Author

ديموغرافية الأزمة الأوكرانية

|
الأزمة الأوكرانية تلقي بظلالها الكئيبة على العالم من خلال ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وعدم الاستقرار العالمي، وأخطر من ذلك الخشية من الوصول إلى مرحلة استخدام السلاح النووي. لا يهدف المقال إلى الإشارة إلى أسباب اندلاع الحرب، لأنها معروفة لدى كثيرين، لكن سيركز على الخصائص الديموغرافية لطرفي النزاع.
بادئ ذي بدء، يعد التركيب العرقي من أهم السمات لأن التجانس داخل المجتمع يعزز الاستقرار في الأغلب، لكن الأمر يصبح مختلفا عندما تسود الديمقراطية والعدالة ليصبح التنوع العرقي إثراء ثقافيا. تعد روسيا من أكثر الدول تنوعا عرقيا، إذ يتجاوز عدد العرقيات 100 مجموعة عرقية، لكن الروس يمثلون الأغلبية الساحقة بنحو 81 في المائة من إجمالي السكان، في حين تمثل العرقيات الأخرى نسبا صغيرة ومتفاوتة، ما بين التتار بـ4 في المائة، والأوكرانيين بـ1 في المائة، ثم الشيشان والأرمن وغيرهما. وبالمثل، يتكون سكان أوكرانيا من مجموعات عرقية متعددة، يمثل الأوكرانيون نحو 78 في المائة، ويليهم الروس بنحو 17 في المائة، ثم بيلاروس والتتار والبلغار والمجريون واليهود بنسب صغيرة ومتفاوتة.
على الرغم من الفارق الكبير في الحجم السكاني، إلا أن الدولتين تشتركان في كثير من المؤشرات والخصائص الديموغرافية. فمع أن سكان أوكرانيا "41 مليونا" لا يصل إلى ثلث عدد سكان روسيا "144 مليون نسمة"، فإن كليهما يشهدان انكماشا في عدد سكانهما نتيجة انخفاض معدلات الإنجاب، ما أدى إلى معدلات زيادة طبيعية سالبة، أي أن معدلات المواليد أقل من معدلات الوفيات، بمعنى أن الذين يولدون أقل من الذين يتوفون! وبذلك يعد معدل الخصوبة الكلي في أوكرانيا وروسيا من أقل دول العالم. ولم تفلح جهود ومحفزات تشجيع الإنجاب لرفع متوسط عدد الأطفال للمرأة الذي لا يتجاوز "1.5" في روسيا، وينخفض إلى نحو "1" في أوكرانيا، أي أن معدل الخصوبة الكلي ينحدر دون مستوى الإحلال، ما يعني أن هذه المجتمعات تشهد انكماشا حقيقيا في عدد سكانها. لذلك من المؤكد ألا تزداد أعداد السكان في الدولتين، بل سينخفض عدد سكان أوكرانيا إلى 33.9 مليون نسمة، وبالمثل سيتقلص عدد سكان روسيا إلى 136.8 مليون نسمة بحلول 2050.
من جهة أخرى، تأتي كل من روسيا وأوكرانيا في مقدمة دول العالم من حيث الزيادة الملحوظة في أعداد الإناث مقارنة بالذكور، فهناك 87 ذكرا مقابل كل 100 أنثى، ولا تختلف أوكرانيا كثيرا، فهناك 85 ذكرا مقابل كل 100 أنثى، وربما يعود ذلك إلى اختلاف أنماط الحياة وانتشار الإدمان والمسكرات بين الذكور أكثر من الإناث، ويؤكد ذلك أن الذكر يعيش في المتوسط 66 عاما مقابل 76 عاما للإناث!
كذلك ترتفع مؤشرات الشيخوخة، فتصل نسبة كبار السن إلى 17 في المائة في كل منهما، ما يرفع نسب الإعالة مقابل انكماش تدريجي في قوة العمل، الأمر الذي يتطلب تشجيع الإنجاب أو فتح باب الهجرة الوافدة من الخارج أو التوصل إلى حلول أخرى.
أخيرا على الرغم من التشابه الديموغرافي، فإن هناك اختلافا هائلا في نصيب الفرد من الدخل القومي. فمتوسط نصيب الفرد في أوكرانيا الذي يقدر بنحو "13800 دولار" لا يصل إلى نصف نظيره في روسيا "32 ألفا". إلى جانب ذلك، يرتفع معدل البطالة في أوكرانيا إلى "8.9 في المائة" مقابل "5 في المائة في روسيا".
والسؤال ما تأثير الحرب القائمة في الديموغرافيا؟ من المتوقع ارتفاع معدلات النزوح والهجرة المغادرة، إلى جانب تأجيل الزواج والإنجاب نتيجة الانشغال بالحرب وويلاتها، ما يؤدي إلى مزيد من الانخفاض في معدلات الإنجاب، ومن ثم زيادة الانكماش في عدد السكان!
إنشرها