المملكة المتحدة .. رجل أوروبا المريض

المملكة المتحدة .. رجل أوروبا المريض

منذ إشاعة صياغة القيصر نيكولاس الأول عبارة لوصف الإمبراطورية العثمانية في 1853 أصبحت عبارة "رجل أوروبا المريض" بمنزلة استعارة للانحدار. لكن بالنسبة إلى المملكة المتحدة في 2022، يعد هذا تشخيصا دقيقا لمشكلة أساسية يبدو أنها بريطانية حصريا.
بحلول الوقت الذي أثارت فيه جائحة كوفيد - 19 المخاوف لمدة عام من الموجات الفيروسية المتكررة، مع دورات القيود الاجتماعية والاقتصادية المصاحبة لها، كان هناك نزوح جماعي كبير من القوى العاملة في كل مكان من المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحتى أوقيانوسيا. انسحب ملايين من القوى العاملة للتعافي من الفيروس، أو لرعاية قريب ضعيف أو طفل مقيم في المنزل أو للتقاعد المبكر.
لذلك من غير المفاجئ أن القوى العاملة البريطانية أصغر مما كانت عليه في أواخر 2019. لكن حتى الآن لم يتضح تماما مدى استثنائية المملكة المتحدة في هذا الصدد، أو سبب حدوث الضائقة.
عاد الناس في بلد بعد بلد لسوق العمل تقريبا بالسرعة نفسها التي غادروا بها. في الاتحاد الأوروبي كان هناك 5.8 مليون عامل ناقص بحلول صيف 2020، لكن بحلول أواخر 2021 عادت معدلات البطالة إلى اتجاه ما قبل الجائحة. أكمل جميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ عددها 38، باستثناء بلد واحد، الانتعاش في القوى العاملة أو قطعت شوطا في ذلك بحلول الربع الأول من 2022.
لكن ليس في المملكة المتحدة. في حين شهد 37 بلدا ارتفاعا وانخفاضا في معدلات البطالة، استمر الخط البريطاني في الارتفاع. بشكل فريد بين الدول المتقدمة، ارتفع عدد البريطانيين في سن العمل الذين لا يعملون ولا يبحثون عن وظيفة في كل ربع عام تقريبا منذ نهاية 2019، وكان هذا العدد أعلى في الربع الأول من 2022 من أي وقت منذ تفشي الجائحة.
يعد المرض المزمن الدافع الرئيس لتعثر التعافي في القوى العاملة. من بين تقريبا نصف مليون بريطاني تراوح أعمارهم بين 15 و64 عاما ناقصين من القوى العاملة، استشهد اثنان من كل ثلاثة بالمرض طويل الأمد كسبب لعدم شغل وظيفة أو السعي للحصول عليها. سيكون من السهل توجيه أصابع الاتهام إلى طريقة تعامل بريطانيا مع الفيروس، لكن البيانات تشير إلى خلاف ذلك.
أولا، تعرض جميع الدول تقريبا لموجات الفيروس نفسها على مدار العامين الماضيين، وكانت النتائج متشابهة جدا من حيث دخول المستشفيات. إذا كانت المستويات نفسها من انتقال الفيروس لا تسبب البطالة المزمنة في مكان آخر، فلا يمكنها تفسير ظاهرة المملكة المتحدة.
ثانيا، في إسبانيا، البلد الذي يتبع مساره الوبائي مسار بريطانيا بدقة، لم يقتصر الأمر على عودة جميع العمال الناقصين إلى القوى العاملة فحسب، بل إن مستويات الركود الاقتصادي بسبب المرض طويل الأمد لم تتزحزح على الإطلاق أثناء الجائحة. وينطبق الشيء نفسه على الدول الأوروبية الأخرى.
ثالثا، ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة في بريطانيا يسبق ظهور الجائحة.
مع استبعاد التأثيرات المباشرة لكوفيد، فإن التفسير الأكثر منطقية المتبقي قاتم: ربما نشهد انهيار خدمة الصحة الوطنية، حيث يرى مئات الآلاف من المرضى غير القادرين على الوصول إلى الرعاية في الوقت المناسب، أن حالتهم تتدهور إلى درجة عدم القدرة على العمل. يعد الأشخاص البالغ عددهم 332 ألف الذين ينتظرون لأكثر من عام لتلقي العلاج في المستشفى في بريطانيا تطابقا رقميا وثيقا مع 309 آلاف شخص ناقص الآن من القوى العاملة بسبب المرض طويل الأمد.
من شبه المؤكد أن الصعوبات في الحصول على الرعاية الأولية ستسهم أيضا في ذلك، لأنها بوابة التشخيص والعلاج. يجد 47 في المائة من البريطانيين الآن صعوبة في الوصول إلى شخص ما في عيادة طبيبهم العام، ارتفاعا من 19 في المائة في 2012، وقال 27 في المائة إنهم تجنبوا تحديد موعد هذا العام لأنهم وجدوا العملية صعبة للغاية "ارتفاعا من 11 في المائة".
يعد كوفيد بلا شك عاملا في أزمة خدمة الصحة الوطنية المستمرة، من خلال غياب الموظفين والضغط الإضافي على المستشفيات والحد من القدرة على العمل بسبب تراكم الأعمال. لكن حيث أثبتت أنظمة الرعاية الصحية في الدول الأخرى مرونتها، فإن المملكة المتحدة تجثو على ركبتيها.
قد يكون الفيروس السبب المباشر في الركود الاقتصادي، لكنه ليس الوحيد، ويجب أن تتم معالجة السبب الأخير لعلاج القوى العاملة البريطانية.

الأكثر قراءة