FINANCIAL TIMES

أغذية رخيصة بتكلفة عالية

أغذية رخيصة بتكلفة عالية

أي شخص يريد أن يفهم بشكل أفضل العوامل الخارجية، الاقتصادية والسياسية، المكلفة التي تأتي مع إنتاج الأغذية الرخيصة يجب عليه أن يقضي بعض الوقت في الريف الزراعي في الغرب الأوسط الأمريكي. فعلت ذلك الأسبوع الماضي، أثناء قيادتي السيارة من ولاية ويسكونسن إلى ميسوري عبر مئات الأميال من حقول الذرة وفول الصويا، التي تتم زراعة الأغلبية العظمى منها ليس لغذاء الإنسان بل لعلف الماشية.
كان من السهل العثور على الوجبات السريعة واللحوم الحمراء في البلدات الصغيرة التي مررت بها، لكن كان من الصعب في كثير من الأحيان العثور على متجر لائق لديه فواكه وخضراوات طازجة. يا لها من مفارقة رهيبة أن بعضا من أغنى الأراضي الزراعية في أمريكا في الأغلب ما تكون المكان الذي من المرجح أن تجد فيه "صحراء طعام"، أو مكان يصعب فيه الحصول على مكونات نظام غذائي صحي.
بعد قرن تقريبا من الكساد العظيم، ما زلنا نزرع كما فعلنا في ذلك الوقت، في محاولة لإنتاج سعرات حرارية رخيصة لأعداد متزايدة من الجياع، بدلا من توفير تغذية أفضل بطرق تدعم الكوكب والمجتمعات المحلية.
اعتاد المستهلكون على الأغذية الرخيصة. لكنه نموذج لا معنى له من الناحية البيئية.
ضع في الحسبان أنه في وقت تشهد فيه أسعار السلع الأساسية أكبر ارتفاع منذ سبعينيات القرن الماضي، لا يزال بعض المزارعين يكافحون من أجل الحفاظ على أعمالهم. تظهر أبحاث جامعة تكساس إيه آند إم أن اثنين من كل ثلاثة من مزارعي الأرز سيخسرون المال هذا العام، لأن تكاليف الإنتاج، بما في ذلك الوقود والأسمدة، ترتفع بوتيرة أسرع من أسعار السلع الأساسية. أما منتجو الذرة وفول الصويا فسيحققون أرباحا، لكن ليس بالقدر الذي تعتقده.
قال جو أوتلاو، أستاذ في جامعة تكساس إيه آند إم، في شهادة حول هذا الموضوع أمام اللجنة الفرعية للشؤون الزراعية التابعة لمجلس النواب، إن تضخم أسعار السلع الاستهلاكية قد يصل إلى 8.5 في المائة، لكن المزارعين تضرروا من ارتفاع أسعار البذور ضعف هذا المعدل. بالنسبة إلى تكاليف الإنتاج الأخرى، فإن التضخم أعلى. ارتفعت أسعار مبيدات الأعشاب 64 في المائة في الفترة من 2021 إلى 2022، والأسمدة النيتروجينية التي ربما تكون أهم عنصر على الإطلاق ارتفع سعرها 133 في المائة، وهو مستوى هائل. في غضون ذلك، زادت أسعار الذرة 4.84 في المائة فقط للبوشل، وارتفع سعر فول الصويا أكثر قليلا من 7 في المائة على أساس سنوي.
حاول المزارعون التحوط والخزن تحسبا لهذه الطفرات، لكن يتم التفوق عليهم من الشركات الكبرى شديدة التركيز التي تتحكم في جزء كبير من سلسلة الإمداد الزراعي.
النتيجة هي أن كثيرا من المزارعين، خاصة الصغار ومتوسطو الحجم، سيعيدون موازنة تكاليف الإنتاج في موسم الزراعة هذا، الأمر الذي سيضر محصولهم في المستقبل. يزداد ثراء عمالقة تجارة الحبوب مثل "كارجيل"، وكذلك كثير من شركات الطاقة متعددة الجنسيات. لكن المزارعين أنفسهم بالكاد يحافظون على أعمالهم.
كل هذا يتحدث عن نموذج لم يعد يعمل. كانت الزراعة في أمريكا تدور حول الأغذية الرخيصة منذ نحو قرن. شجعت "الصفقة الجديدة" على إنتاج كميات هائلة من الحبوب المدعمة لتغذية سكان المناطق الحضرية. وشجعت ثورة ريجان على مزيد من التعزيز والاندماج - للتوضيح، ضع في الحسبان أن أربع شركات تسيطر على ما يصل إلى 85 في المائة من سوق اللحوم.
بعد ذلك، أقر بيل كلينتون، الرئيس الديمقراطي، قانون "حرية الزراعة"، الذي قضى على أي إدارة حكومية للعرض والطلب. هذا هو أحد الأسباب التي دفعت المزارعين إلى سكب الحليب على الأرض والتخلص منه بعد الجائحة. فائض الإنتاج يشجع دورتي الازدهار والكساد ويجعل من الصعب السيطرة على تضخم أسعار الغذاء الآن. ومع أن الولايات المتحدة لديها احتياطيات نفطية استراتيجية، إلا أنها لا تملك احتياطيات حبوب للمشترين المحليين على الرغم من كونها واحدة من أكبر المنتجين في العالم.
يفترض نموذج "بيع كميات عالية بثمن زهيد" أن خفض الأسعار ببساطة سيؤدي إلى سوق صحية، لكنه يأتي مع تكاليف واضحة على كوكب الأرض، وصحتنا، وعلى السياسة في بعض أنحاء البلاد. ربما يعتقد الشخص أن ولاية مثل ميسوري، مثلا، ستكون أرضا خصبة لحملات الديمقراطيين التي تقوم على رسالة جشع الشركات. في الواقع، صوتت الولاية لمصلحة دونالد ترمب في الانتخابات الأخيرة - ويرجع ذلك جزئيا إلى أن نموذج الزراعة الصناعية الفاشل لم يستبدل به أي شيء آخر، ما أوجد سكانا محبطين.
قد يتجاهل كثير من الاقتصاديين الليبراليين الجدد كل هذا ويلاحظون أن المزارعين يشكلون أقل من 2 في المائة من القوة العاملة "القطاع الزراعي ككل يزيد قليلا على 10 في المائة". حتى إنهم قد يتجاهلون مصير ولاية مثل ميسوري، لأنهم يميلون إلى التفكير في الأرقام الإجمالية، وليس الأفراد فيما تسمى الولايات البعيدة. لكن في نظام المجمع الانتخابي في أمريكا، لا تزال مثل هذه الولايات مهمة - كثيرا. مع أخذ كل ذلك في الحسبان، يمكن أن تصنع الفارق بين الفوز أو الخسارة.
إذن، ما العمل؟ إدارة بايدن محقة في السعي وراء التركيز في الزراعة والطاقة، كما هي الحال في الصناعات الأخرى. في الواقع، التفاوت بين تكاليف الإنتاج وأسعار السلع الأساسية الأولية يجعلني أعتقد أن البيت الأبيض لديه وجهة نظر بشأن تلاعب الشركات في الأسعار. إذا استطاعت وزارة التجارة منع ذلك، فإن زيادة سعة النطاق العريض في المناطق الريفية ستساعد أيضا. لكن في النهاية، سيتعين علينا إعادة التفكير في الطريقة التي نزرع بها في أمريكا بالكامل. فهي طريق تنتمي إلى عصر مختلف، مثل جزء كبير من نظامنا الاقتصادي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES