FINANCIAL TIMES

انفجار سكاني حضري يلوح في سماء إفريقيا

انفجار سكاني حضري يلوح في سماء إفريقيا

عندما حصلت كينيا على استقلالها في 1963، كان عدد سكان نيروبي نحو 360 ألف نسمة. اليوم، فإن العاصمة الكينية هي موطن لما لا يقل عن 4.4 مليون شخص، يعيش نحو 2.5 مليون منهم في مستوطنات عشوائية، يشار إليها أحيانا بالأحياء الفقيرة.
رودجرز أوجوانجي، مهندس معماري عمره 27 عاما يقوم بحملة ليصبح عضوا في الحكومة المحلية، درس المشكلات في مدينة لا يستطيع فيها المخططين التعامل مع مجاراة التدفق الهائل للأشخاص، الذين يفتقر كثير منهم إلى السكن المناسب أو العمل النظامي أو المال للوصول إلى الخدمات الأساسية، حتى في حال وجودها.
في نزهة عبر ماثاري، وهي منطقة تضم مباني سكنية لذوي الدخل المنخفض وأكواخ مسقوفة بالصفيح ويقدر عدد سكانها نحو 500 ألف نسمة، أشار أوجوانجي إلى أكوام القمامة غير المجمعة ومخلفات الطعام. يقول، "تقوم مجموعات الشباب هنا بجمع القمامة"، مضيفا أن الخدمة الحكومية في أحسن الأحوال متقطعة وغير منتظمة. يضيف، "ربما تحدث في عام، لكنها تنهار بعد ذلك".
كثير من الناس ليس لديهم مرحاض داخلي ويجب أن يصطفوا لاستخدام المراحيض الجماعية التي تفيض عند هطول الأمطار. حتى في المجمعات السكنية الأكثر رسمية، كما يقول أوجوانجي، فإن المياه متقطعة. "إنها مقننة. ربما توجد مياه من الإثنين إلى الأربعاء لكن لا يوجد ماء من الخميس إلى الأحد".
النمو الهائل في نيروبي والمشكلات المصاحبة له يعكس الوضع في المدن عبر كثير من دول إفريقيا البالغ عددها 54 دولة. ما زال عدد السكان ينمو بسرعة. بينما عدد السكان في أوروبا والأمريكيتين في حالة استقرار وستبلغ آسيا ذروتها في 2050، فإن الرقم في معظم أنحاء إفريقيا - التي يرتفع فيها معدل المواليد - يرتفع بسرعة ومن المتوقع أن ينمو حتى نهاية هذا القرن.
كان عدد سكان تنزانيا عشرة ملايين شخص عند الاستقلال في 1961. واليوم، 60 مليونا، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 137 مليون بحلول 2050. يتباطأ معدل النمو السكاني مع معدل المواليد "نحو 4.8 طفل لكل امرأة" لكن، كما قال الإحصائي السويدي الراحل هانز روسلينج، فإن كثيرا من النمو السكاني "جزء لا يتجزأ" بالفعل.
مع وجود اختلافات كبيرة، يظهر هذا النمط في جميع أنحاء إفريقيا. من المتوقع أن يتضاعف عدد السكان إلى 2.5 مليار بحلول 2050، ووفقا لأفضل التقديرات، سيصل إلى 4 مليارات بحلول 2100.
ما زالت المدن الإفريقية تنمو بشكل أسرع. المدن التي كانت مجتمعات ريفية إلى حد كبير قبل جيل أو جيلين، أصبحت مدنا حضرية بشكل سريع. في 1950، كان عدد السكان الحضريين في إفريقيا 27 مليون نسمة، أقل من 20 في المائة من الـ570 مليونا الذين يعيشون في المدن الآن، وفقا لمنظمة التنمية الاقتصادية والتعاون.
تنمو المدن بشكل طبيعي مع توسع المناطق الحضرية وإعادة تصنيف الأراضي. ينجذب الناس إليها بسبب إمكانية تحقيق حياة أفضل أو - في دول مثل بوركينا فاسو والسودان ومالي - يدفعهم نحوها انعدام الأمن.
ستكون 21 مدينة في إفريقيا من بين المدن الـ30 الأسرع نموا في العالم بين 2018 و2035، وفقا للأمم المتحدة. ستشهد المدن الأقل شهرة نسبيا - مثل باماكو في مالي وياوندي في الكاميرون - نموا هائلا.
لاجوس، المدينة التجارية الرئيسة في نيجيريا، هي موطن لما لا يقل عن 15 مليون شخص اليوم. من المتوقع أن يبلغ عدد سكانها 32 مليون شخص في 2050، وفقا لمعهد المدن العالمية التابع لجامعة تورنتو، وما يصل إلى 80 مليونا بحلول 2100 - على الرغم من أن التوقعات المستقبلية تكون تخمينية للغاية.
يقول سيني نافو، وهو دبلوماسي من مالي والرئيس السابق للمجموعة الإفريقية للمفاوضين في عملية الأمم المتحدة المتعلقة بتغير المناخ، إن كثيرا من هذا النمو، إن لم يكن كله، غير مخطط له. على عكس كثير من المدن في آسيا، التي لديها كثافة سكانية عالية وتتوسع عبر المباني العالية، فإن كثيرا من المدن في إفريقيا تتوسع نحو الخارج، الأمر الذي يحرمها من مزايا مثل سهولة تقديم الخدمات والآثار الشبكية للتفاعل الفاعل.
مع ذلك، فإن المدن بداية من لاجوس إلى نيروبي، وكثير من المدن الأخرى المجاورة لها، أصبحت أماكن خصبة لريادة الأعمال حيث يقوم الشباب ببناء شركات ناشئة بدأت في جذب استثمارات جادة.
يقول نافو إن المدن غير المخططة معرضة بشكل خاص لتغير المناخ. مع ارتفاع مستوى سطح البحر، بعد 20 عاما من الآن، وبعد 30 عاما من الآن، فإن لاجوس، وكيب تاون، ودكا، والإسكندرية، والدار البيضاء (...) ربما لا تكون تحت سطح البحر، لكن ستكون هناك خسائر وأضرار فادحة في البنية التحتية".
في أيار (مايو) الماضي، أدت الفيضانات إلى غرق جزء كبير من مدينة ديربان في المياه، ما أسفر عن مقتل 400 شخص وتوقف أجزاء من اقتصادها. في 2017، بعد هطول أمطار غزيرة في مدينة فريتاون في سييراليون، تسببت الانهيارات الطينية في مقتل 1141 شخصا وتشريد الآلاف.
لا يقتصر الأمر على الكوارث الطبيعية فقط. في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، انهار مبنى مكون من 21 طابقا في لاجوس، ما أسفر عن مقتل 45 شخصا. كانت واحدة من 167 حالة انهيار في البنيان تم الإبلاغ عنها في المدينة خلال العقدين الماضيين، وفقا لبحث أجراه أولاسونكانمي حبيب أوكونولا، أخصائي في أخطار الكوارث.
يقول بن برادلو، باحث مشارك في جامعة برينستون ألف كتابا يقارن فيه التنمية الحضرية في جوهانسبرج وساو باولو، إن الأولى لم تفعل كنظيرتها البرازيلية في توفير الإسكان والصرف الصحي والمواصلات العامة.
على الرغم من الجهود المتضافرة التي بذلها المؤتمر الوطني الإفريقي للتغلب على إرث التمييز العنصري، كما يقول، فقد فشلت جوهانسبرج في معالجة "مشكلات التنظيم المشتركة بين القطاعات". يضيف، "لا يمكنك حل مشكلة النقل بمفردها"، موضحا أن الأمر مرتبط بشكل عميق بالمكان الذي يعيش ويعمل فيه الناس.
يقول برادلو إن التغييرات المؤسسية في الأغلب ما تكون بأهمية التغييرات المادية نفسها. أنشأت ساو باولو ممرا يسمح للركاب بالتنقل بين أنظمة الحافلات الصغيرة غير الرسمية - من النوع الذي يعمل في المدن الإفريقية - ونظام النقل السريع الأكثر رسمية. إن هذا النهج المتكامل نادر في إفريقيا.
مشكلات جوهانسبرج الغنية نسبيا، على الرغم من جميع أوجه عدم المساواة فيها، تتضخم في التجمعات الإفريقية الكبيرة حيث يفتقر المسؤولون إلى الموارد أو القوة لفرض الأنظمة الرسمية أو تقديم خدمات مناسبة.
في ظل غياب الحلول الحكومية، تسعى بعض مؤسسات القطاع الخاص إلى إحداث تأثير، مهما كان صغيرا. في نيروبي، "سانرجي" واحدة من كثير من شركات الاقتصاد الدائري التي نشأت. إنها تحول مخلفات الطعام في المناطق الحضرية إلى علف حيواني قائم على الحشرات وإلى سماد عضوي. ارتفعت الطلبيات بشكل كبير على هذه الأسمدة منذ الأزمة في أوكرانيا التي جعلت الأسمدة القائمة على اليوريا أكثر تكلفة.
"وي سايكلرز"، وهي مؤسسة اجتماعية تهدف إلى الربح في لاجوس، تحفز الناس على جلب النفايات لإعادة تدويرها في مدينة تم فيها جمع 40 في المائة فقط من النفايات في 2012.
يقول ديفيد أويرباخ، المؤسس المشارك لشركة سانرجي، إن هذه الإحصاءات توضح حجم التحدي. يقول أيضا، "الحكومات مقيدة. إدارة النفايات لا تفوز بالأصوات. ما نفعله يلفت الانتباه إلى أهمية إدارة النفايات الحضرية والحلول التي يقدمها الاقتصاد الدائري".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES