FINANCIAL TIMES

المقرضون في أوروبا يستعدون للحياة خارج المنطقة السالبة

المقرضون في أوروبا يستعدون للحياة خارج المنطقة السالبة

عانى المقرضون في أوروبا ضائقة استمرت عقدا من الزمن كانوا أثناءه ينتظرون ارتفاع معدلات الفائدة.
لكن بمجرد أن بدأت البنوك المركزية أخيرا التحرك، أصبحت الأرباح غير المتوقعة التي طال انتظارها عرضة للتهديد بسبب الركود الذي يلوح في الأفق والمخاوف من أن تقوم الحكومات التي تعاني ضائقة مالية بفرض ضرائب جديدة على المقرضين.
في الأسبوع الماضي، قام البنك المركزي الأوروبي برفع أسعار الفائدة في زيادة هي الأولى منذ أيلول (سبتمبر) 2011، بمقدار نصف نقطة مئوية إلى الصفر. جاء ذلك في أعقاب زيادات أكثر صرامة قام بها الاحتياطي الفيدرالي وبانك أوف إنجلاند في محاولات منهما للسيطرة على التضخم الذي يتوقع أن يصل إلى رقم من خانتين قريبا.
قال رالف هامرز الرئيس التنفيذي لبنك يو بي إس، لـ"فاينانشال تايمز"، "سيتعين على العالم أن يتعلم العمل المصرفي من جديد. لقد ظلت منطقة اليورو في المنطقة السلبية لمدة ثمانية أعوام، وكذلك سويسرا التي ظلت فيها منذ سبعة أعوام حتى الآن، حيث لم يقدر الناس قيمة الودائع وحسابات التوفير".
أضاف أن المصرفيين "الذين انضموا إلينا خلال فترة الأعوام السبعة الماضية هنا في سويسرا، لم يعملوا أبدا في أي بنك في بيئة سعر فائدة موجبة".
أدت التطورات الموازية لارتفاعات أسعار الفائدة الإيجابية والضائقة التي يتعرض لها المستهلكون والشركات إلى انقسام الرأي حول الكيفية التي ستسير بها الأمور في البنوك الأوروبية بعد مرور عقد شهدت فيه ركودا في أرباحها وأسعار أسهمها التي كان تداولها يتم دون مستوى أداء أقرانها في الولايات المتحدة بدرجة كبيرة.
لأول مرة منذ أعوام بدأ كثيرون الإحساس بالتفاؤل. أشادت مجدلينا ستوكلوسا محللة في مورجان ستانلي برفع أسعار الفائدة على أنه "سيغير قواعد اللعبة" للقطاع. ارتفاع معدلات الفائدة الأساسية يعني أرباحا أكبر مع تحسن صافي دخل الفائدة، وهو مقياس للفرق بين ما يدفعه البنك مقابل الودائع وبين الرسوم على القروض.
قالت ستوكلوسا، "نعتقد أن ارتفاع أسعار الفائدة في منطقة اليورو هو (...) أكبر محفز هيكلي للبنوك الأوروبية". وتتوقع أن القطاع "غير المكلف سيرتفع 52 في المائة" مقارنة بتقييمه الحالي المتدهور لسوق الأسهم.
إن البنوك التي لديها ميزانيات ودفاتر قروض كبيرة هي الأكثر استفادة من ذلك. مثلا بنك إتش إس بي سي، يجلس على فائض الودائع العالمي البالغ 700 مليار دولار وقد قدر أن قفزة بنسبة نقطة مئوية واحدة في معدل الفائدة ستولد خمسة مليارات دولار إضافية من صافي دخل الفائدة سنويا - أي ما يعادل عشر إيرادات العام الماضي البالغة 50 مليار دولار.
يقدر بنك لويدز أن ارتفاع سعر الأساس للفائدة بمقدار نقطة مئوية واحدة سيضيف 675 مليون جنيه استرليني إلى أرباحه في العام الأول.
تعد ارتفاع معدلات الفائدة وتقلبات السوق الناتجة عن ذلك جيدة أيضا بالنسبة إلى البنوك الاستثمارية. حقق كل من بنك باركليز وبي إن بي باريبا ودويتشه بانك عائدات بمليارات الدولارات عن طريق أذرعها التداولية الكبيرة مع الازدياد في نشاط العملاء.
الخميس، قال بنك باركليز إن الإيرادات من تداول الدخل الثابت قفزت 71 في المائة إلى 1.5 مليار جنيه استرليني في الربع الثاني. كما أعلن دويتشه بانك ارتفاعا ربع سنوي 32 في المائة وسجل بنك جولدمان ساكس مكاسب 55 في المائة في فئة الأعمال نفسها في وقت سابق من الشهر الحالي.
قال رام ناياك، الرئيس المشارك للخدمات المصرفية الاستثمارية في دويتشه بانك، "سواء كنت مديرا للأصول أو لشركة ما، فإن الاتجاه طويل الأجل لمعدلات الفائدة يعني أنك بحاجة إلى إعادة توازن محفظتك في كثير من الأحيان، وهذا هو سبب الزيادة في الإيرادات بشكل مفيد لنا وللصناعة أيضا".
لم نشهد من قبل مثل هذا التفاؤل من جانب المحللين والمستثمرين منذ أعوام. فبعد أن تعثرت البنوك الأوروبية والبريطانية الرئيسة بسبب الأرباح الضعيفة وفضائح سوء الإدارة ومتطلبات رأس المال المرتفعة، تم تداول أسهمها بأقل بكثير من القيمة الدفترية لأصولها. قلة منها حققت عائدا على الأسهم أكبر من 10 في المائة بصورة مستمرة، وهو ما يعده المستثمرون الحد الأدنى.
بعد الأزمة المالية، كانت المنطقة بطيئة في عمليات إعادة الهيكلة وتراجعت كثيرا عن وول ستريت في الخدمات المصرفية الاستثمارية. فيما أدى نقص السيولة المخصصة للاستثمار في التكنولوجيا إلى تعريض البنوك للمنافسة من قبل الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل أبل وجوجل وأمازون.
مع ذلك، قال أليستير رايان محلل في بنك أوف أمريكا إن نهاية أعوام من معدلات الفائدة المنخفضة للغاية أو السلبية "تحول الامتياز الأساس للبنوك من احتمال الخسارة إلى الحياد". استنادا إلى التوقعات الحالية حول مزيد من الزيادات في أسعار الفائدة، يتوقع بنك أوف أمريكا أنه في غضون عام، ستولد بنوك الاتحاد الأوروبي 17 مليار يورو إضافية مطلوبة بشدة على شكل صافي دخل الفائدة كل ربع عام.

العودة إلى السبعينيات؟
لكن حتى مع ارتفاع التفاؤل، لا يزال هناك سؤال كبير بلا إجابة، كم من المكاسب غير المتوقعة من أسعار الفائدة ستفقد بسبب الخسائر من القروض الكبيرة. يواجه المستهلكون أزمة حادة في تكاليف معيشتهم وبدأت الشركات الصغيرة المعاناة بسبب خفض الإنفاق والتضخم المتضاعف بعد فترة وجيزة من الإغلاقات حول العالم بسبب جائحة كوفيدـ 19.
لكن البعض يعتقد أن القطاع يمكن أن يتأقلم مع ذلك، كما نجح في التأقلم خلال أسوأ فترات الجائحة.
قال رايان من بانك أوف أميركا، "حتى مع تباطؤ الإقراض، نتوقع أن تتجاوز فائدة الإيرادات المتكررة لأسعار الفائدة المرتفعة بشكل كبير أثر المخصصات العالية التي تحدث مرة واحدة".
لكن البعض الآخر كانوا أقل تفاؤلا حول ذلك.
قال جيروم ليجراس، رئيس الأبحاث في شركة أكسيوم للاستثمار، "ليس من السهل التنبؤ بتأثير المخصصات وحالات الإفلاس. إن الوضع يشبه كوفيد، جديد تماما، ولم نمر بمثل الذي يحدث الآن منذ سبعينيات القرن الماضي. عندما يكون هناك ما لا يمكن التنبؤ به، تشعر الأسواق بنفور حاد من المخاطرة".
أحد مديري المحافظ في "كابيتال جروب" قاد عملية بيع بقيمة سبعة مليارات يورو في أسهم البنوك الأوروبية هذا العام بسبب مخاوف من تحول الاقتصاد في المنطقة وأن يتكبد المقرضون خسائر فادحة وتكاليف متزايدة بسبب التضخم.
استمرت المخاطر الاقتصادية والسياسية في التصاعد - كما هو الحال في إيطاليا، حيث تسببت استقالة رئيس الوزراء ماريو دراجي في أزمة امتدت إلى سوق السندات الحكومية والنظام المصرفي.
قال المحلل المستقل ستيوارت جراهام، "يبدو أن الركود في كل من الولايات المتحدة وأوروبا بات أكثر وضوحا (...) ويخبرنا التاريخ أن أرباح القطاع المصرفي الأوروبي تنخفض عادة 50 في المائة".
أضاف قائلا، "إن المعنويات الحالية متشائمة بشكل كبير. يرى المستثمرون كثيرا من الأمور التي تدعوهم إلى القلق - بشكل أساس توقف روسيا عن ضخ الغاز الذي يدفع الركود، وكذلك الركود التضخمي في السبعينيات، والضرائب المصرفية وما إلى ذلك - والقليل من المحفزات الإيجابية إن وجدت".
مع ذلك، هناك أدلة قليلة تشير إلى أي ضائقة يمر بها العملاء حتى الآن، ولا يزال جزء كبير من عشرات المليارات من احتياطيات الديون المعدومة المتعلقة بجائحة كوفيد في مكانها على استعداد لاستيعاب الخسائر. أما البنوك الأوروبية التي أبلغت عن نتائج الربع الثاني قد فاقت التوقعات في أغلبها، على الرغم من التحذيرات من الضائقة الاقتصادية المقبلة.
آنا بوتين، الرئيسة التنفيذية لبنك سانتاندر، قالت لـ"فاينانشال تايمز"، "إن المؤشر الأكثر أهمية بالنسبة إلى جودة الأصول المصرفية هو التوظيف عموما. نحن بحاجة إلى أن نرى كيف سيحدث ذلك، لكن إذا استمرت أسواق العمل في الصمود كما يتوقع الاقتصاديون، فيجب أن تظل جودة الائتمان مرنة".
لم يضف بنك باركليز أي احتياطيات إضافية لتغطية القروض المعدومة في المملكة المتحدة في الربع الثاني. قالت المديرة المالية، آنا كروس، لـ"فاينانشال تايمز" إن "العملاء يتصرفون بطريقة عقلانية للغاية"، مثلا من خلال سداد أرصدة بطاقات الائتمان الخاصة بهم بسرعة.
أضافت، "إننا نشهد تراكما حقيقيا للمدخرات من قبل المستهلكين والشركات ودفعا للديون غير المضمونة، لذا فإن العملاء يذهبون إلى هذه البيئة بهيئة أفضل بكثير مما كانت عليه قبل الجائحة".
قال مسؤول تنفيذي آخر في بنك بريطاني، "لا نرى أي علامات على وجود توتر في محفظتنا حتى الآن. عادة ما تكون الإشارة الأولى هي زيادة طفيفة في الأشخاص الذين يسددون الحد الأدنى فقط من المدفوعات على بطاقات الائتمان، لكن في حين أن أعدادهم آخذة في الارتفاع قليلا، فإنها لم تعد إلى مستويات ما قبل الجائحة".
بعث بانك أوف إنجلاند والبنك المركزي الأوروبي بالفعل برسالة إلى البنوك تحذرهم من التعامل مع العملاء المتعثرين بقسوة وأن الصناعة حريصة على عدم فقدان السمعة الحسنة التي صنعتها خلال أزمة كوفيد.
هناك أيضا إمكانية لتقديم مزيد من المساعدات الحكومية غير العادية للعملاء المتعثرين - كما حدث أثناء الجائحة - الأمر الذي سيقلل من تعرض البنوك للإفلاس.
قال ليجراس من شركة أكسيوم، "على الأرجح سيتم تقديم الدعم للشركات التي تعاني أزمة في الطاقة، والقروض المضمونة، وغيرها. أعتقد أن رد فعل القطاع العام سيكون مفيدا للبنوك".

الأهداف السهلة
مع ذلك، سادت مخاوف بين المسؤولين التنفيذيين في البنوك في جلب ضرائب جديدة على الأرباح المرتفعة. اقترحت إسبانيا فرض ضريبة مكاسب غير متوقعة 4.8 في المائة على رسوم البنوك ورسوم الفائدة، التي تم تصميمها لاستعادة بعض الأرباح التي ترد من معدلات الفائدة المرتفعة.
قضى إعلان تلك الضريبة على المليارات من تقييمات أكبر خمسة مقرضين في الدولة مثل سانتاندر وبي بي في أيه. كما فرضت هنجاريا ضرائب على بنوكها في حين قامت بولندا بفرض حظر على سداد أقساط الرهن العقاري لمساعدة المتعثرين من أصحاب المنازل.
قال مدير أحد صناديق التحوط والمتخصص في الشؤون المالية الأوروبية، "تعد البنوك أهدافا سهلة، واحتمال فرض مزيد من الضرائب سيئ للغاية بالنسبة إلى مضاعفات التقييم للبنوك. إن إلقاء اللوم على الشركات الكبرى هو مسار يثبت صحته دائما في حالات الركود للابتعاد عن إخفاقات السياسة الحكومية".
برونو لومير، وزير المالية الفرنسي، أخبر "فاينانشيال تايمز" في مقابلة أجريت معه اخيرا أنه لا يستبعد فرض ضرائب على المكاسب غير المتوقعة العام المقبل، وأنه "يجب توزيع العبء الناجم عن التضخم بشكل منصف بين كل من الدولة وقطاع الأعمال".
أما المملكة المتحدة فلديها بالفعل ضريبة بنكية ورسوم إضافية 3 في المائة على أرباح البنوك، التي تم تخفيضها أخيرا من 8 في المائة، لكنها معرضة لخطر إعادتها إلى ما كانت عليه سابقا في حال احتاجت وزارة الخزانة إلى النقد.
بينما يتجه المنظمون أيضا للاقتطاع من المكاسب الأخرى غير المتوقعة التي يحتمل أن تكون مرتبطة بأسعار الفائدة.
يدرس البنك المركزي الأوروبي كيف سيتمكن من منع البنوك من تحقيق أرباح إضافية بمليارات اليورو من مخططه للإقراض المدعوم بقيمة 2.2 تريليون يورو، الذي بدأ العمل به لتجنب حدوث أزمة ائتمان أثناء الجائحة. قدر بعض المحللين أن المقرضين قد يكسبون مبلغا مشتركا قدره 24 مليار يورو عن طريق إيداع الديون الرخيصة مرة أخرى لدى البنك المركزي للاستفادة من المعدلات المرتفعة للفائدة في الوقت الراهن التي هي أكثر مما كانت عليه عندما منحت القروض.
لكن في حين أن هناك كثيرا من الجدل المستمر حول ربحية النظام المالي الأوروبي، إلا أن القليل من البنوك قلق بشأن ملاءته المالية. إذ تشير اختبارات الإجهاد الأخيرة إلى أن معظم المقرضين يمكن أن يتحملوا ضغوطا اقتصادية كبيرة بعد أن أجبروا على بناء احتياطيات رأسمالية كبيرة بعد الأزمة المالية 2008.
حتى إن بعض المقرضين يرون أن النجاة من أزمة أخرى هي فرصة للبنوك لكي تتخلص من السلبية المستفحلة التي تحيط بها.
قال جراهام، "قد يكون الركود الجيد إيجابيا على المدى الطويل للقطاع. إذا تمكنت البنوك الأوروبية من التغلب عليه دون أن تتعدى أضرار أرباحها أكثر من 25 -50 في المائة، ودون زيادة كبيرة في رأس المال، ولا حظر تنظيمي شامل على المدفوعات وتقريع محدود للبنوك والقمع المالي، فقد يؤدي ذلك في النهاية إلى التخلص من بعض الشكوك العالقة لدى عديد من المستثمرين". أضاف،
"لكن هذا هو الشيء الجميل في البنوك الأوروبية - يمكنك دائما أن تجد كثيرا من الأشياء التي تثير الحنق".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES