Author

العلاقة بين مؤسسات التعليم والتدريب وسوق العمل

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

في توجه أكثر فاعلية تم إعلان وزارة التعليم مجموعة من الخطوات والإجراءات لترسيخ العلاقة بين مؤسسات التعليم وسوق العمل، بحيث تتم زيادة استيعاب المتقدمين في تخصصات مطلوبة، وتخفيضه في التخصصات الأقل طلبا في سوق العمل، وقد جاءت مجموعة من قرارات مجلس شؤون الجامعات في هذا الشأن كما جاء في الموقع الإلكتروني لوزارة التعليم، حيث تضمن مجموعة من القرارات أبرزها، رفع القبول لضعف ما كان عليه 2020 في الكليات النوعية الصحية والهندسية والتقنية والتطبيقية وإدارة الأعمال... وتخفيض القبول بنسبة لا تقل عن 50 في المائة، في التخصصات غير المتوائمة مع سوق العمل مع زيادة استيعاب الطلاب والطالبات في الكليات النوعية.
وتوسع الجامعات في تطبيق الشهادات الاحترافية والمهنية لجميع التخصصات لرفع المستوى المهاري للطلاب والطالبات في الجامعات، بما ينعكس على إعدادهم لسوق العمل بشكل احترافي وأكثر كفاءة وفاعلية والرفع من مستوى تنافسية الطالب والطالبة محليا وعالميا، وتقوم كل جامعة بإضافة مؤشرات الشهادات الاحترافية والمهنية إلى التقرير السنوي للجامعة.
وقياس نسبة توظيف خريجيها لكل تخصص، وكذلك نسبة توظيف الخريجين بدوام جزئي ودوام كامل، ونسبة الخريجين الذين تم توظيفهم في مجال دراستهم، ومتوسط الراتب الأساسي والإجمالي الشهري للخريجين العاملين على أن يتم تضمينها في التقرير نصف السنوي، وينشر على موقع الجامعة، ما يعطي مؤشرات على أهمية التنافس بين الجامعات للمواءمة بين برامجها الأكاديمية ومتطلبات واحتياجات سوق العمل المحلية والدولية.
هذه القرارات تأتي لتلبي رغبات كثير من الطلاب والطالبات في مؤسسات التعليم العام الذين يجدون صعوبة كبيرة في الحصول على مقعد في التخصصات المطلوبة في سوق العمل رغم تفوقهم وكفاءتهم، لكن محدودية المقاعد تحرمهم هذه الفرصة ليضطروا إلى الالتحاق بتخصصات غير مطلوبة في سوق العمل ولا يميلون إلى الدراسة فيها، فيضيع كثير من الوقت عليهم في حياتهم المهنية، حيث إن سوق العمل تحتاج إلى عديد من الخريجين في مجالات محددة وفي الوقت الذي يصعب فيه استيعاب كثير من خريجي بعض التخصصات اليوم، حيث نجد أن هناك مجالات لا تجد العدد الكافي من القوى العاملة الوطنية، وفي نهاية الأمر يذهب كثير من الخريجين إلى أعمال عامة، وهذا يجعل فائدة دراستهم محدودة رغم التكلفة الاقتصادية لذلك، كما أن المملكة اليوم تعمل على مشاريع عملاقة وفي مرحلة تحول كبير تجاه تنويع مصادر الدخل، والعمل على استقطاب الاستثمارات النوعية، وبناء برامج مستدامة فيما يتعلق بالبيئة والبدائل لمصادر الطاقة باتجاه البدائل من خلال الطاقة النظيفة والأقل تلويثا للبيئة والاستثمار في الذكاء الاصطناعي، والاستثمار في القطاعات اللوجستية والسياحة والاستفادة من الموارد الأخرى في قطاع التعدين، وهذا بلا شك يتطلب بناء كفاءات مميزة للعمل في هذه القطاعات وتطويرها وزيادة جاذبية سوق المملكة للمستثمرين، إذ إن عنصر الكفاءة والقدرات البشرية أمر أساسي لزيادة تنافسية وجاذبية السوق للاستثمار الأجنبي.
من المهم في هذه المرحلة العمل بصورة أعمق فيما يتعلق بمختلف التخصصات لزيادة فاعلية هذه القرارات، بحيث يتم النظر إلى الاحتياج الفعلي للتخصصات وحاجة السوق إليها، فقد يكون الطلب على بعض التخصصات عاليا، وإن كان مجالها العام الطلب عليه أقل وضمن المجالات التي سيكون فيه تقليص لقبول الطلاب، كما أن بعض التخصصات المطلوبة قد يكون في بعض مجالاتها الحاجة فيه إلى خريجين أقل، وهذا يعتمد بشكل كبير على العمل على إصدار تقارير دورية تعطي مؤشرات يمكن أن تستفيد منها الجامعات في توجيه جهودها مستقبلا.
من المهم أيضا العمل على تطوير بعض البرامج التي تتواءم مع التوجهات المستقبلية لسوق العمل، مثل قطاع البيئة والذكاء الاصطناعي وتقنية المعلومات بصورة عامة، والخدمات اللوجستية وقطاع التعدين، التي بدأ التوسع فيها بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية في المملكة.
من المناسب في هذه المرحلة العمل مع الكليات على تطوير برامجها الأكاديمية لتصبح أكثر مواءمة لسوق العمل، وأن يكون هناك تنسيق بينها وبين الجهات ذات العلاقة للوصول إلى فهم أعمق لسوق العمل، فبعض الأقسام الحالية التي يرى أنها لا تتواءم مع سوق العمل يمكن العمل معها لاستبدال بعض برامجها الأكاديمية، أو تطويرها لتكون أكثر مواءمة، إضافة إلى الاستفادة من تلك الأقسام في البرامج المهنية التي يمكن أن تطور من خلالها شهادات مهنية تناسب سوق العمل.
الخلاصة، إن عملية التواصل الفاعل بين مؤسسات التعليم وسوق العمل، ضرورة ومسؤولية، حيث إن معظم الطلاب اليوم يلتحق بالجامعة أو أي برنامج مهني ليلتحق بسوق العمل، وهذا يجعل على المؤسسات التعليمية مسؤولية تهيئة الظروف لتيسير وصوله إلى سوق العمل.

إنشرها