الصحافة الذكية «1»

آمل ألا يوحي العنوان بأن الصحافة كانت غبية ثم استذكت فجأة، أو أن قطع اللدائن ستلغي شيئا اسمه صحافة، بل للمهنة القدرة الفائقة والمرونة الكافية للتعامل مع المستجدات والتماهي مع المتغيرات النوعية لكيفية صناعة المحتوى الإعلامي.
منذ الأزل والصناعة في تغير، لكنه ليس تغيرا وجوديا، بل نوعيا وأدوات الذكاء الاصطناعي لم تؤثر إلا في شكل الصورة، أما الصناعة ذاتها لم تتغير حتى الآن، وآلة الذكاء الاصطناعي موجودة قديما في آلة الطباعة وشبكات الأخبار وتقنيات الصحافة الإلكترونية، وصولا إلى طريقة النشر والتوزيع الرقمية، الذكاء أثر حتى الآن في البيانات وجمعها وتحليلها وأسلوب عرضها، علاوة على روح الصحافة التي بقيت، بل بثت فيها خوارزميات الذكاء الاصطناعي روح الإبداع والتجدد.
صحيح أن تطور العمل الصحافي كان سلحفائيا، فمنذ القرن الـ15 وحتى القرن الماضي لم يطرأ تغيير جذري بالمعنى الحقيقي، وإنما تغيرات طفيفة طالت الورق والطباعة والنشر والتوزيع، فيما سجل القرن الحالي تغييرات هائلة وضوئية جاءت بعد الإنترنت والتحول الرقمي، وهذا يعني أن ما حدث في 20 عاما يوازي ستة قرون مضت من عمر الصحافة بمفهومها الحديث.
هذه النقلة الثورية - إن جاز التعبير - كانت صادمة للمهنة ذاتها، فضلا عن المشتغلين بها، الذين ظلوا غير مصدقين أنها ستفنى كيفا وليس نوعا، حتى هذه اللحظة هناك مؤسسات صحافية تغلق تباعا مشدوهة من الموقف السريع الذي كان يمكن معالجته في المراحل الأولى، وطفقت بعض المؤسسات تستخدم مرهما لإخماد حرائق ضخمة، وحاولت جاهدة إيجاد حلول مساعدة للمضي بالمهنة إلى ضفة الأمان، لكن أتت كورونا على البقية الباقية من الحلم القديم ونسفت كل شيء، وتضاعف الضرر وطارت بعض الآمال المعلقة.
من ينظر عبر شرفة الإنترنت في بدايات القرن الـ20 يدرك حجم التحدي.
كانت الصحافة وقادتها والمستثمرون فيها أول من يركب النذير، فقد كانت البشير عبر صفحاتها آناء الليل وأطراف النهار، لكنها طبقت وبتفان نظرية الشخص الثالث، وكأن الأمر لا يعنيها، وهي ليست مشكلة عربية، بل عالمية بدرجات متفاوتة ومعظم الجهود جاءت متأخرة أو غير كافية، لكنها تبقى محاولات لإنعاش مريض القلب وروشتة لإبقاء المريض على قيد الحياة فترة أطول لا أكثر... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي