FINANCIAL TIMES

2032 .. الهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم

2032 .. الهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم

هذا الأسبوع احتفلت الهند بعيد ميلادها الـ75 وهي ليست أكثر ثراء، قياسا ببقية العالم، مما كانت عليه عند الاستقلال، لكنها في صعود.
بدأت الهند باعتبارها سادس أكبر اقتصاد في العالم، وتراجعت إلى المرتبة 12 بحلول 1990، ثم صعدت مرة أخرى إلى المركز السادس منذ ذلك الحين. عند الاستقلال كان متوسط دخلها يعادل 18 في المائة من المتوسط العالمي، لكن هذا الرقم انخفض حتى أوائل التسعينيات، قبل أن يرتفع مرة أخرى إلى نحو 18 في المائة.
مسار التطور هذا على شكل حرف V، المثير للقلق، هو إرث من الاختيارات الأصلية للهند. في الدول الآسيوية الأخرى، في الأغلب تمنح الدولة شعبها الحريات الاقتصادية أولا، ثم الحريات السياسية لاحقا، مع زيادة ثراء البلاد. في الهند، منحت الدولة أمة فقيرة الحرية السياسية أولا، لكن في اقتصاد اشتراكي لم تعتنق مطلقا الحرية الاقتصادية بالكامل.
بدأت عودة الهند في التسعينيات حينما أدركت إخفاقاتها المبكرة وبدأت تخفيف الضوابط الاشتراكية - جزئيا - وإتاحة مزيد من الفرص للقطاع الخاص. صعدت الدولة تدريجيا في تصنيف الحرية الاقتصادية التابعة لمؤسسة هيريتيج، لكنها لا تزال ضمن أدنى 30 في المائة من الدول التي تعتنق الحريات الاقتصادية.
في أواخر 1990 كانت الهند والصين متساويتين تقريبا، من حيث إجمالي الناتج المحلي الإجمالي ومتوسط الدخل. كلاهما دفع بإصلاحات اقتصادية. لكن الصين دفعت بقوة أكبر، من خلال تشجيع الهجرة الجماعية إلى وظائف أكثر كفاءة في المدن، والتخلص الجماعي من المصانع الحكومية ضعيفة الأداء. منذ 1990 شهدت الهند نموا في الناتج المحلي الإجمالي يبلغ عشرة أضعاف إلى 3.2 تريليون دولار، وارتفع متوسط دخل الفرد أكثر من خمسة أضعاف إلى 2200 دولار. لكن الصين نمت بشكل أسرع في كلا المقياسين، وهي اليوم أكبر من الهند وأغنى منها خمس مرات.
لقد ولى الآن عصر النمو المعجزة - 7 في المائة أو أكثر. يؤدي ارتفاع الديون وتراجع التجارة وانخفاض الإنتاجية وتراجع نمو السكان ممن هم في سن العمل إلى تباطؤ الاقتصادات في كل مكان، بما في ذلك الصين. مع بلوغ النمو ذروته في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، كان أكثر من 50 اقتصادا في أنحاء العالم تتوسع بسرعة بمعدل أعلى من 7 في المائة سنويا. في 2010 انخفض العدد إلى أقل من عشرة اقتصادات، معظمها صغيرة. اليوم، المعدل المستهدف الأكثر منطقية بالنسبة إلى الاقتصادات ذات الدخل المنخفض هو 5 في المائة.
هذا أمر ممكن بالنسبة إلى الهند. تتمثل إحدى نقاط قوتها الرئيسة في ثقافة ريادة الأعمال القوية، التي تنعكس في واحدة من أقدم أسواق الأسهم في آسيا. منذ 1990 حققت السوق عوائد سنوية تبلغ 12 في المائة في الدولار، أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي، ما جذب مزيدا من المستثمرين من جميع أنحاء العالم.
على مدى العقد الماضي ارتفع نحو 800 من أسهم الأسواق الناشئة بنسبة بلغت 500 في المائة لتصل إلى قيمة سوقية تتجاوز مليار دولار، من بينها أكثر من 150 شركة في الهند ـ ثاني أعلى رقم بعد الصين. علاوة على ذلك تمثل هذه المجموعة نحو 40 في المائة من أسهم الشركات الهندية التي تزيد قيمتها على مليار دولار، وهو ما يمثل أعلى تركيز لقصص النجاح الكبيرة في الأسواق الناشئة.
اتبعت الثروات هذا الاتجاه. في العقد الماضي ارتفع عدد المليارديرات في الهند من 55 إلى 140 مليارديرا، وهي الآن تحتل المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والصين. في حين أن هذا يغذي القلق بشأن عدم المساواة، إلا أن التعمق في الأمر يعكس ديناميكية تنافسية بدلا من الركود في القمة.
ما يثير الدهشة أن أكثر من اثنين من كل ثلاثة مليارديرات هنود هم أسماء جديدة انضمت إلى قائمة الأثرياء في العقد الثاني من القرن الحالي. سقط أكثر من ثلث 55 شخصا كانوا في القائمة في بداية العقد. كثير من المليارديرات الجدد ازدهروا في الصناعات الإنتاجية، مثل التكنولوجيا والتصنيع، التي كانت في السابق نقطة ضعف بالنسبة إلى الهند. لكن التصنيع أخذ يتوسع بوتيرة هادئة، ويشكل الآن 17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي - لا يضاهي الصين، لكن التقدم المحرز كان بالمستوى نفسه.
مع الأسف، حيوية القطاع الخاص في الهند يقابلها عدم كفاءة القطاع العام. شكلت الشركات المملوكة للدولة 25 في المائة من سوق الأسهم الهندية قبل عقد من الزمن، لكن النسبة انخفضت إلى 7 في المائة. لم يحدث ذلك بسبب التخصيص الذي تقوده الدولة، سوء إدارة الحكومة كان يدمر القيمة وثروة دافعي الضرائب.
لكن من نواح أخرى، أحرزت الحكومة تقدما. في 1985 لاحظ رئيس الوزراء آنذاك، راجيف غاندي، أن من بين كل 100 روبية تنفق على الفقراء، 15 روبية فقط تصل إلى المحتاجين. ضاعت بقية المبالغ بسبب الفساد والبيروقراطية. الآن تحول الحكومة الإعانات رقميا إلى المستفيدين مباشرة، عبر التطبيقات التي توسعت بسرعة لتشمل كثيرا من السكان.
زيادة كفاءة دولة الرفاهية تعكس اقتصادا رقميا. الإيرادات من الخدمات الرقمية المختلفة تنمو بمعدل يزيد على 30 في المائة، أعلى من متوسط الاقتصادات الناشئة ونحو ثلاثة أضعاف متوسط الاقتصادات المتقدمة - وهو أمر مرحب به في وقت يتباطأ فيه النمو العالمي.
لكي تنمو الهند بمعدل أعلى من 5 في المائة سيتعين عليها أن تتبنى مزيدا من الإصلاحات الجذرية. 20 في المائة فقط من النساء يعلمن في وظائف رسمية. مضاعفة هذه النسبة إلى 40 في المائة - معدل متوسط لدولة ذات متوسط دخل منخفض مثل الهند - ستكون خطوة تحويلية. كذلك سيكون تشجيع الهجرة الداخلية للحصول على وظائف أفضل، كما فعلت الصين، بالنظر إلى أن تسعة من كل عشرة هنود ريفيين لا يزالون يعيشون في المنطقة التي ولدوا فيها. لكن الهند متنوعة وديمقراطية بقدر تجانس الصين ونظامها الشمولي، فرض إصلاحات مدمرة ليس خيارا مطروحا.
الحالة الأساسية الآن هي نمو 5 في المائة على الأرجح. حتى بهذه الوتيرة، ستكون الهند نجما ساطعا في عالم يتباطأ، إنها تسير على المسار الصحيح لتتجاوز المملكة المتحدة وألمانيا واليابان لتصبح ثالث أكبر اقتصاد بحلول 2032. في هذه المرحلة، قد لا تكون الهند دولة متوسطة الدخل، لكنها ستتحرك في الاتجاه الصحيح، وترتفع مكانتها تدريجيا في العالم.

*رئيس مجلس إدارة روكفيلر إنترناشيونال

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES