«بيرجين» التركي يعيد «امرأة الأحزان» إلى الأضواء
في حياتها حطمت بأغانيها الرقم القياسي في المبيعات، وفي مماتها حققت إيرادات قياسية بفيلم يروي قصة حياتها ومعاناتها ومواجهتها للعنف ضد المرأة.. إنها "امرأة الأحزان" الممثلة والمغنية التركية بيرجين سارمير، حيث حاز فيلم السيرة الذاتية التركي "بيرجين" Bergen جماهيرية واسعة، متصدرا شباك التذاكر، محققا إيرادات كبيرة، رغم الجدل الواسع الذي أثير حوله، بسبب قصته المقتبسة من حياة المغنية الراحلة، التي لقيت حتفها على يد زوجها، بعد معاناتها سلسلة من العنف الأسري.
لطالما شكلت الأعمال السينمائية التي تتسم بالملامح الحزينة، وتروي محطات قاسية من حياة شخصيات نجوم سطعت في عالم النجومية، مادة دسمة لصناع السينما وعنصرا جاذبا أساسا لاستقطاب الفئات العمرية المختلفة. تحرك هذه النوعية من الأفلام خليطا من المشاعر تمزج بين التعاطف حينا وبين الغضب أحيانا، وتؤجج في داخلنا الرغبة في الثأر والانتقام للمظلوم، ما يوجد حالة من التماهي بين النجم والمشاهد ويسمح بالتالي بإيصال الرسالة التي يريدها صناع العمل بسهولة أكبر. ولكي يتلون الفيلم بالملامح المناسبة في الأغلب ما ترافق هذه النوعية من الأعمال موسيقى، تجسد حالة الحزن والألم التي بدورها تسهل عملية إيصال الصورة إلى الجمهور بشكلها المطلوب.
يعد فيلم السيرة الذاتية "بيرجين"، أول فيلم تركي تم عرضه في المملكة، وتصدر قائمة أفضل خمسة أفلام خلال الأسابيع الأولى من عرضه. يروي الفيلم القصة الحقيقية لحياة الفنانة التركية بيرجين سارمير وتحولها من عازفة تشيلو واعدة إلى مغنية مشهورة عالميا. ولقد أطلق عليها لقب "ملكة الأرابيسك"، كما حظيت بشهرة واهتمام واسع بعد أن واجهت عديدا من الصعاب لمواصلة الأداء والغناء، على الرغم من استمرار علاقتها التي اتسمت بالعنف والعذاب مع زوجها.
وقد جاء الفيلم التركي الجديد ليغوص في أعماق دهاليز تفاصيل حياة الفنانة التركية بيرجين، والأسباب التي كانت خلف اختيارها هذا اللون الغنائي الحزين، من خلال تصويره أحداثا مشوقة وماتعة عاشتها الفنانة، وتركت في وجدان وذاكرة المشاهد انتماء وحنينا لشخصية عشق أعمالها وتساءل دائما عن سبب حزنها واختيارها هذا النمط من الغناء.
بيرجين .. رمز أنثوي مؤثر
تعد بيرجين سارمير واحدة من رموز الفن التركي، حطمت الرقم القياسي في المبيعات بألبوماتها، ورغم صغر سنها نجحت في حجز مكان لها على الخريطة الفنية لتكون واحدة من القلائل الذين يتركون هذا الأثر حتى بعد رحيلهم. وقد يرجح البعض أسباب انتشارها الواسع لامتلاكها طبقة صوت حزينة، كانت تنقل الشعور بالكآبة وقد يكون هذا أكثر ما ساعدها على تحقيق النجاح. ورغم الشهرة التي عاشتها، إلا أنها كانت حزينة بسبب العنف الذي تعرضت له من قبل زوجها، الذي رمى على وجهها حمض النيتريك وتسبب لها في عمى دائم في عينها اليمنى. واصلت مسيرتها الفنية وكانت تغطي عينها بشعرها الطويل، لقبت بـ"امرأة الأحزان" وتحولت بسبب دفاعها عن المرأة وحقوقها المغتصبة إلى رمز أنثوي مؤثر.
إذا كان للظلم وجه واحد فإن للعنف وجوه عدة، والمرأة التي تعيش هذا الألم، تفقد كثيرا من المعاني التي تجعلها متمسكة بحياتها، قد تكون بيرجين مثالا صارخا لنساء تمردن على العنف ووقعن ضحية قتل سافر، ولعل عرض الفيلم في مثل هذا التوقيت هو رسالة مجتمعية مهمة، تدعو إلى نبذ العنف ومحاربته، ومنع التعرض إلى النساء تحت أي مسمى، لكي لا تتكرر مأساة بيرجين من جديد، ونعيش مأساتها في قصص مشابهة.
عناصر نجاح
قد تكون من أكثر العناصر التي أسهمت في نجاح فيلم بيرجين، حسن اختيار مواقع التصوير، التي تحمل شهادات حية عن قصة ثلاثينية كانت أصغر إخوتها الستة، لكنها عاشت حياة قاسية ومعنفة مع زوجها، الذي لم يكتف بإفقادها عينها اليمنى بل وصل به الأمر إلى قتلها عمدا بإطلاق النار عليها في محافظة بوزانتي في منطقة أضنة، بعد أن أخبرته بأنها لن تعود إليه أبدا.
وشكل مكان تصوير الأحداث في المناطق التي عاشت فيها، وزيارة الأماكن لتي كانت تحبها وتزورها باستمرار عاملا أساسا من عوامل نجاح الفيلم، إذ منحه كثيرا من الواقعية، وساعده على نقل الأحداث بصدق، الأمر الذي زاد من نسبة مشاهدته وإقبال الناس عليه.
كذلك شكلت الموسيقى التصويرية قيمة إضافية لعناصر نجاح الفيلم، إذ كان للنوتات الموسيقية كلمة الفصل لما جسدته من حالة عاطفية برع المخرج في تصويرها ونقلها إلى المشاهد، وفي حالة فيلم "بيرجين" لم يكن من الصعب اختيار الموسيقى، كونه ينقل تفاصيل حياة "امرأة الأحزان"، الفنانة التي غنت الشجن بصوت حزين، ونقلت مشاعر القلق والخوف والتمرد من خلال كلمات أغانيها، وقد نجح الإنتاج في إيجاد هذه التوأمة بين ما تنقله العين وما تسمعه الأذن، وجاءت هذه التوليفة الموسيقية لتخدم القصة وتشكل عنصر نجاح إضافي للعمل.
بين قساوة العنف وواقعية الحقيقة
رغم أن البعض أقلقه الفيلم وهاجمه لكونه يحمل مشاهد عنف قاسية ووحشية، غير أن النجاح المدوي الذي حققه العمل في دور العرض، دحض جميع الادعاءات، وأكد أن الفيلم تحدث بتجرد عن واقع النساء المعنفات التي تشكل بيرجين الحالة الأصعب من بينها، كونها تعيش تحت الأضواء، وكيف يمكن له ألا يحمل مشاهد قاسية إذا كانت الحقيقة أصلا قاسية ومدمرة، من هنا كان لا بد من نقل بعض الصور بأسلوب سينمائي صحيح لكن بتجسيد حقيقي، لكي يتم إيصال الفكرة إلى المشاهد بالطريقة المناسبة. فضلا عن أن السيرة الذاتية في الأغلب ما تحمل في طياتها بعض التجميل للحقائق، لكي لا تعكس الصورة البشعة كما هي، مراعاة لأسماء شخصيات أصبحوا في دنيا الفناء، وما ننقله عنهم هو ما سمعناه وعرفناه من قصص كتبوها وتركوها في ذاكرة المجتمع.
الأكثر مشاهدة في تاريخ السينما التركية
تم إنتاج فيلم بيرجين في الرابع من آذار (مارس) 2022، أخرجه كانر ألبير ومحمد بيناي، ومن إنتاج ماين شينجوز، وتأليف يلديز بيازيد وسيما كايجوسوز، وأدت فرح زينب عبدالله ذات الأصول العربية، دور بيرجين، التي حلت مكان الممثلة التركية سيريناي التي بدورها تنازلت عن المشاركة في الفيلم بعد عامين من التحضيرات، ويشاركها في العمل كل من، إردال بيشيكجي أوغلو، وتيلبي ساران.
حقق فيلم بيرجين أرقاما قياسية كبيرة حصل على لقب أفضل افتتاح على الإطلاق على مستوى الدراما والسيرة الذاتية، وحصل على لقب أفضل افتتاح لفيلم محلي في العامين الماضيين في تركيا، وبعد تسعة أسابيع من إنتاجه، احتل الفيلم الترتيب الثامن الأكثر مشاهدة في تاريخ السينما التركية، فقد وصل عدد مشاهديه إلى خمسة ملايين و422 ألف مشاهد، وكان هذا الفيلم الأكثر ربحا على الإطلاق في تركيا.