Author

ماذا في العلوم والرياضيات لمسيرة التنمية؟

|
تلقى الموضوعات الأربعة: العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات اهتماما واسعا، بل تنافسا على هذا الاهتمام، في شتى أنحاء العالم، فالتقدم العلمي والتقني الذي شهده ويشهده العالم، عبر الثورات الصناعية المتتالية يستند بشكل أساسي إلى هذه الموضوعات. وتحدثنا في المقال السابق عن هذا الاهتمام من خلال أربعة محاور، هي: محور ثقافة المجتمع، ومحور إعداد الناشئة، ومحور تأهيل المختصين، ثم محور البحث العلمي والإبداع والابتكار. وغاية هذا المقال هي طرح مضامين ومجالات موضوعين من الموضوعات الأربعة هما العلوم والرياضيات، وسيهتم المقال المقبل - بمشيئة الله -، ببيان مضامين ومجالات الموضوعين الآخرين، الهندسة والتقنية. ولعل من المناسب هنا ذكر أن الموضوعات الأربعة تتصف بالتكامل، ولا تنفصل عن بعضها بعضا في إسهامها جميعا معا في التنمية الاقتصادية المنشودة.
إذا بدأنا ببيان مضامين ومجالات موضوع العلوم، فلعل من المفيد العودة إلى المفاهيم التي تعتمدها الموسوعات العالمية المعروفة، لأنها مرجعية متفق عليها على نطاق واسع. تقول موسوعة ماكرو - هيل المختصرة، للعلوم والهندسة، إن كلمة علوم تطبق على عدد من المجالات والنشاطات الفكرية التي تتمتع بخصائص مشتركة. وتبين الموسوعة في إطار هذه الخصائص أن من المعتاد تعريف العلم بأنه توصيف محدد يحتاج إلى الاختبار أو الإثبات. وتعطي الموسوعة البريطانية تعريفا للعلوم يقول إن العلوم هي أي نظام أو معرفة يتعلق بالعالم المادي وظواهره، ويتضمن ملاحظات موضوعية وتجارب واقعية. وتضيف هذه الموسوعة إلى هذا القول حقيقة أن العلم يتضمن متابعة للمعرفة التي تشمل حقائق عامة، أو نشاطات ترتبط بقوانين الحياة الأساسية.
تقسم الموسوعة البريطانية العلوم إلى ثلاثة مجالات رئيسة. أول هذه المجالات هو مجال العلوم المادية غير العضوية، ويشمل: علوم الفضاء، والفيزياء، والكيمياء، وعلوم الأرض. أما المجال الثاني، فهو مجال العلوم الحيوية، مثل: علم الأحياء، والطب، ودراسات العالم العضوي وإجراءاته. ثم يتضمن المجال الثالث العلوم الاجتماعية، مثل: علم الإنسان، والدراسات الاقتصادية الخاصة بتأثير العوامل الاجتماعية والثقافية في سلوكه. وهكذا نجد أن معنى العلوم لا يكتفي بالجانبين المادي والحيوي، وإنما يأخذ في الحسبان الجانب الاجتماعي، وهو جانب مهم للغاية، لأن فيه علما حول سلوك الإنسان المسؤول وما يرتبط بذلك من مضامين الموضوعات الأربعة.
أمام مجالات موضوع العلوم المختلفة، فلعلنا نتذكر جوائز نوبل الست التي تمنحها مؤسسة نوبل السويدية سنويا للمتميزين عالميا في مجالات علمية مختلفة. فهناك جائزتان في مجال العلوم المادية، هما: جائزة الفيزياء، وجائزة الكيمياء. وهناك جائزة في العلوم الحيوية، وهي جائزة الطب. ثم هناك جائزة في العلوم الاجتماعية، وهي جائزة العلوم الاقتصادية. وخارج إطار المجالات العلمية الثلاثة المتوافقة مع المجالات العلمية المطروحة في الموسوعة البريطانية، تمنح مؤسسة نوبل جائزة في المجال الأدبي، وأخرى في مجال خدمة السلام في العالم.
ولدى المملكة جوائز عالمية أيضا تمنحها مؤسسة الملك فيصل الخيرية للمتميزين عالميا في خمسة مجالات مختلفة، بينها مجالان علميان. فهناك جائزة في العلوم المادية، وجائزة أخرى في العلوم الحيوية، وبالذات في الطب. أما المجالات الأخرى للجائزة فتتضمن جائزة خدمة الإسلام، وجائزة الدراسات الإسلامية، إضافة إلى جائزة الأدب واللغة العربية. وتمثل الجوائز العالمية تحفيزا للمتميزين على المنافسة والعطاء المعرفي الذي يصب في مصلحة الإنسان أينما كان، فإذا كانت الجائزة في مجال علمي أسهمت في التنمية الاقتصادية التي يحتاج إليها العالم، وإن كانت في مجال آخر أسهمت في التنمية الإنسانية، وهذه يحتاج إليها العالم أيضا.
ونأتي إلى الرياضيات حيث يعرف قاموس ماكرو - هيل للعلوم والهندسة، الرياضيات بالقول إنها الدراسات الاستنتاجية للأشكال، والكميات، والعلاقات. وتقسم الرياضيات إلى قسمين: الرياضيات التطبيقية التي تهتم بالظواهر الطبيعية، والرياضيات الصافية التي تركز على النواحي الجوهرية لهياكل التفكير. وتقول الموسوعة البريطانية إن الرياضيات هي علم الهياكل، والترتيب، والعلاقات، وقد انطلق هذا العلم في بداياته من الممارسات الأولية للعد والقياس ووصف المكونات والأشكال.
وتعطي الموسوعة البريطانية تفاصيل أكثر في تحديد مهمات الرياضيات، حيث تصفها بالقول إنها تهتم بالأسباب المنطقية والحسابات الكمية. وترى هذه الموسوعة أن تطور الرياضيات عبر الزمن شمل تركيزها، بشكل أكبر، على تبني جوانب المثالية والتجريد في طرح موضوعاتها المختلفة. وأصبحت الرياضيات منذ القرن الـ 17، مرافقا لا غنى عنه في توصيف موضوعات العلوم المادية، والهندسة والتقنية، حتى علوم الحياة، لكن بدرجة أقل. أي: إنه يمكن النظر إلى الرياضيات على أنها اللغة المعبرة بفاعلية ودقة عن العلوم بشتى مجالاتها، ومجالات الهندسة والتقنية التي سنطرحها في المقال المقبل، بمشيئة الله. وتستند الرياضيات إلى محاكمة فكرية دقيقة، واستخلاص استنتاجات مفيدة، عبر قواعد منظمة وصياغات محددة.
تجدر الإشارة هنا إلى ملاحظة مهمة بشأن العلاقة بين العلوم والموضوعات الثلاثة الأخرى في رباعية العلوم، والتقنية، والهندسة، والرياضيات. فالعلوم هي المصدر الذي يغذي الهندسة بالمعرفة، كي تقوم الهندسة بدورها، وجعلها قابلة للتطبيق، لتنقلها بعد ذلك إلى التقنية التي تهتم بفعل التطبيق ذاته، وحصد الفوائد منه والإسهام في التنمية. والرياضيات بالنسبة إلى العلوم لغة تعبير، ووسيلة تحليل واستنباط وإبراز للنتائج. وعلى ذلك، فإن في العلوم جذور المعرفة، وفيها أيضا بذور التنمية. ويمكننا أن نلاحظ هنا أن لدى مؤسسة نوبل، وكذلك مؤسسة الملك فيصل الخيرية، جوائز في العلوم، لكن ليس لديها أي جوائز في الهندسة أو التقنية. ولعل ذلك يعود إلى أن المعرفة في موضوعي الهندسة والتقنية، لا تأتي منهما كمصدر رئيس أول للمعرفة، بل تأتي كمصدر مكمل يعتمد على معطيات مجالات موضوع العلوم.
وتقضي خلاصة القول بضرورة النظر إلى الموضوعات الأربعة، العلوم، والرياضيات، والهندسة، والتقنية، كمنهل معرفي متكامل يقدم معطيات متجددة تحمل قيمة تستطيع الإسهام في مسيرة التنمية وتعزيز استدامتها. وإذا كنا قد طرحنا في هذا المقال مضامين ومجالات موضوعي العلوم والرياضيات، فموعدنا في المقال المقبل - بمشيئة الله -، هو مضامين ومجالات موضوعي الهندسة والتقنية.
إنشرها