الحوكمة والمساءلة في إفريقيا .. التقدم المحرز والمستقبل «1 من 3»
لو أخذنا بوتسوانا مثلا، فلها قصة متميزة، فمسارها ـ من أحد أفقر اقتصادات العالم إلى بلد ينتمي للشريحة الأعلى من الدخل المتوسط حاليا ـ هو خير شاهد على ما تتمتعون به من إدارة اقتصادية كلية رشيدة، وحوكمة قوية، ومؤسسات جيدة. وأنا على ثقة من أن بوتسوانا تستطيع الاستفادة من هذا الأساس القوي لمواصلة تدعيم أعلى معايير الحوكمة.
للدور القيادي لمفوضية الاتحاد الإفريقي في تعزيز الحوكمة الرشيدة والشفافية، فإننا نحتاج إلى تكثيف جهودنا المشتركة لتعزيز الشفافية، وتحسين الحوكمة، والحد من مواطن التعرض لمخاطر الفساد. هذه المسألة أكثر من مجرد أموال مهدرة، فهي تتعلق بتآكل العقد الاجتماعي وتفتت قدرة الحكومة على تحقيق النمو الاقتصادي على نحو يعود بالنفع على كل المواطنين.
وبالطبع، فإن الفساد قضية قائمة منذ وقت طويل. لكننا اليوم، مع ما نواجهه من أزمات متعددة متزامنة ـ من جائحة كوفيد إلى الحرب في أوكرانيا والتحديات المستمرة التي يفرضها تغير المناخ والموقف الأمني في منطقة الساحل الإفريقي ـ أصبحت الحاجة إلى الحوكمة الرشيدة أشد إلحاحا.
وأوضحت هذه الأزمات المتعددة بجلاء أن الدول ذات المؤسسات الاقتصادية القوية تستطيع مواجهة هذه التحديات بصورة أكثر فاعلية والتأهب بصورة أفضل لتحقيق تعاف قوي منها ـ وينطبق هذا على الدول في كل مستويات التنمية. وندرك أيضا أن معالجة الفساد قضية دولية، نظرا إلى دور المهن التي تمكن الفساد ومناطق الولاية التي تتيح ملاذا آمنا لعائداته.
ولذلك، أود أن أتحدث اليوم عن ثلاثة أمور. أولا، كيف نقوم، في صندوق النقد الدولي، بتكثيف انخراطنا مع المنطقة بشأن قضايا الحوكمة ومكافحة الفساد. ثانيا، بعض قصص النجاح التي نراها في مختلف أنحاء إفريقيا. وأخيرا، ما تبرزه هذه النماذج من عناصر أساسية للحوكمة الرشيدة والمساءلة ـ التي يتعين على المنطقة بأكملها أن تركز عليها للاستفادة بحق من إمكانات إفريقيا. وسأبدأ بتركيز الصندوق المتزايد على هذه القضية.
يبني إطار الصندوق المعزز بشأن الحوكمة والفساد، الذي تمت الموافقة عليه في 2018، على الدروس التي استخلصناها على مدار 20 عاما. وتركز جهودنا على تقليل مواطن التعرض للفساد عن طريق تعزيز الحوكمة في ست وظائف أساسية للدولة: حوكمة البنك المركزي، حوكمة القطاع المالي، حوكمة المالية العامة، تنظيم السوق، سيادة القانون، ومكافحة غسل الأموال.
وفي حوارنا بشأن السياسات مع الدول الأعضاء، ننظر إلى مدى قوة إطار مكافحة الفساد لديها ـ خاصة ما إذا كان متوافقا مع القضايا المحددة التي تواجه البلد المعني ـ ونعمل معه على تحديد خيارات السياسات الكفيلة بتعزيز أطر الحوكمة ومكافحة الفساد. غير أن عملنا يتجاوز نطاق المشورة بشأن السياسات. فبناء على طلب السلطات القطرية، نقوم أيضا بتقديم المساعدة الفنية والتدريب لصناع السياسات في هذا المجال.
وكثير من هذا الجهد تتولى تنسيقه شبكة الصندوق التي تضم 17 مركزا لتنمية القدرات حول العالم. والواقع أن لدينا ستة من هذه المراكز في إفريقيا ـ بما في ذلك معهد التدريب لإفريقيا ـ تعمل من كثب مع الدول الأعضاء وشركاء التنمية للمساعدة على وضع وتنفيذ استراتيجيات شاملة لإصلاح الحوكمة في مجالات تبدأ من إدارة المالية العامة وأعمال البنوك المركزية إلى دعم برامج بناء القدرات في مجالي مكافحة الفساد وسيادة القانون... يتبع.