FINANCIAL TIMES

السباق لإعادة ابتكار محطة الفضاء .. أمل يتبلور

السباق لإعادة ابتكار محطة الفضاء .. أمل يتبلور

كارين نيبيرج، رائدة فضاء ناسا، تستخدم منظار قاع العين من ناسا لتصوير عينها أثناء وجودها في المدار لدراسة تأثير الجاذبية الصغرى على ضعف البصر. "ناسا"

السباق لإعادة ابتكار محطة الفضاء .. أمل يتبلور

محطة الفضاء الدولية تدور حول الأرض على ارتفاع 250 ميلاً تقريبًا، وتجري أبحاث وتجارب في بيئة الجاذبية الصغرى في العلوم الحيوية وعلم الفلك وعلوم المواد، على متن المختبر المداري الوحيد للبشرية. "ناسا"

في نهاية آب (أغسطس)، وصل طرد من الفضاء الخارجي إلى شركة لامبدا فيجن، وهي شركة تكنولوجيا حيوية صغيرة مقرها ولاية كونيتيكت. كان داخل العبوة، التي كانت بحجم صندوق الأحذية، عينات من غشاء مكون من البروتين، إذ تأمل الشركة أن تكون يوما ما الأساس لشبكية عين اصطناعية لإعادة البصر للأشخاص الذين فقدوه بسبب التقدم في العمر أو مرض وراثي.
تم إنشاء الغشاء على ارتفاع 420 كيلومترا فوق سطح الأرض، في محطة الفضاء الدولية، حيث تسمح بيئة الجاذبية الصغرى لشركة لامبدا فيجن بإنتاج طبقات أكثر اتساقا واستواء من البروتينات. لا تزال الشبكيات قيد التطوير، لكن نيكول واجنر، الرئيسة التنفيذية لشركة لامدا فيجن، تعتقد أنه في غضون بضعة أعوام يمكن للشركة إنتاجها على نطاق واسع في المحطات الفضائية التجارية.
تقول، "هناك كثير من الأمل في الاستمرار في القيام بهذا العمل في بيئة جاذبية صغرى. لكن محطة الفضاء الدولية بمنزلة مختبر أبحاث. سيكون لمحطات الفضاء التجارية مزيد من القدرات. كما سيتم تصميمها مع وضع المستقبل في الحسبان".
بدأ السباق بالفعل لتحديد الخطوط العريضة لهذا المستقبل. تم تحفيز الشركات الأمريكية بما في ذلك "بلو أوريجين"، و"سييرا سبيس"، و"نورثروب جرومان"، و"أكسيوم سبيس"، و"لوكهيد مارتن"، و"نانوراكس" من قبل منافسة ممولة من قبل وكالة ناسا لتصميم بدائل مملوكة للقطاع الخاص لمحطة الفضاء الدولية عندما يتم إيقافها عن العمل بحلول نهاية العقد.
تمت ترسية أربعة عقود أولية بالفعل ويمكن أن يتوقع الفائز، أو الفائزون، الذين سيتم اختيارهم من قبل وكالة ناسا في نحو 2025، ما يقدر بمليار دولار من الإيرادات السنوية من الوكالة الأمريكية لتقديم خدمات المحطة الفضائية.
لكن المتنافسين يأملون في الحصول على جائزة أكبر، ليصبحوا المنصة الأساسية للاقتصاد الفضائي الناشئ بسرعة الذي يشمل الأبحاث، والتصنيع، والسياحة، والترفيه وغير ذلك.
كانت محطة الفضاء الدولية هي الرائدة، وهي أعظم تعاون عالمي في تاريخ التكنولوجيا. خلال 22 عاما من الاستيطان المستمر، استضافت 258 ملاحا ورائد فضاء من 20 دولة وآلاف التجارب الرائدة. "امتدت الأبحاث التي أجريت على متن محطة الفضاء الدولية (...) إلى جميع التخصصات العلمية الرئيسة"، وفقا لتقرير انتقالي أعدته وكالة ناسا للكونجرس الأمريكي في وقت سابق من هذا العام.
ساعد العمل في المحطة الفضائية على تطوير عقاقير لعلاج السرطان، ومرض ألزهايمر والضمور العضلي. حتى البضائع المنزلية مثل منعمات الأقمشة تم تحسينها بفضل الأبحاث الفضائية، ما أدى إلى تسجيل ثلاث براءات اختراع من قبل شركة بروكتر آند جامبل للبضائع الاستهلاكية.
في الوقت الذي تقترب فيه المحطة الفضائية من نهاية عمرها الآن، بعد عودتها إلى الأرض، فإن اعتبارات التكلفة والتوترات الجيوسياسية تجعل من الصعب الحفاظ على التعاون الدولي الرائع بين خمس وكالات فضاء "وكالات الولايات المتحدة، روسيا، والاتحاد الأوروبي، كندا، واليابان" الذي حافظ على بقائها في الفضاء لمدة أطول كثير من المخطط لها.
كلفت محطة الفضاء الدولية أكثر من 159 مليار دولار طوال فترة وجودها ونحو ثلاثة مليارات دولار في العام لتشغيلها، أي نحو ثلث الميزانية السنوية لوكالة ناسا لرحلات الفضاء المأهولة. قد يؤدي الانتقال إلى المنصات التجارية إلى توفير نحو 1.8 مليار دولار سنويا بحلول 2033، وفقا لتقرير وكالة ناسا، وهي أموال يمكن استخدامها لعصر جديد من استكشاف الفضاء.
تقول دارا باتيل من مركز الفضاء الوطني في المملكة المتحدة، "نظرا إلى أن الوكالات الحكومية الأكبر تركز على الهدف الأكبر المتمثل في العودة إلى القمر وإيجاد وجود دائم هناك، ثم الانتقال إلى المريخ، فإنها تأمل في توفير الوقت والمال عبر مساعدة مقدمي الخدمات التجاريين في الحفاظ على وجود لهم في مدار أرضي منخفض".
كانت محطة الفضاء الدولية خير مثال على شراكة العمل الناجحة بين موسكو والغرب في مجال الفضاء. لكن الغزو الروسي لأوكرانيا هذا العام دفع تلك العلاقة إلى نقطة الانهيار.
في تموز (يوليو)، كرر يوري بوريسوف، الرئيس الجديد لوكالة الفضاء الروسية، روسكوزموس، تهديد البلد بالانسحاب من المحطة "بعد 2024".
لا يعتقد الجميع أن روسيا ستغادر. حيث أعرب البلد عن طموحاته لبناء محطته الفضائية الخاصة، التي قد تستغرق "خمسة أو ستة أو سبعة أعوام كحد أدنى"، كما يقول ديفيد باركر، مدير الاستكشاف البشري والروبوتي في وكالة الفضاء الأوروبية. "لا يرغب الروس أن يضطر روادهم إلى الانتظار... لذلك من المهم بالنسبة لهم الحفاظ على القدرة التشغيلية في محطة الفضاء الدولية".
لكن التهديد المتكرر بالخروج المبكر لروسيا زاد من الضغط على شركاء محطة الفضاء الدولية لإيجاد طريقة للحفاظ على الوجود البشري المستمر في المدار. لا يقتصر الأمر على أنه لا يزال هناك أبحاث يتعين استكمالها لتحقيق طموح الوكالات الكبرى مثل وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية في الذهاب إلى القمر والمريخ. كما ينظر إلى الوصول إلى الفضاء على أنه مسألة تتعلق بالقدرة التنافسية والأمن الوطني.
يقول روبين جاتينز، مدير محطة الفضاء الدولية في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، "لا نريد أن تكون هناك فجوة في مدار أرضي منخفض. نريد انتقال جميع مستخدمينا سواء أكانوا حكومات أو مؤسسات تجارية أو جامعية بسلاسة".
تدرك الحكومات الغربية جيدا أن الصين على وشك استكمال محطتها الفضائية الخاصة، "تيانجونج"، وتفتح المجال أمام الشركات والحلفاء. يقول أحد المسؤولين التنفيذيين الذي ناقش هذه المسألة مع كل من وكالة ناسا ووزارة الدفاع الأمريكية، "من الضروري بالنسبة للحكومة الأمريكية ألا يتمكن أي من حلفائها أو أصدقائها من الوصول إلى الفضاء عبر محطة الفضاء الصينية فقط".
قبل ثلاثة أعوام، بدأت وكالة ناسا التجهيزات لعملية الانتقال عبر تخفيف القيود المفروضة على النشاط التجاري في محطة الفضاء الدولية. كما تحقق وكالة الفضاء الأوروبية تحولا ملحوظا نحو الاستخدام التجاري للفضاء.
تؤدي زيادة إمكانية الوصول إلى الفضاء وانخفاض تكاليف الإطلاق إلى زيادة الطلب على محطة الفضاء الدولية. يقول باركر، "لدينا برنامج حافل بالنشاطات العلمية. لدينا فكرة جوهرية عما سنفعله خلال الأعوام الستة أو السبعة المقبلة، وقد بدأنا بالتفكير في كيفية استخدام البنية التحتية العلمية على المنصات الأخرى".
بدلا من تحمل تكلفة محطة وحيدة ضخمة لاحقة، كانت الاستراتيجية التي قادتها وكالة ناسا تتمثل في الترويج لعدد صغير من المنصات المملوكة للقطاع الخاص والمدارة من قبله. تتوقع أن يتم تشغيل هذه المنصات بحلول 2028، ما يمنح المستخدمين عامين للانتقال قبل أن يتم إيقاف عمل محطة الفضاء الدولية في 2030.
خصصت الوكالة بالفعل 550 مليون دولار لتطوير أربعة نماذج مختلفة. في 2020، فازت شركة أكسيوم سبيس، التي تتخذ من هيوستن مقرا لها، بمسابقة لإرفاق وحدة بمحطة الفضاء الدولية، التي سيتم توسيعها تدريجيا حتى تنفصل أخيرا في مدار مستقل عند إيقاف تشغيل المحطة. تهدف الشركة إلى استضافة مجموعة متنوعة من الأنشطة من الأبحاث إلى السياحة وتدريب رواد الفضاء.
في كانون الأول (ديسمبر) 2021، منحت وكالة ناسا ثلاثة عقود تصميم أخرى لمحطات الفضاء للطيران الحر في المرحلة الثانية من المنافسة. يقترح اتحاد بقيادة شركة نانوراكس، شركة الخدمات الفضائية المملوكة لشركة فويجار سبيس، إنشاء "ستار لاب"، حديقة علمية قابلة للنفخ من تصميم شركة لوكهيد مارتن. تقدم شركتا "بلو أوريجين" و"سييرا سبيس" مشروع أوربتال ريف، وهو عبارة عن "نظام بيئي" بمساحة 30 ألف قدم مربعة من البيئات والخدمات المختلفة للصناعة، والأبحاث والسياحة.
أخيرا، تهدف شركة نورثروب جرومان إلى بناء منصة يمكن استخدامها للتدريب أو للمشاريع العلمية، لكنها لا تزال تبحث عن مشغل. يقول أندريه ميتران، مدير الاستراتيجية في شركة نورثروب، "نحن مصنعون. ولسنا ملتزمين بوضع شيء في مدار سنملكه".
لن تتم الموافقة النهائية على جميع المشاريع، والمتوقعة خلال 2025 عندما توافق وكالة ناسا على اتفاقيات خدمة ثابتة مع مرشحيها المختارين. إمكانية تطبيق نماذج العمل تجاريا ستكون شرطا مهما. يقول جاتينز، "نحن بصدد تحسين توقعاتنا لما نريد شراؤه من الخدمات. يمكنهم أخذ ذلك والاختلاط مع عملاء من خارج وكالة ناسا ووضع خطة عمل خاصة بهم. نريد أن نكون أحد العملاء الكثيرين".
لا تزال وكالة ناسا تشعر بالقلق بشأن إذا ما كانت السوق التجارية ستكون كبيرة بما يكفي لاستمرار المحطات الخاصة. تقول باتيل من مركز الفضاء الوطني في المملكة المتحدة، "تروج وكالة ناسا لعدة محطات فضائية، لأنها لا تريد أن تخاطر بكل شيء في مشروع واحد. ليس هناك بالضرورة طلب تجاري الآن، لأن الصناعات التي يأملون في تلبية احتياجاتها، مثل الصناعة والسياحة الفضائية، ليست ناضجة".
يقدر مصرف سيتي الاستثماري أن يصل حجم سوق الاقتصاد الفضائي بأكمله إلى تريليون دولار سنويا بحلول 2040. لكن توقعات المبيعات السنوية للمحطات الفضائية التجارية تقدر بنحو ثمانية مليارات دولار فقط، وتتألف من خدمات مثل تدريب رواد الفضاء، والأبحاث والأنشطة الصناعية الجديدة بما في ذلك الخدمات اللوجستية الفضائية والتعدين.
البعض الآخر أكثر تشاؤما. تشير تقديرات دراسة دقيقة لخمس أسواق محتملة للمحطات الفضائية التجارية، تتنوع من التصنيع إلى تجميع الأقمار الاصطناعية وصيانتها، وتدريب رواد الفضاء للدول الجديدة التي ترتاد الفضاء، والترفيه والسياحة، إلى أن الإيرادات السنوية لهذه السوق ستراوح بين 455 مليون دولار و1.2 مليار دولار بحلول 2025.
تلك الدراسة، التي نشرت في 2017 من قبل معهد العلوم والتكنولوجيا في واشنطن، حسبت تكاليف تشغيل محطة ما بين 463 مليون دولار و2.25 مليار دولار سنويا. خلصت إلى أنه فقط في ظل سيناريوهات التكلفة والإيرادات الأكثر تفاؤلا، يمكن للمحطات أن تكون مجدية تجاريا دون دعم مستدام من وكالة الفضاء.
يقول المؤلف الرئيس للدراسة، كيث كرين، إنه منذ كتابة التقرير، "لم يتحقق بالفعل طلب القطاع الخاص على البضائع والخدمات من الفضاء". علاوة على ذلك، تقول كاريسا كريستنسن، الرئيسة التنفيذية لشركة برايس تيك الاستشارية، "تساعد وكالة ناسا الشركات على الوصول إلى محطة الفضاء الدولية، وفي بعض الأحيان توفر رحلات مجانية ووقت لرواد الفضاء، خاصة لما تنظر إليه على أنه استخدامات قبل الطرح التجاري". لم يتضح مستوى المساعدة التي سيحصل عليها عملاء القطاع الخاص في المحطات التجارية.
مثل هذا الحذر لم يردع آمال وكالة ناسا. يقول توم فايس، الرئيس التنفيذي لشركة سييرا سبيس، إن إنشاء بنية تحتية دائمة في الفضاء مفتوحة للجميع بمنزلة "بداية أعمق ثورة صناعية شهدتها البشرية على الإطلاق".
يقول ديلان تيلور، الرئيس التنفيذي لشركة فوياجر سبيس، جزء من اتحاد شركة نانوراكس، "بحلول نهاية 2020، أتصور أن تعمل عدة محطات في المدار".
يتردد المرشحون في شرح خطط أعمالهم بالتفصيل أثناء التفاوض مع العملاء المحتملين. لكن معظمهم يتفقون على أن بناء محطة سيكلف ما بين ملياري دولار وثلاثة مليارات دولار، ما يعني أن أي مشروع تختاره وكالة ناسا سيتعين عليه جمع أموال كبيرة للوصول إلى اكتمال المحطة. يقول نائب شركة سييرا سبيس: إنه يتوقع أن تبلغ تكاليف التشغيل خمس تكاليف تشغيل محطة الفضاء الدولية.
يتفق جميع المنافسين على أن النموذج سينجح فقط مع وكالة ناسا في البداية باعتبارها عميلا رئيسا. يقول تيلور من شركة فوياجر، "سيستغرق بناء صناعة قوية وقتا".
لكن، في إشارة إلى الطلب غير المستغل على خدمات القطاع الخاص، يقول مايك سوفريديني، مؤسس شركة أكسيوم سبيس، إن شركته قد حصدت بالفعل نحو ملياري دولار من الإيرادات عبر تنفيذ مهمات خاصة لصالح محطة الفضاء الدولية، لتطوير بدلة فضائية ومشاريع بحثية خاصة.
مثل منافسيها، تستهدف شركة أكسيوم دولا ذات طموحات فضائية لم تلعب دورا مهما في محطة الفضاء الدولية.
تقول سارة الأميري، رئيسة وكالة الفضاء الإماراتية، "أي دولة حديثة العهد بارتياد الفضاء ستكون لديها إمكانية الوصول إلى الخدمات في مدار أرضي منخفض لم نكن قادرين على تحمل تكاليفه من قبل، لأن البرامج مثل محطة الفضاء الدولية تتطلب كثيرا من الاستثمار المسبق المستمر. الآن، ستتمكن الدول مثل الإمارات من الاستفادة من الخدمات التي نحن بحاجة إليها".
بيئة "الجاذبية الصغرى" عديمة الوزن لمحطة فضائية مفيدة جدا للأغشية المكونة من البروتين والتي تصنعها شركة لامبدا فيجن، كانت عامل جذب لكثير من الشركات. الجاذبية الصغرى تؤثر في سلوك المواد الصلبة والسوائل والغازات - والأنسجة الحية. ويسمح هذا للعلماء بممارسة سيطرة أكبر على عديد من العمليات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية، من نمو البلورات والخلايا إلى خلط السوائل ونقل الحرارة.
يمكن للجاذبية الصغرى أن تقضي على العيوب الموجودة في كربيد السيليكون المستخدم في إنتاج أشباه الموصلات. هناك حماس متزايد أيضا لإنتاج كابلات ألياف بصرية فائقة النقاء - على الرغم من أن هذه ستقتصر على الاستخدامات المتخصصة.
حتى الآن، استفاد باحثو الطب الحيوي والصيدلاني إلى أقصى حد من الجاذبية الصغرى في محطة الفضاء الدولية. لطالما كان رواد الفضاء فئران تجارب لإجراء دراسات حول الآثار طويلة المدى للجاذبية الصغرى في جسم الإنسان، التي قد تصبح عاملا مفيدا مهما عند إرسال أشخاص لإنشاء قواعد قمرية ثم زيارة المريخ في وقت لاحق. يقول دانيلو تاجل، مدير المبادرات الخاصة في المركز الوطني الأمريكي لتطوير العلوم الانتقالية، إن الأشخاص الذين يقيمون في الفضاء لفترة طويلة، مثلا، تظهر عليهم "علامات الشيخوخة المتسارعة".
لدراسة هذه التأثيرات، ترسل المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة "رقائق نسيجية" إلى محطة الفضاء الدولية. هذه النماذج ثلاثية الأبعاد الصغيرة للأنسجة البشرية - بما فيها الرئة ونخاع العظام والأمعاء والقلب والكلى والعضلات - تنمو في بيئة الجاذبية الصغرى بشكل أفضل من الأرض.
من بين شركات الأدوية، كانت شركة ميرك الأمريكية الرائدة في هذا المجال بقيادة عالم الأبحاث بول رايكرت. أنتجت التجارب التي أجريت على محطة الفضاء الدولية معلقات بلورية فائقة في عقار جيترودا، وهو علاج السرطان الأكثر مبيعا لشركة ميرك، كما يقول.
رايكرت متحمس لاستخدام المحطات التجارية، لكنه حذر بشأن إنتاج الأدوية للسوق في الفضاء. يقول، "المشكلة ليست فقط في اللوجستيات، لكن أيضا في الحجم. علاجات الأجسام المضادة أحادية النسيلة تصنع بالأطنان. من الصعب تخيل كيفية توسيع نطاقه إلى هذا الحد. النموذج حيث نستخدم الفضاء كمختبر ونطبق النتائج لتحسين العمليات على الأرض يعجبني".
يعتقد جوش ويسترن، مؤسس شركة سبيس فورج الناشئة في مجال التصنيع في الفضاء، أن من الممكن اقتصاديا إنتاج كميات كبيرة في الفضاء وإعادتها إلى الأرض، لكن فقط إذا كانت المنتجات صغيرة نسبيا وذات قيمة عالية جدا. شركته، التي تهدف إلى تصنيع أشباه الموصلات والسبائك والمركبات في الفضاء، حددت حجم سوقها بأكثر من 100 مليار دولار في الـ15 - 20 عاما المقبلة.
مع ذلك، لا يخطط لحجز مكان في أي من المحطات المقترحة على وكالة ناسا التي يتعين عليها دعم الطواقم البشرية. يقول، "لا نريد أن نكون في أي مكان بالقرب من البشر. في محطة الفضاء الدولية لديك رواد فضاء يتحركون. في كل مرة يمسكون بمقبض يكون لديك اهتزاز قد يتداخل مع بلورتك".
يقول: إن معظم المحطات المقترحة ستطير أيضا في مدارات دون المستوى الأمثل من أجل التصنيع الأنقى. "نظرا إلى أن المدار الأرضي المنخفض ليس بعيدا جدا، فلا يزال لديك بعض القيود الأرضية. ستتداخل أجزاء من الغلاف الجوي مع ظروف الفراغ". بدلا من ذلك، تقوم شركة سبيس فورج بتطوير مصانع فضائية مستقلة خاصة بها ونقلها، وفي أقصى حد، من شأنها أن تلتصق بمحطة خاصة لإعادة الإمداد أو تفريغ البضائع.
يقول مايك جولد، نائب الرئيس التنفيذي لشركة ريدواير، وهي جزء من ائتلاف أوربتال ريف، إن المحطات المستقلة - التي تعادل المصانع المؤتمتة هنا على الأرض - ستكون معروضة من مشغلي محطات الفضاء التجارية.
مع انتهاء محطة الفضاء الدولية من أنشطتها تدريجيا، تبدأ وكالة الفضاء الأمريكية ناسا في التفكير في كيفية الحفاظ على إرثها، كما تقول جاتينز، "لا يمكننا التخلص من كل هذا الشيء وتحويله إلى متحف - أتمنى أن نتمكن من ذلك". هناك خيار آخر. تقول، "إذا أرادت بعض المحطات الفضائية التجارية أن تقترح أخذ قطعة لاستخدامها، سنفكر في ذلك".
حتى الآن ليس هناك عروض. ما لم يتدخل شخص ما، سيتم دفع محطة الفضاء الدولية إلى الغلاف الجوي للأرض في كانون الثاني (يناير) 2031، حيث ستحترق عند الدخول مرة أخرى وتغرق في جنوب المحيط الهادئ. سيكون تيلور من "فوياجر" واحدا من بين الملايين الذين سيحزنون على انتهائها. يقول، "يجب أن تفوز محطة الفضاء الدولية بجائزة نوبل. فهي أحد أفضل الأشياء التي قام بها البشر على الإطلاق".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES