلى المشاعر، أهدى الاتحاد السعودي لكرة القدم خلال الفترة الماضية جماهير الأخضر ومحبيه أغنية "فخرنا الأخضر"، من كلمات الأمير عبدالرحمن بن مساعد، وألحان "سهم"، وغناء فنان العرب محمد عبده وأميمة طالب، وحملت الأغنية كثيرا من المعاني الوطنية التي استطاعت أن تعبر إلى الوجدان، في حين حضرت الأغاني الرياضية الخالدة على مسرح "البيت السعودي"، ومنها "الله الله يا منتخبنا" و"فوق هام السحب"، وغنتها الفنانة موضي الشمراني أمس الأول أمام حشد من الجماهير العربية والعالمية، يتبعها خلال الأيام المقبلة جملة من الفنانين السعوديين الذين يحيون حفلات غنائية، وفقا لمسؤولين في "البيت السعودي".
قدام يا الأخضر
الموسيقى والطراز العمراني والأزياء والمأكولات لم تكن بمعزل عن اللهجة السعودية، فحضرت أيضا في الهوية البصرية الموحدة لجماهير المنتخب السعودي، التي أطلقها اتحاد كرة القدم تحت شعار "قدام".
وتعني كلمة "قدام" - وفقا للاتحاد السعودي لكرة القدم - التقدم على الآخرين بالنجاح والتفوق، فيما يحمل معناها وفق اللهجة السعودية المحكية "عدم التراجع في المهمة المقبلة، والتقدم إليها بكل همة وعزيمة"، وتبين الرغبة الكاملة في الدعم والمساندة.
جاءت "قدام" من ثقافة المجتمع السعودي، وهي كلمة تبين الرغبة الكاملة في الدعم والمساندة، وتتضمن الهوية عناصر من الثقافة، والتراث، والشغف، والفرحة، وحملت مكونات وعناصر من هذا كله، مثل سعف النخيل، القط العسيري، جناح الصقر، بوق التشجيع، زخرف النجمة، تجريد شعار المونديال، ريشة الصقر، طويق، كرة القدم، سيفين، قلب، قارب شراعي، زخارف نجدية، صقر، زخارف معمارية.
التراث بشكل عصري
ماذا تتضمن منطقة البيت السعودي؟ لعل الإجابة عن السؤال تحمل كثيرا من التفاصيل، فالبيت يتضمن متاحف رياضية، منها متحفا للصقور الخضر، يوثق أهداف اللاعبين التاريخية، عبر لقطات فيديو تعرض أمام مشجعي بطولة كأس العالم 2022، واستحضار أحداث رياضية مؤثرة وعالقة في الذاكرة، منها لقطات فيديو لأهداف المنتخب في كأس العالم ونهائيات كأس آسيا، وهي 21 هدفا في 13 مباراة، منها 11 هدفا موندياليا.
ويعرف المتحف بأسماء أساطير الكرة السعودية، واللاعبين الذين تركوا بصمة في سجل الذهب، سواء حققوا كأس آسيا أو قادوا المنتخب الوطني خلال مشاركاته الست في بطولات كأس العالم، ويمكن المتحف المشجعين من التقاط صورة افتراضية مع المنتخب السعودي المشارك في المونديال، ويعرض أيضا أزياء الصقور الخضر في مشاركاتهم في المونديال ونهائيات كأس آسيا، وكرات القدم التي تمكن فيها المنتخب من الفوز في كأس آسيا للأعوام 1984 و1988 و1996.
وكذلك حضرت الكأس الأصلية لدوري روشن السعودي، ويتاح للمشجعين والجماهير التقاط الصور التذكارية مع كأس الدوري الأقوى عربيا، معرفا بالدوري وباقة من أهم أهدافه، والأهداف التي حازت إعجاب جماهير الأندية السعودية، في وقت يشارك 33 لاعبا من الدوري في بطولة كأس العالم الـ22.
وتبين الشاشات العملاقة المحيطة بالكأس إحصائيات عن الدوري، الذي جذب ملايين المشاهدين محليا وعالميا، حيث كان أكثر من 900 محترف من 106 جنسيات مختلفة حول العالم جزءا من تاريخ الدوري السعودي للمحترفين.
العرضة النجدية
على مساحة 18 ألف متر مربع، صافح "البيت السعودي" زواره بتجربة لعب كرة القدم مع كبار اللاعبين افتراضيا في جناح الأحلام عبر تقنية الواقع المعزز والواقع الافتراضي، إضافة إلى تجربة التصوير بقمصان المنتخب السعودي إلى جوار لاعبي المنتخب افتراضيا أيضا، وإمكانية التسوق من متجر الصقور الخضر لشراء زي المنتخب الرسمي، إضافة إلى أعلام وشعارات المنتخب، إلى جوار مساحة خضراء تتسع لعدد كبير من مشجعي المنتخب السعودي، ومناطق مخصصة للأطفال.
ويطل لاعبا المنتخب السعودي سالم الدوسري وعبدالإله العمري لاستعراض عديد من مهارات كرة القدم عبر شاشة الواقع المعزز، التي تسمح للزائر بالتقاط صورة تاريخية مع اللاعبين، إلى جانب أنشطة تفاعلية متعددة، تمزج التقنية بكرة القدم.
وقالت الفنون الأدائية كلمتها في الدوحة، إذ أدى فنانون العرضة النجدية والسامري والمزمار وفنون متنوعة من الفولكلور تمثل مناطق المملكة كافة، وحازت إعجاب المشجعين الذين حاولوا التعرف على خطواتها وأدائها.