Author

2008 .. هل تعيدها الديون؟

|

على رأس المخاوف التقليدية التي تصبغ المشهد الاقتصادي العام عادة، هي تلك التي ترتبط بديون الأفراد والديون السيادية، جراء رفع الفائدة على الدولار.
هذه حقيقة تظهر تماما، عندما يضطر المجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" لزيادة الفائدة، كما هو حاصل حاليا. حيث لم يتحمل الاستمرار في سياسة التيسير الكمي، بينما بلغت مستويات التضخم في البلاد درجات عالية للغاية لم يسبق لها مثيل منذ أكثر من أربعة عقود.
الفائدة الأمريكية باتت "السلاح" الوحيد أمام المشرعين الأمريكيين لكبح جماح التضخم، بصرف النظر عن طول المدة أو قصرها في التشديد المالي الحالي. فالفائدة في الولايات المتحدة ربما ستصل في نهاية العام الجاري إلى 3.75 في المائة بحسب عدد كبير من المراقبين، ولا سيما في ظل عدم وضوح الرؤية حيال الموجة التضخمية التي تسيطر على المشهد العام.
ولا شك أن تراجع ارتفاع الأسعار على الساحة الأمريكية الشهر الماضي، يمثل مؤشرا جيدا للمشرعين الأمريكيين، إلا أن هذا التراجع ليس مضمونا في الأشهر المقبلة، ما يعني أن "الفيدرالي" سيواصل مسيرة التشديد النقدي، خصوصا إذا ما أصر على جلب التضخم إلى الحدود الرسمية المعلنة له، وهي 2 في المائة. ولأن الأمل بعيد لتحقيق هذا الهدف في فترة قصيرة، فليس أمام المسؤولين الاقتصاديين، إلا مواصلة رفع الفائدة حتى نهاية العام الحالي على الأقل. لكن الضغوط التي تفرضها الفائدة المرتفعة على التضخم، تواجهها أيضا الديون بكل أنواعها، خاصة تلك المقومة بالدولار. فحتى قبل أن يدخل العالم في الموجة التضخمية المقلقة، كانت الديون السيادية تحديدا محل شك بسبب الأضرار التي ألحقتها جائحة كورونا بكل الاقتصادات حول العالم دون استثناء. والأمر ينسحب على ديون الأفراد الذين يواجهون أيضا أقساطا مرتفعة بفعل زيادة الفائدة.
التعثر في السداد بات يلوح في الأفق، والجميع لا يزال يتذكر كيف أن الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 قد انفجرت بفعل القروض الرخيصة، الناجمة عن جشع البنوك ورخص تكاليف الاقتراض في آن معا. المهم الآن هي القروض التي تخص عدة دول نامية. وهذه الأخيرة حظيت في بداية جائحة كورونا بتسهيلات في ديونها، من قبل "مجموعة العشرين"، بما في ذلك تأجيل السداد وخفض الفوائد، وغير ذلك من عوامل مساعدة. لكن الفائدة المرتفعة حاليا على الدولار أضافت مزيدا من الضغوط، على اعتبار أن أغلب الديون تكون مقومة بالعملة الأمريكية. وقروض الأسواق الناشئة نمت بقوة في العقد الماضي، حيث ارتفعت في غضون عشرة أعوام من 3.3 تريليون دولار إلى 5.6 تريليون دولار. ولا شك أن جزءا كبيرا من هذه القروض ارتبط بالتنمية. لكن هذه التنمية تلقت ضربة من جائحة كورونا، وأخرى من ارتفاع لا يتوقف للفائدة الأمريكية، ما يزيد الضغوط على اقتصادات كل الدول التي تواجه ديونا متعاظمة، وفوائد متزايدة.
وقضية التخلف عن السداد لا تستهدف فقط الاقتصاد المدين المعني، بل تنال أيضا مباشرة من الصناديق الاستثمارية والتمويلية المنكشفة عليه. وهذه النقطة تثير حاليا مخاوف جمة لدى القائمين على هذه الصناديق. فالمخاطر الاقتصادية يمكن أن تتضاعف في غضون الأشهر القليلة المقبلة، وفق جميع تقديرات وكالات التصنيف الائتماني، ما يزيد من وتيرة المخاوف التي تشكلت عمليا من اضطراب كبير ومستمر للاقتصاد العالمي كله. أزمة ديون يمكن أن تظهر في أي لحظة، ولا تبدو لها حلول جاهزة على الأقل في الوقت الراهن.

إنشرها