Author

عناصر القوة .. أدوات التنافس

|
تختلف عناصر القوة من عصر إلى آخر، حسب معطيات العصر ذاته المتمثلة في المعرفة المتحققة، والموارد المتوافرة، سواء كانت موارد مادية، أو بشرية، أو موقعا متميزا لدولة، كالإطلالة على البحار، أو توافر الأنهار، كما في نهر النيل الذي تعيش عليه دول عدة في إفريقيا، كإثيوبيا، والسودان، ومصر.
هذا فيما يتعلق بالقوة المدنية / الاقتصادية التي تؤهل الدولة التي تتمتع بها أو بعضها للعب دور حيوي، ليس على الصعيد الإقليمي، بل العالمي، إذ في الوقت الراهن تلعب الولايات المتحدة دورا بارزا في توجيه كثير من السياسات العالمية، إلا أن الساحة لم تعد حكرا عليها، فالساحة العالمية أصبح فيها منافسون كثر يمتلكون عناصر قوة تمكنها من اللعب عالميا، فالصين منذ عقود، وبضائعها تغزو أسواق العالم بصورة متدفقة، وجارفة لما يقع في طريقها، لسعرها التنافسي، ولوفرة الإنتاج. والمملكة - على سبيل المثال لا الحصر - تمتلك عناصر قوة تبوأت بها مكانة جيدة، خاصة فيما يتعلق بالطاقة، وسياساتها، وكميات إنتاجها، وأسعارها، ويضاف إلى عنصر القوة هذا عنصر القوة الدينية متمثلا في كونها مهبط الوحي، وموئل الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين كافة.
قوة المعرفة لا تقتصر منتجاتها على الاقتصاد بجميع منتجاته، كالسيارات، والطائرات، والمباني، والأثاث، وأدوات الزينة، والأدوية، وغيرها، وإنما أسهمت المعرفة المتقدمة متمثلة في النظريات والنماذج في صناعة السلاح بجميع أنواعه، وأشكاله، ومستويات التدمير التي يحدثها.
في عصور سابقة مع محدودية المعرفة كانت القوة الخشنة تتمثل في النبل، والسيوف، والرماح، والخيول، والجمال، ودواب أخرى هي الأدوات المستخدمة في الحروب، ولذا تغنى الشعراء بها مدحا وثناء على دورها في قهر الأعداء المعتدين، وتفاخرا بها، كما في قول المتنبي:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
أما عنترة فيقول في هذا السياق:
يدعون عنتر والرماح كأنها
أشطان بئر في لبان الأدهم
إذا كانت أدوات الحرب في العصور الماضية تتمثل فيما ذكر آنفا، إلا أن الوضع تغير تماما ليكون التدمير شاملا، والقتل جماعيا، بدلا من أدوات القتل الفردي، فالطائرات المقاتلة، والصواريخ، والقنابل، والمدافع لها الكلمة، والحسم في حروب العصر الحاضر، ولذا تتنافس شركات تصنيع السلاح في اختراع الدقيق، والأشد فتكا، وتدميرا، ولعل أبرز مثال ما فعلته الولايات المتحدة في هيروشيما ونجازاكي، حيث اختفتا من خريطة اليابان، وقتل سكانهما، وشوه من بقي على قيد الحياة، ليمثل الحدث نقطة انعطاف قوية في تقنية الحروب تبرز وحشية بعض البشر.
عنصر قوة أساس كان موجودا منذ القدم، ولا يزال ألا وهو قوة الكلمة، ودورها في التثبيط، أو رفع المعنويات، إذ في السابق كان للشعراء دور بارز في دعم المتحاربين، وتحميسهم، والرفع من معنويات الجيوش، كما كان يفعل عبدالله بن رواحة، وحسان بن ثابت، فشعرهما كان وقعه كوقع النبال على الكفار «اهجهم وروح القدس معك»، ولذا أعتقد أن قوة الكلمة لها دورها في كل الأزمنة، ولا أتفق مع الشاعر في قوله «الشعر في زمن القنابل ثرثرة».
إنشرها