Author

تمكين الموهوبين .. ودور مؤسسة موهبة

|

كان الحدث مفرحا، ذاك الذي تميز فيه شباب المملكة من طلاب المدارس، ذكورا وإناثا، حيث حازوا فوزا مؤزرا على أقرانهم من دول العالم الأخرى في عدد من مسابقات "المعرض الدولي للعلوم والهندسة ISEF"، لعام 2022 الذي أقيم في أتلانتا في ولاية جورجيا الأمريكية. وتهتم هذه المسابقات بموضوعات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات التي يعبر عنها عالميا بالاختصار STEM، وهي الموضوعات الأكثر تأثيرا في التنمية الاقتصادية التي تتنافس الدول في امتلاك زمامها. ولا شك أن هذا الحدث، وفوز هؤلاء الشباب يمثلان بشارة للوطن تضيء طريق المستقبل بأنوار ساطعة، وتجعلك تثق بأنه سيكون أكثر إشراقا بمشيئة الله.
وتحدثنا في المقال السابق عن هذا الأمر، لكن يبقى سؤال مهم لا بد من طرحه، وهو سؤال يرتبط بإعداد هؤلاء الشباب وتمكينهم من المنافسة على المستوى الدولي. صحيح هم من الموهوبين في موضوعات STEM، لكن الصحيح أيضا أن أمثالهم موجودون، بل كثيرون أيضا في مختلف مدارس المملكة. فما جرى في إعداد النخبة الفائزة من الشباب للمنافسة على المستوى الدولي، يمكن التوسع فيه، من أجل إثراء مسيرة المستقبل نحو التنمية بمزيد من المتميزين.
في مسألة إعداد الشباب الموهوبين وتمكينهم من التميز الذي شهدناه على أرض الواقع يبرز دور مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة»، فهي التي عملت على ذلك بالتعاون مع وزارة التعليم، وجهات أخرى. وسنلقي الضوء في هذا المقال على هذه المؤسسة المتميزة التي أسست عام 1999 وقدمت منجزات مشهودة في اكتشاف الموهوبين، وتمكينهم، وإثراء المجتمع بهم، ويحتاج المجتمع إلى خدماتها على نطاق واسع.
أسست «موهبة» عام 1999 وهي تعمل على رسالة تسعى إلى "إيجاد بيئة محفزة للموهبة والإبداع وتعزيز الشغف بالعلوم والمعرفة لبناء قادة المستقبل". وفي هذا السبيل بنت «موهبة» منظومة لعملها تتضمن ثلاث مهمات رئيسة: أولاها: السعي إلى اكتشاف الموهوبين بين طلاب وطالبات مراحل التعليم العام. وثانيتها: العمل على رعايتهم وتفعيل إمكاناتهم وتعزيز تميزهم. وثالثتها: التوجه بعد ذلك نحو دعم الاستثمار بهم وإسهامهم في التنمية المستدامة المنشودة. وتحرص منظومة «موهبة» في هذه المهمات على التفاعل مع المجتمع ومعطيات العصر، والتعاون مع الجهات المعنية بمهماتها، ليس محليا فقط، بل عالميا أيضا. وسنحاول فيما يلي إلقاء بعض الضوء على مهمات «موهبة» الثلاث.
إذا بدأنا بمهمة اكتشاف الموهوبين نجد أن «موهبة» قامت بتأسيس برنامج للكشف عن الموهوبين، بالتعاون مع كل من وزارة التعليم، والمركز الوطني للقياس التابع لهيئة تقويم التعليم والتدريب. وقام البرنامج ببناء مقياس يستند إلى خبرات واسعة، محلية وعالمية، للكشف عن الموهوبين، ويعرف هذا المقياس، بمقياس «موهبة» للقدرات العقلية المتعددة. ويستخدم للكشف عن الموهوبين من الصف الثالث الابتدائي حتى الصف الأول الثانوي. وتشمل القدرات العقلية المتعددة التي يعتمدها المقياس: المرونة العقلية، والاستدلال اللغوي وفهم المقروء، والاستدلال الرياضي والمكاني، إضافة إلى الاستدلالين العلمي والميكانيكي.
وهناك في إطار مهمة اكتشاف الموهوبين أيضا مسابقة في مجالات الرياضيات والعلوم المختلفة تستهدف الطلاب والطالبات من الصف السادس الابتدائي الى الصف الثالث المتوسط. وتأتي هذه المسابقة ضمن برنامج مؤسسة موهبة للأولمبياد الدولية في هذه المجالات، حيث يقوم البرنامج بتدريب الفائزين بالمسابقة وتأهيلهم للمشاركة في هذه الأولمبيات. وعلى هذا الأساس، فهذا البرنامج يشمل مهمة الاكتشاف إلى جانب مهمة الرعاية أيضا.
وهكذا نأتي إلى مهمة الرعاية بجوانبها المختلفة. فهناك عدد من البرامج الإثرائية، التي تسعى إلى رفع مستوى إمكانات الموهوبين، وتفعيلها. وتشمل هذه البرامج برنامجا للإثراء الأكاديمي، وآخر للإثراء البحثي، وثالثا للإثراء المهاري، ورابعا للتأهيل باللغة الإنجليزية، إضافة إلى برامج إثرائية أخرى. ثم هناك برامج لتنمية البحث والابتكار، مثل برنامج موهبة لأساسيات البحث العلمي، ومثل برنامج تلمذة موهبة الذي يقوم على التواصل المباشر بين مرشد خبير متمكن وتلميذ متميز، من أجل تطوير قدرات هذا التلميذ واهتماماته، وإكسابه خبرات ومهارات نوعية في مجال تخصصي محدد. وتستفيد هذه البرامج، ليس فقط من أوقات فراغ الطلاب والطالبات، وإجازاتهم خلال العام الدراسي، بل من الإجازة الصيفية أيضا.
ولدى «موهبة» برامج رعاية مختلفة أخرى من الصعب الإحاطة بها في هذا المقال. ويبرز عطاء برامج «موهبة» في المسابقات والأولمبياد العلمية التي تحفز الطلاب والطالبات على التنافس والعطاء العلمي على كل من المستويين الوطني، والدولي. فعلى المستوى الوطني هناك الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي «إبداع» التي تقيمها «موهبة» في شراكة ناجحة مع وزارة التعليم، وعلى المستوى الدولي هناك مسابقات "المعرض الدولي للعلوم والهندسة ISEF" التي أبلى طلاب وطالبات المملكة بها بلاء حسنا، شهده العالم بأسره.
ونصل إلى المهمة الثالثة لمنظومة «موهبة»، وهي دعم الاستثمار في الموهوبين الذين مكنتهم «موهبة»، وأبرزت تميزهم بالتعاون مع جهات أخرى. وطرحنا على مهمتي «موهبة» الأولى والثانية تعبير تمكين النشأة في المقال السابق، وأبرزنا حقيقة الحاجة إلى تمكين آخر يرتبط بالاستثمار بمخرجات تمكين النشأة، ألا وهو تمكين فرص العمل والإدارة الملائمة للمتميزين سعيا إلى الاستفادة من إمكاناتهم. فعبر هذا التمكين يبدأ العطاء الذي يسهم في التنمية المستدامة المنشودة، وهذا ما تسعى «موهبة» في مهمتها الثالثة إلى دعمه عبر التعاون مع جميع الجهات ذات العلاقة.
يمكن النظر إلى منظومة «موهبة» ودورها في تمكين الناشئة كوحدة مكملة وداعمة لمنظومة الابتكار الوطنية. فإذا كانت منظومة الابتكار الوطنية تتطلع إلى مخرجات تتمثل في معرفة حية متجددة تحمل قيمة وقابلة للتطبيق، والإسهام في التنمية، فإن في مخرجات منظومة «موهبة» رافدا معرفيا متميزا لهذه المنظومة يفعل أداءها ويدعم عطاءها.
وإذا كانت هناك كلمة أخيرة في هذا المقال، فهي توجيه التحية إلى قادة «موهبة» وأبنائها الذين أسعدونا جميعا بتميزهم الدولي، ونتمنى لهم مزيدا من العطاء، بل مزيدا من الدعم والتوسع لـ «موهبة» ودورها التنموي الرائد.

إنشرها