default Author

عمال نظافة من نوع خاص

|
من أكثر الحيوانات التي وقع عليها ظلم الإنسان وكرهه واشمئزازه قال عنها تشارلز داروين في رحلته عبر الأطلسي في 1832، "هذه طيور مقززة ذات رؤوس قرمزية صلعاء، شكلت لتعربد في العفن"، إنها النسور التي يوجد منها نوعان في هذا الكوكب، نسور العالم الجديد التي وجدت خصوصا في أمريكا مثل الكندور والكراكاس، ونسور العالم القديم، المؤلفة من 16 نوعا، 11 منها معرضة بشكل كبير لخطر الانقراض.
والسؤال هنا، لماذا النسور بالذات وما الذي تقدمه هذه الطيور الجارحة؟
رغم توحشها إلا أنها تقدم خدمات إيكولوجية حيوية عظيمة، فهي تلتهم الجثث حتى العظم فيتحول عيبها من آكلة للجيف إلى أعظم خادم للبشرية حيث تساعد إمكاناتها العالية وخلقتها التي جبلها الله عليها، على تخليص كوكبنا من الأمراض والأوبئة، تزن هذه الطيور حتى عشرة كيلوجرامات ويبلغ طول جناحها نحو ثلاثة أمتار، يعد النسر ذو الوجه المتدلي ملك آكلي الجثث بلا منازع. منقار هذا الطائر القوي وعنقه الطويل يمكنانه من تمزيق النسيج العضلي للجثث بسهولة، فاتحا المنفذ لبقية النسور الهزيلة للأكل. وتحلق النسور على ارتفاع يفوق 11 ألف متر وهذا الارتفاع لم يبلغه أي طائر آخر، ما يساعدها على اكتشاف الجثث وإرشاد بقية النسور لها. تساعدها رؤوسها منزوعة الريش على التكيف مع الارتفاع المفاجئ في الحرارة أثناء هبوطها وتبقيها نظيفة عندما تقوم بتمزيق الجثث المتحللة.
وخلال ساعات تتحول الجثة إلى ركام من العظام، مباشرة قبل أن يلوث اللحم المتعفن الهواء ومصادر المياه. وتتميز هذه الطيور بمعدل الحموضة الأقل في المعدة في مملكة الحيوانات، بحيث يمكنها ذلك من هضم الجيفة والنفايات دون أن تصبح عليلة. والشرس منها يلتهم عظام الجثث ويهضمها في غضون 24 ساعة!
يساعد هذا التكيف، النسور الأصغر على تكملة نظامها الغذائي بالروث، بينما تتغذى النسور الأكبر على اللحم المتعفن لمدة ثلاثة أيام، وبسبب ارتفاع حموضة معدتها تتوجس باقي الحيوانات خيفة حتى من نفاياتها أعزكم الله، هذه المعدات الفولاذية للنسور مهمة لمنع مسببات الأمراض كـ "الكوليرا، والجمرة الخبيثة، وداء الكلب والسل" من النظام البيئي.
أظهرت دراسات حديثة أن المناطق التي لا يوجد فيها نسور تستغرق الجثث مدة أكبر بثلاث أو أربع مرات لتتحلل، وهذا الأمر لديه تداعيات كبيرة على انتشار الأمراض، إنها كعمال نظافة طبيعيين بلا أجر.
ويراوح دور هذه الحيوانات العجيبة والمظلومة في أغلب الأحيان من عمال نظافة وحماة للبيئة إلى أحد أهم مكتشفي الجرائم. ولنا حديث مقبل عن ذلك.
إنشرها