ضالتك ليست في التحول المهني بل في إضفاء المتعة

ضالتك ليست في التحول المهني بل في إضفاء المتعة

التقيت أخيرا طالبة جامعية تعمل وهي تدرس. ليس في وظيفة طلابية تقليدية، مثل تقديم الطعام أو صف الأرفف، بل في تقديم المشورة لوكالة تسويق عن اتجاهات الشباب. سألتها بسذاجة "هل هذا ما تودين فعله عندما تتخرجين؟"، جاء الرد "لا قطعا! هذا ليس شغفي".
أومأت برأسي متعاطفة. لم يكن هذا مكانا لإلقاء محاضرة عن صعوبات السعي وراء الشغف في العمل، الأمر الذي يمكن أن يضع ضغوطا لا داعي لها على الوظائف لتصبح ليس فقط وسيلة لتسلم شيك أجر، بل شغفا. أو ما هو أسوأ، يؤدي إلى التعرض لاستغلال من جانب أرباب العمل، أو كما قالت سارة جافي في كتابها "العمل لن يبادلك الحب"، "العمل بدافع الحب.. خدعة". مع ذلك، فإن حماسة الطالبة، أذابت قلبي المتجمد، إذا كنت لا تستطيع أن تتفاءل ومستقبلك كله أمامك، فمتى يمكنك ذلك؟
لكن السبب الآخر للتراجع هو أني قد قرأت أخيرا عن رئيس شؤون المخاطر في بنك "يو بي إس"، الذي سيغادر البنك السويسري ليصبح مصورا، في عملية مبادلة وظيفة عالية الأجر ربما بوظيفة أخرى أكثر إبداعا، وأجرؤ على قول "تغذيها العاطفة".
أصبحت هذه القصص الدرامية شائعة في الأعوام القليلة الماضية. كانت "الاستقالة العظيمة" مصطلحا ظهر من الجائحة لوصف العاملين المتمتعين بمهارات مطلوبة بشدة، الذين غيروا وظائفهم لتقاضي رواتب أعلى وتسلم مكافآت توقيع العقد. لكنها شملت أيضا الذين أعادوا تقييم حياتهم وغيروا مهنهم، ما دفع بعضا إلى اعتبارها "أزمة منتصف العمر في الجائحة". جاء في أحد مقالات "الرأي": "بتعطيل حياتنا ووضعنا في عالم غير مألوف أبدا، في حين نواجه الموت أيضا، أوجدت جائحة كورونا نقطة تحول عالمية، سمة مميزة لأزمة الهوية المرتبطة عادة بمنتصف العمر".
إن التغيير المهني الدراماتيكي آسر لأولئك الذين يكدحون على أجهزة الحاسوب المحمولة، منخرطين في اجتماعات لا نهاية لها على برنامج "زوم".
تخفي قصص التغييرات الكبيرة الجهد الذي يبذل في إرساء الأسس. أحد الأصدقاء الذين تركوا العمل المصرفي من أجل الفن، بدأ بالرسم في الأمسيات وعطلات نهاية الأسبوع، جامعا العمولات. وقد ساعده العمل مهندسا معماريا في عشرينياته قبل انخراطه في الأعمال المصرفية في العثور على وجهته. معظم الناس ليسوا تحت هذه الفئة، كما تقول لوسي ستاندينج، إخصائية نفسية في مجال الأعمال ومؤسسة بريف ستارتز، منظمة غير ربحية للراغبين في العثور على خطوتهم المهنية التالية. الأكثر شيوعا هم الأشخاص غير الراضين عن عملهم الحالي، لكنهم يجهلون البديل.
أرباب العمل بحاجة إلى تسهيل الأمر على العاملين من منتصف العمر لتجربة مهن جديدة. باستثناء بعض خطط التحويل إلى وظائف مثل التدريس والخدمة الاجتماعية والشرطة، قد يكون من الصعب معرة كيفية الإقدام على التحول. يركز كثير من أرباب العمل حملاتهم على إقناع الخريجين الجدد بالانضمام إليهم، في حين بوسعهم أيضا إقناع الذين تقدموا في مشوراهم المهني.
من خبرة ستاندينج، أولئك الذين أقدموا على تغييرات مهنية جذرية في منتصف العمر هم الأقلية، عادة مع "دعم مالي جيد"، من شريك يكسب أكثر أو من المدخرات، ما أظنه حال المصرفي من "يو بي إس" الذي أصبح مصورا. مع ذلك، فإن فكرة أن تغيير الوظيفة الجذري هو العلاج لعدم الرضا يمكن أن يمثل مصدرا للاضطراب أو الجمود. لعل التعديلات البسيطة حل، ربما بالعمل بدوام جزئي والسعي وراء مشروع إبداعي باعتباره نشاطا جانبيا أو حتى هواية، أمر يستمتع بأدائه لمجرد المتعة.
في فيلم "ليفينج"، يلعب بيل ناي دور السيد ويليامز، رجل يعيش حياته برتابة، ويقصد وظيفته البيروقراطية في مجلس مقاطعة لندن ذهابا وإيابا. يوم يشبه الذي يليه، "ليس سعيدا، وليس تعيسا"، كما يقول. يوقظه تشخيص إصابته بالسرطان في مراحله النهائية من غيبوبته ويتغيب دون إذن عن عمله، وينفق مدخراته ويجلس في المقاهي باحثا عن المرح والطيش. يكتشف أن هذه ليست الحياة التي يريد فيها قضاء الأشهر المتبقية له، وبدلا من ذلك يعود مفعما بالنشاط إلى وظيفته، ليجد السعادة في تحويل موقع دمرته المتفجرات شرق لندن إلى ملعب صغير للأطفال.
لعل التغييرات الصغيرة أكثر نفعا مما نتوقع.

الأكثر قراءة