مهرجان أفلام السعودية .. عام بعد عام أبدع مما كان
«ليس في الإمكان أبدع مما كان».. هكذا وصف جمهور مهرجان أفلام السعودية دهشتهم وانبهارهم بمستوى بعض الأفلام الروائية التي عرضتها شاشات مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي «إثراء»، خلال انعقاد دورته الثامنة، بحضور نخبة من نجوم الوسط الفني.
حطت الإبداعات البصرية رحالها في الظهران، ووجدت هنا ملاذها الأخير في «إثراء»، الذي صافح زواره بـ80 فيلما سعوديا وخليجيا وعربيا، و14 كتابا معرفيا، وتسع ندوات وماستر كلاس، وخمس ورش متخصصة، وجوائز النخلة الذهبية بفئاتها، سعيا إلى تطوير المشهد السينمائي السعودي.
جهود ترسم الطريق
في دورة، مزاجها السينما الشعرية، انطلق المهرجان بحفل افتتاح أنيق، قدمه إبراهيم الحجاج؛ وسارة طيبة؛ حيث نافس في مسابقة الأفلام القصيرة 28 فيلما، فيما تنافست ثمانية أفلام في مسابقة الأفلام الطويلة، إضافة إلى 44 عرضا موازيا، 12 عرضا منها تندرج تحت تصنيف السينما الشعرية.
وألقت كلمة الافتتاح المخرجة هناء العمير؛ رئيسة مجلس إدارة جمعية السينما، وثمنت دعم وزارة الثقافة ممثلا في هيئة الأفلام، الذي مهد السبيل ورسم الطريق نحو مستقبل زاهر للسينما السعودية.
فيما ألقى حسين حنبظاظة؛ مدير مركز «إثراء» كلمة، قال فيها "إن المتأمل لواقع الحراك السينمائي السعودي أخيرا، يلمس خطوات متسارعة تخطو نحو مستقبل أكثر تألقا وتفاؤلا، وملامح لصناعة واعدة، حيث ينهض قطاع السينما كقوة ناعمة بفضل هذه التظاهرات الثقافية، التي تثري الساحة الفنية السعودية، محفزة للإنتاج وعاكسة للهوية والثقافة المحلية ومدى ثرائها، إضافة إلى نقلها التجربة السعودية للمتلقي المحلي والخارجي"، مبينا أن «إثراء» أنتج أكثر من 20 فيلما سعوديا متنوعا، ويعد أحد أكبر مراكز الإنتاج في المملكة.
مظفر النواب حاضر
مهرجان أفلام السعودية الذي يختتم فعالياته اليوم، انطلق بعرض فيلم "رقم هاتف قديم"، وهو اسم مستوحى من قصيدة شهيرة لمظفر النواب؛ الشاعر العراقي الراحل أخيرا، ويجسد فيه بطل الفيلم أزمة منتصف العمر، وصراعه في هذه الفترة مع خياراته وقراراته، ونظرته إلى الحياة في هذه المرحلة العمرية الحرجة، من تأليف وإخراج علي سعيد، وبطولة يعقوب الفرحان. وكان سيناريو الفيلم قد حصل على جائزة أفضل سيناريو فيلم قصير في معمل السيناريو، الذي عقده المهرجان في الدورة السابقة.
وكان المهرجان قد كرم في حفل انطلاقه خليل إبراهيم الرواف؛ الفنان الهوليوودي السعودي الأول، الذي وقف أمام كاميرات هوليود في 1939، وخالد الصديق؛ المخرج الكويتي الأول، لأثرهما في صناعة السينما الخليجية.
ظفر مجتبى سعيد؛ السيناريست السعودي، بجائزة أفضل سيناريو طويل عن فيلمه "غرق"، أما جائزة ثاني أفضل سيناريو طويل فكانت من نصيب "أوراق من أرشيف القضية رقم 2204" لعبدالله حمد الزيد؛ وحصد فيلم "بلنتي" جائزة ثالث أفضل سيناريو طويل لأسعد علي العلائي؛ وفيصل عبدالله بوحشي؛ وذهبت جائزة أفضل سيناريو قصير لسيناريو "الباب المرصود" لعبدالوهاب بن عبدالله بن شداد؛ وجائزة ثاني أفضل سيناريو قصير كانت من نصيب شيخة سعد العنزي؛ عن سيناريو "عباة"، أما عن جائزة غازي القصيبي لأفضل سيناريو عن رواية سعودية، فكانت من نصيب هناء الفاسي؛ وشذى حافظ؛ عن سيناريو "الكمكم".
تطور مستمر
في حديث لـ «الاقتصادية»، أشاد ماجد زهير سمان؛ مدير الفنون المسرحية والأدائية، في «إثراء» بمستوى الأفلام ومدى تطورها هذا العام، مبينا أنه يرى أن 30 فيلما على الأقل يمكن عرضها في الخارج، من أصل 80 فيلما.
وأفصح في حديثه عن أن المهرجان فتح هذا العام المجال لاستقبال الأفلام الخليجية، أما عن استقبال الأفلام العربية، فرجح أن ذلك لن يكون على المدى القريب، في حين وجدت الأفلام العالمية مكانها في مهرجان البحر الأحمر السينمائي.
وحول استبعاد الأفلام من المشاركة في مهرجان أفلام السعودية، أكد ماجد سمان؛ أن استبعاد لجنة التحكيم بعض الأفلام جاء لوجود أخطاء بدهية وفادحة في الصوت أو المونتاج، أو لأن مضمون القصة غير أخلاقي.
600 صانع أفلام في سوق الإنتاج
خصص مركز إثراء قاعته الكبرى لاحتضان سوق الإنتاج، الذي يعد بيئة حاضنة لجهات الإنتاج في المنطقة وصناع الأفلام، تهدف إلى ربط الجهتين وتكوين علاقات واقتناص الفرص المفيدة للجهتين.
وحول السوق، يذكر مقداد بوحليقة؛ مدير عمليات سوق الإنتاج، في حديث لـ «الاقتصادية» أن السوق تشارك فيه أربع جهات حكومية و12 جهة إنتاجية، تستقبل نحو 600 صانع أفلام يوميا، وتشهد عقد اتفاقيات وشراكات متنوعة، وتبحث فيها شركات الإنتاج عن الأفكار الإبداعية، وتوفر التمويل لهذه الصنعة الاحترافية.
وتوقع بوحليقة؛ أن تشهد النسخة التاسعة من المهرجان عرض بعض المشاريع الناتجة عن شراكات سوق الإنتاج، مبينا أن 14 فيلما تأهلت لجائزة سوق الإنتاج هذا العام، التي تمنح مائة ألف ريال للفيلم الطويل، و50 ألفا للفيلم القصير الفائز.
برامج ابتعاث للكفاءات
أولى الجلسات الحوارية للمهرجان كشفت عن ارتفاع مصادر تمويل مشاريع صناعة الأفلام ودعم المشاريع الإنتاجية داخل المملكة، وأبان خلالها فيصل عسيري؛ مدير تمويل قطاع الأفلام في صندوق التنمية الثقافي، أنه سيتم تفعيل قرار برنامج التمويل الذي أعلن عنه سابقا من قبل الصندوق خلال 60 يوما، حيث يعد قطاع صناعة الأفلام والإنتاج السينمائي أحد أهم الاستثمارات المستقبلية، إلا أن البنية التحتية له ما زالت قيد التطوير وتتطلب مزيدا من الدعم من الجهات المعنية للنهوض بالقطاع والمهتمين.
وأفصح أن البرنامج الذي أعلنه الصندوق برأسمال 879 مليون ريال يعتمد على نظام القروض المالية، سواء لدعم الاستوديوهات الإنتاجية وشركات الإنتاج أو شراء معدات متطورة ذات تقنية عالية، بيد أن البرنامج يستهدف الشركات الموجودة في المملكة سواء إقليمية أو محلية.
فيما عد عبدالجليل الناصر؛ مدير عام تنمية القطاع وجذب الاستثمار في هيئة الأفلام، تطوير الكفاءات جزءا لا يتجزأ من برامج تدريب هيئة الأفلام سواء للمبتدئين أو المتقدمين، حيث تقدم الهيئة برامج ابتعاث إلى الخارج لتهيئة الموارد البشرية.
استدامة صناعة السينما
صاحب المهرجان لقاء مفتوح عقده المهندس عبدالله آل عياف؛ الرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام، جمع شركات الإنتاج الوطنية وصناع الأفلام السعوديين، وعد خلاله بتقديم كل التسهيلات والدعم لصناع الأفلام السعوديين، ولشركات الإنتاج المحلية، لمواصلة بناء قطاع السينما السعودي.
وشدد على أن صناعة السينما السعودية لا يمكن أن تنجح دون أن تكون النسبة الكبرى من العاملين في مشاريع الإنتاج من السعوديين، أو من المقيمين في المملكة ممن لديهم معرفة كافية بالثقافة والهوية السعودية، مشيرا إلى أن الاكتفاء باستقطاب طواقم أجنبية مؤقتة لصناعة أفلام سعودية خيار لا يحقق استدامة الصناعة التي تسعى إليها الهيئة، ولا يثمر توطين الخبرة والمعرفة المطلوبتين لصناعة سعودية راسخة.
وكشف أن هيئة الأفلام تدرس إنشاء موقع إلكتروني موحد يهتم بإصدار جميع التصاريح الرسمية التي يحتاج إليها صناع الأفلام، وتشمل تصاريح الجهات الحكومية، مثل الجوازات والأمن والجمارك، وتابع في حديثه بأن "قلة العاملين في هذه الصناعة جعلتهم جميعا في جمعية مهنية واحدة"، موضحا أنه سيتم لاحقا إنشاء جمعيات مهنية متخصصة في كل مجال سينمائي.
رحلة الـ 1000 كاميرا
يلفت نظر زوار المهرجان معرض للكاميرات التاريخية والكلاسيكية، يضم 50 كاميرا، بدءا من العصر الفيكتوري، حيث تعود هذه الكاميرات إلى الفترة ما بين 1850 إلى 1970، لصاحبها أنور القطان؛ الذي اصطحب كاميراته في رحلة تسمى "رحلة الألف كاميرا".
القطان صمم متحفا خاصا داخل منزله للكاميرات التاريخية، بعد أن حصل عليها خلال مشاركته في مزاد علني في ولاية أوهايو الأمريكية، لينقل منها 50 كاميرا إلى المعرض المقام داخل "إثراء"، موضحا أن أصغر كاميرا معروضة يرافقها جهاز عرض سينمائي ذو تشغيل يدوي، وهي من أقدم القطع في المعرض، ففي 1900 تم استخدامها لفترة، ثم باتت من المقتنيات النادرة، وهناك قطعة أخرى نادرة تعود إلى العصر الفيكتوري، حيث كانت تستخدم في التصوير الفوتوغرافي، تحديدا على الزجاج، علما بأنها مخصصة لتحميض الصور وقادرة على الوصول إلى اللقطة الأخيرة.
ويسعى القطان؛ بشغفه للدخول إلى موسوعة جينيس العالمية للأرقام القياسية، لكنه يحتاج إلى مزيد من الكاميرات، لكون الرقم المطلوب يمتلكه رجل تشيكي، وهو يعد الثاني في العالم من حيث امتلاكه أقدم الكاميرات ومشغلات الفيديو.