FINANCIAL TIMES

ما نسيء فهمه بشأن التضخم

ما نسيء فهمه بشأن التضخم

ما التضخم؟ تبدو الإجابة واضحة، عندما تصبح الأشياء أكثر تكلفة، فهذا تضخم، وهو أمر غير سار. لكن هناك نظرة مغايرة لصاحبها ميلتون فريدمان. في حديث في 1963، عرف الاقتصادي ذو التأثير الكبير التضخم بأنه "ارتفاع ثابت ومستمر في الأسعار" وأضاف أن "التضخم هو دائما وأينما كان ظاهرة نقدية".
تبيين الفرق مهم. ضع في الحسبان تصورين ربما يوضحانه. في كل منهما، ارتفعت أسعار المستهلك 10 في المائة خلال العام الماضي.
في "عالم التضخم"، هناك كثير من المال في الأرجاء. يزداد كل شيء تكلفة بالمعدل نفسه، بما في ذلك العمالة. لأن أجرك يرتفع بمعدل الأسعار نفسه، الوضع مربك ومزعج قليلا، لكنه لا يشكل أزمة. يتمثل الخطر الرئيس في أن يصبح التضخم أبديا، وتقع المسؤولية الرئيسة لحل المشكلة على عاتق البنك المركزي.
في "عالم أزمة الطاقة"، تضاعفت تكلفة الطاقة. يذهب نحو 10 في المائة من الإنفاق إلى الطاقة، ثم أصبح 20 في المائة تقريبا. في عالم أزمة الطاقة، لا يزال مؤشر أسعار المستهلك مرتفعا 10 في المائة، ويصف جميع الصحافيين الموثوقين الوضع بأنه "تضخم يبلغ 10 في المائة"، تماما مثلما هو الوضع في عالم التضخم.
لكن الزيادة في الأسعار ليست "ثابتة"، فهي ليست واسعة الانتشار، ومن غير المرجح أن تكون "مستمرة".
إن خطر تشكل صدمة أبدية في أسعار الطاقة ضئيل. من الصعب تصور أن ننفق 30 في المائة من الدخل على الطاقة في العام المقبل، و40 في المائة العام الذي يليه، و50 في المائة في العام الذي بعده. لكن الضرر جسيم بما يكفي، وليس مربكا باعتدال، فهذه أزمة. ضرورة أساسية أصبح كثيرون لا يستطيعون تحملها.
في عالم التضخم، تبدو الأشياء أكثر تكلفة فقط، لأن بطاقات الأسعار تتغير باستمرار. هذا هو التضخم. في عالم أزمة الطاقة، الأشياء أكثر تكلفة فعلا. أجرؤ على القول إن هذا ليس تضخما - بل أسوأ بكثير.
ينطبق الفرق نفسه عندما تصبح الأشياء أرخص بفضل التقدم التكنولوجي. الموسيقى أرخص بكثير مما كانت عليه من قبل، وكذلك أجهزة الكمبيوتر المحمولة والألواح الشمسية. وبكلمة "أرخص" لا أعني المعنى الذي يكاد لا يعني شيئا بأن هناك أرقاما أقل على بطاقة السعر. أعني أرخص بالطريقة الوحيدة التي تهم حقا، أي أنها تتطلب موارد أقل لإنتاجها، وهي بذلك ميسورة التكلفة بكميات أكبر لمزيد من الناس.
ربما يكون مصير مشروعي لفصل تغيرات الأسعار الحقيقية عن التضخم هو الفشل. يحتوي العالم الحقيقي، بالطبع، على عناصر من كليهما، لذا الخلط بينهما أمر لا مفر منه. نتعامل مع زيادة مؤقتة لكنها مؤلمة جدا في التكلفة الحقيقية للطاقة والغذاء، كما هو الحال في عالم أزمة الطاقة، لكن شهدنا أيضا سياسات نقدية متساهلة، وزيادات أوسع في الأسعار، مثل عالم التضخم.
لكن سببي ارتفاع الأسعار يتطلبان استجابات سياسية مختلفة تماما. في عالم التضخم، يعد التضخم ظاهرة نقدية ويحتاج إلى استجابة نقدية مثل ارتفاع أسعار الفائدة. أما في عالم أزمة الطاقة، يحتاج ارتفاع الأسعار إلى استجابة واقعية في شكل دعم للأسر المتعثرة، وبذل كل جهد ممكن لخفض الطلب، وإيجاد مصادر جديدة للإمداد.
انظر حولك وسترى كثيرا من الالتباس في هذه النقطة. في الولايات المتحدة، لا يعد قانون خفض التضخم الموقع أخيرا أمرا من هذا القبيل. القانون يعد بخفض أسعار الأدوية باهظة الثمن، ومنح إعفاءات ضريبية لمصادر الطاقة منخفضة الكربون، وتشديد بعض الثغرات الضريبية. هذه سياسات واعدة، لكنها إذا نجحت فستنجح بتحسين هيكل الاقتصاد الحقيقي، وليس من خلال تشديد الظروف النقدية.
ينطبق المنطق نفسه على مقترحات الولايات المتحدة الرامية إلى تشديد سياسة المنافسة. إذا تفككت شركات احتكارية وقلت هوامشها الربحية الكبيرة، يجب أن ينتج عن ذلك انخفاض الأسعار وزيادة الحوافز لتحسين الجودة والخدمة. ينبغي أن يعني هذا زيادة استثنائية في مستويات المعيشة الحقيقية، التي يمكن القول إنها أهم بكثير من أي تأثير في التضخم. إذا أثر ذلك في التضخم، فسيكون مؤقتا، ولم يكن "خفض التضخم" قط، ولا يفترض أن يكون أبدا، اختبارا لسياسة المنافسة.
أو فكر في الدخل الأساسي الشامل. في الأغلب ما تهاجم الفكرة بحجة أنها تضخمية، لكن لا شيء تضخمي تحديدا في زيادة الضرائب واستخدام الأموال لتمويل دخل أساسي. الحجة ضد الدخل الأساسي لا علاقة لها بالتضخم، بل هي أن تلك الضرائب المرتفعة إضافة إلى توافر النقد غير المشروط ربما تثبط حافز العمل لكثير من الناس.
كان فريدمان يبالغ في التبسيط عندما أعلن أن التضخم دائما وأينما كان ظاهرة نقدية. لكن العبارة ليست خاطئة تماما ولها توضيح قوي. إذا حاولت تقييم إعانات الطاقة النظيفة، أو دعم الأبحاث المتطورة، أو سياسة المنافسة، أو الإصلاح الضريبي من خلال عدسة انهيار التضخم، فقد فاتك القصد. يعتمد نجاح هذه السياسات أو فشلها على مزاياها الواقعية.
في الوقت نفسه، أفضل تنبؤ للتضخم على المدى الطويل هو أنه بعد خمسة أعوام سيكون معدل التضخم أيا كان ما تريده البنوك المركزية المستقلة. حتى لو تمكنت الحكومات المنتخبة من المساعدة، فإن لديها كثيرا من المشكلات الاقتصادية الخطيرة لإبقائها مشغولة. لعلها يجب أن تبدأ العمل من تلك النقطة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES