FINANCIAL TIMES

بعد انهيار لونا وتراجع بيتكوين .. "ذعر التشفير" يسيطر على الأسواق

بعد انهيار لونا وتراجع بيتكوين .. "ذعر التشفير" يسيطر على الأسواق

كشفت فقاعة الانكماش في الأصول الرقمية عن نظام هش للائتمان والرافعة المالية في العملات المشفرة مشابه لأزمة الائتمان التي شملت قطاع التمويل التقليدي في 2008.
منذ إنشائها، وعد المتحمسون للعملات المشفرة بمستقبل من الثروات الشخصية الهائلة والتأسيس لنظام مالي جديد وأفضل، رافضين رأي النقاد الذين شككوا في قيمتها وفائدتها التي لم تنشر سوى الخوف وعدم اليقين والشك.
غير أن هذه المشاعر باتت الآن تطارد صناعة العملات المشفرة الواحدة تلو الأخرى، والمشاريع التي غالبا ما تكون مترابطة وتحجز أموال العملاء تواجه خسائر بملايين الدولارات وتتوجه إلى عمالقة الصناعة طلبا لحزم الإنقاذ.
قال بريت هاريسون، رئيس بورصة إف تي إكس يو إس للعملات المشفرة: "الخوف معد. وهذا ينطبق على أي سوق مالية (...) لا أحد يريد أن يكون آخر شخص من دون كرسي عندما تتوقف الموسيقى، لذلك يقوم الجميع الآن بسحب أموالهم".
تجاوز انخفاض سعر بيتكوين، التي تعد أكبر العملات المشفرة، 70 في المائة منذ ذروتها في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، وتراجعت القيمة الإجمالية لرموز التشفير من أكثر من ثلاثة تريليونات دولار إلى أقل من 900 مليار دولار.
الصناعة تتعثر مع انكماش السوق. في أيار (مايو) الماضي، سقطت عملة لونا، إحدى العملات المشفرة، وكذلك شقيقتها تيرا، وهي عملة مستقرة كانت تستخدم خوارزميات الحاسوب كي تبقي على سعرها ثابتا. أوقفت منصة سيلسيوس المقرضة للعملات المشفرة عمليات السحب في وقت سابق من هذا الشهر، وواجه صندوق ثري أروز كابيتال للتحوط مطالبات بإيداع مبالغ إضافية لتغطية الخسائر المحتملة.
في الأيام الأخيرة، قيدت منصة فوياجر للإقراض عمليات السحب بينما جمدت بورصة كوينفليكس أموال عملائها. هذه الصفقات والاستثمارات التي كانت تبدو آمنة وسلسة ومربحة قبل أسابيع قليلة أصبحت الآن محفوفة بالمخاطر ويستحيل الخروج منها. يخشى المستثمرون من أن تتوالى مزيد من الأحداث المشابهة.
كان نمو التمويل اللامركزي في قلب هذا الازدهار، حيث كان من ركائز عالم العملات المشفرة بادعائه تقديم نظام مالي بديل لا تحكمه سلطات مركزية لصنع القرار، مثل المصارف أو البورصات. بدلا من ذلك، يمكن للمستخدمين نقل الأصول وإقراضها وكذلك اقتراضها باستخدام عقود محددة برموز الحاسوب. لا يتم إجراء التغييرات من قبل الرؤساء التنفيذيين، بل من قبل أصوات من يمتلكون رموزا خاصة للحوكمة، وغالبا ما يكونون فرق المطورين والمستثمرين الأوائل.
زاد حجم رأس المال المتداول في مشاريع التمويل اللامركزي إلى ما يقرب من 230 مليار دولار بحلول أواخر 2021، وفقا للبيانات الصادرة عن "كريبتو كومبير".
في آخر طفرة للعملات المشفرة في 2017، ضارب المشترون ببساطة على أسعار العملات المشفرة. هذه المرة، سعى صغار المستثمرين وبعض الصناديق أيضا إلى تحقيق عوائد عالية من إقراض الأصول المشفرة واقتراضها.
اجتذب ذلك كل من متداولي العملات المشفرة المتمرسين ومنصات الإقراض العامة مثل "سيلسيوس"، التي استقبلت ودائع العملاء ودفعت أسعار فائدة مرتفعة تصل إلى 17 في المائة.
كان المستثمرون قادرين على زيادة عوائدهم من خلال الحصول على قروض متعددة مقابل الضمان نفسه، وهي عملية تسمى "الاقتراض المتكرر". هذه الحرية في إعادة تدوير رأس المال مع القليل من التقييد أدت إلى قيام المستثمرين بتكديس مزيد من العوائد في مشاريع مختلفة من التمويل اللامركزي، ما أدى إلى كسب أسعار فائدة متعددة في وقت واحد.
قال لينيكس لاي، مدير الأسواق المالية في بورصة أوه كيه إكس للعملات المشفرة: "كما هي الحال مع أزمة الرهن العقاري، إنه أمر يجذب بالفعل من حيث العائد، ويبدو كمنتج مالي خال من المخاطر ويتم تقديمه للأشخاص العاديين على هذا الأساس".
البيانات المالية المتناقضة تركت مبالغ ضخمة من القروض والقيمة النظرية تتأرجح فوق الأصول الأساسية نفسها. استمر هذا الوضع بينما زاد ارتفاع أسعار العملات المشفرة. لكن بعد ذلك، اجتاح كل من التضخم، والارتفاع الحاد في أسعار الفائدة، والصدمات الجيوسياسية الناجمة عن الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، الأسواق المالية.
"كانت الأوضاع جيدة خلال فترة الصعود حيث ارتفعت أسعار جميع الأصول وحسب. عندما بدأت الأسعار في الانخفاض، أراد كثيرون إخراج أصولهم"، كما قال مارسين ميلوزيرني، رئيس أبحاث السوق في صندوق كريبتو أيه آر كيه 36 للتحوط.
مع انخفاض قيمة العملات المشفرة، طالب المقرضون باسترداد قروضهم. أدت هذه العملية إلى إزالة أكثر من 60 في المائة، أو 124 مليار دولار، من إجمالي القيمة المحجوزة على نظام البلوكتشاين في منصة إيثيريوم منذ منتصف أيار (مايو) الماضي في "تخفيض كبير للديون"، وفقا لشركة جلاسنود للأبحاث.
في أيار (مايو) الماضي، سقطت قطعة الدومينو الأولى عندما انهارت عملة تيرا، ما أدى إلى زعزعة ثقة المستثمرين. بعد ذلك، جاءت منصة سيلسيوس للإقراض، التي جمدت حسابات العملاء عندما ضبطت في حالة عدم تطابق حاد في السيولة الموجودة في سجلاتها.
الأسبوع الماضي، انهار "ثري أروز كابيتال"، وهو صندوق تحوط رئيس للعملات المشفرة مقره سنغافورة، بعد عجزه عن تلبية مطالب شركات الوساطة بإيداع مبالغ إضافية لتغطية الخسائر المحتملة. أكدت "فواياجر" أنها قد تكون معرضة إلى خطر حالات التخلف عن السداد لصندوق ثري أروز. قامت كل من "بلوك فاي" و"جينيسيز" أيضا بتصفية بعض مراكز "ثري أروز" على الأقل، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر.
تفاقم الوضع بسبب الاستخدام المكثف للاقتراض من قبل متداولي العملات المشفرة لزيادة الاتجاه الصعودي لرهاناتهم في السوق. في السوق الهابطة، يواجه المتداولون دعوات لضخ مزيد من التمويل من أجل دعم مراكزهم.
قال إيف شويفاتي، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة توبام لإدارة الأصول: "ما يحدث ناتج عن تأثير تراكمي. عندما ينخفض سعر عملة بيتكوين، يضطر مزيد من الناس إلى بيعها، ما يؤدي إلى المبالغة في البيع".
لكن بعض المديرين التنفيذيين يتساءلون عما إذا كانت العملات المشفرة قد مرت بالفعل بلحظة مصرف "ليمان" الخاصة بها، حيث كانت منصة سيلسيوس أكبر الشركات التي أعلنت انهيارها. إنهم يأملون أن يتحول المزاج نحو العمل لتحقيق الاستقرار في السوق.
من دون وجود بنك مركزي في العملات المشفرة، فإنهم يعلقون آمالهم على التدخل من الرواد في الصناعة، خاصة سام بانكمان فريد، الملياردير البالغ من العمر 30 عاما ومؤسس بورصة إف تي إكس.
على مدار الأيام التسعة الماضية ومن خلال شركاته، قدم بانكمان فريد قروضا بمئات الملايين من الدولارات إلى "بلوك فاي" و"فواياجر" مقرض العملات المشفرة لتثبيت الشركتين وتعزيز الثقة بالنظام.
لكن تحركات بانكمان فريد ليكون الملاذ الأخير للإقراض تتضمن عنصر المصلحة الذاتية. شركة ألاميدا ريسيرتش للتداول التي يملكها تعد أكبر مساهم في "فواياجر"، حيث تمتلك 11 في المائة بعد شراء الأسهم الشهر الماضي. كما ستصبح "المقترض المفضل" لأي عملية إقراض في المستقبل من "فواياجر".
الأسبوع الماضي، استقر سعر بيتكوين عند نحو 20 ألف دولار. لكن كثير من الأشخاص يتساءلون عما إذا كانت فترة الراحة مؤقتة.
قالت ماريون لابوري، كبيرة المحللين الاستراتيجيين في "دويتشه بانك": "لا يزال خطر العدوى في أسواق العملات الرقمية مرتفعا". أضافت: "سيؤدي تشديد الاحتياطي الفيدرالي إلى تعرض مزيد من شركات العملات المشفرة ذات المخاطر الائتمانية الزائدة إلى المخاطر عن طريق سحب السيولة ورفع أسعار الفائدة، الأمر الذي سيقلل من قيمة العملات المشفرة التي يعتمد عليها كثير من هذه البرامج عالية المديونية".
تم اختراع عملة بيتكوين في ذروة الأزمة المالية في 2008 كبديل للنظام المالي، التي كثيرا ما أشاد بها مناصروها لكونها محصنة من تأثير التضخم والسياسة النقدية ذات الصبغة السياسية.
توصل كثير من المديرين التنفيذيين الآن إلى استنتاج مفاده أن صناعة العملات المشفرة يمكن أن تتعرض لفترات الازدهار والانهيار نفسها التي تحدث في الأسواق الأخرى.
البنوك المركزية العالمية أبقت أسعار الفائدة منخفضة للغاية لمدة عقد من الزمن لتعزيز النمو الاقتصادي، حيث دفعت بتلك السياسات بقوة أكبر خلال الجائحة. تدفق كثير من تلك الأموال الرخيصة المقدمة من البنك المركزي إلى العملات المشفرة.
منذ 2020، استثمرت شركات رأس المال المغامر وحدها 38 مليار دولار في الشركات الناشئة في أنظمة البلوكتشاين، وفقا لبيانات من "ديلروم". أما الآن، المد آخذ في الانحسار مع تحول الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى لمكافحة التضخم الشديد.
قال تيمور حيات، مدير العمليات في شركة بي جي آي إم البالغة قيمتها 1.5 تريليون دولار: "في بيئة ذات أسعار فائدة مرتفعة، يحتاج الإمبراطور إلى ارتداء بعض الملابس من أجل النجاة".
قد يدفع ذلك بالمستهلكين لسحب الأموال أو إظهار مزيد من الحذر، وهم الحاصلون على قليل من الحماية القانونية أو الشفافية بشأن الصحة الاقتصادية للشركات التي تقف وراء مشاريع العملات المشفرة.
قال سيدني باول، الرئيس التنفيذي لشركة ميبل، واحدة من بروتوكولات التمويل اللامركزي: "أي شخص يدخل أسواق العملات المشفرة في العامين المقبلين (...) سيصبح لديه نفور طبيعي من آلات الحركة الدائمة وكل ما يبدو جيدا لدرجة يصعب تصديقها".
أضاف: "عندما يمر الناس بتخفيض كبير في قيم الأصول وحالات شعروا فيها بانتهاك الثقة، أعتقد أن هذا ما سيجعلهم يتحصنون لأعوام عديدة مقبلة. من هذا المنطلق، الأمر أشبه بأزمة عملات مشفرة مثل الأزمة المالية في 2008".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES