ثنائية الرضا والقناعة

من الأمور التي تلتبس على بعض الناس مفهوم الرضا وتداخله مع القناعة علما أن التاريخ والشواهد كلها تشير إلى أن الرضا ولا شك يقود إلى القناعة. فمن رضي بما قسمه الله له كان أغنى الناس وإن كان من أقلهم مالا وولدا. وفي الأمثال "القناعة كنز لا يفنى". الرضا مصدر رئيس من مصادر السرور والراحة والسكينة ويقوم بدور مهم في إبعاد الشقاء واليأس من النفس البشرية. القناعة بجانب أنها مؤشر على قوة الإيمان فهي سبب رئيس في البركة والطمأنينة والسعادة.
هي القناعة فالزمها تعش ملكا
لو لم يكن منك إلا راحة البدن
وانظر إلى مالك الدنيا بأجمعها
هل راح منها بغير القطن والكفن
وفي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم-، "قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه". وفي حديث آخر "... وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس".
ومما يروى عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه قوله-، "يا بني إذا طلبت الغنى فاطلبه في القناعة، فإنها مال لا ينفد وإياك والطمع فإنه فقر حاضر". إن هاتين الخصلتين مرتبطتان ارتباطا وثيقا فيما بينهما وفي غاية الأهمية لبناء مجتمع مثالي فاضل لا تلوثه الأطماع ولا الأحقاد، وتجعلان كل فرد في هذا المجتمع متصالحا مع نفسه ينام قرير العين لا يشعر نحو غيره ممن يفضله في المال والولد بأي حسد أو غيرة أو بغضاء.
إن بعض الناس يجتاحه الأسى ويعتصره الألم حين لا يدرك ذلك المنصب أو حين تفوته تلك الصفقة وقد يصاب بالإحباط أو الاكتئاب، على حين أنه لو تأمل الأمر واستدرك قليلا لوجد أن دواءه ليس في الصيدليات، وإنما في أن يتوشح بالرضا والقناعة فقد يكون في فوات تلك الأمور أو عدم التمكن منها حكمة عظيمة أرادها الله له، لكنه لا يدرك كنهها ولا سرها.
القناعة لا تتعارض بحال من الأحوال مع الطموح فالقناعة الصحيحة لا تكون بالكسل والتخاذل والعجز، لكنها تكون بعد أن يبذل الإنسان جهده ويستفرغ طاقته في طلب كل أمر محمود، فالكسل هو ضد العمل وملازم للخذلان لكن القناعة هي الرضا بما تؤول إليه الأمور بعد بذل الأسباب.
على المرء أن يسعى إلى الخير جهده
وليس عليه أن تتم المطالب

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي