Author

معهد الإدارة .. بين التخصص والتخصيص

|
قبل الحديث عن معهد الإدارة بين التخصص والتخصيص الذي اخترته عنوانا لمقال اليوم، يجدر بنا التوقف مع لمحة عن تأسيس وأهداف هذا الصرح الحضاري العريق، وحدد هدف المعهد برفع كفاية موظفي الدولة وإعدادهم علميا لتحمل مسؤولياتهم وممارسة صلاحياتهم على نحو يكفل الارتقاء بمستوى الإدارة مع إعطاء المشورة في المشكلات الإدارية والإسهام في التنظيم الإداري للإدارة الحكومية.
وبدأ المعهد بداية قوية اعتمدت على دراسة من مؤسسة فورد الاستشارية العالمية وكذلك حسن اختيار المديرين "وبالتالي الدقة في اختيار منسوبيه من أعضاء هيئة التدريب والإداريين"، وكان أول مدير عام تولى التأسيس هو محمد العلي أبا الخيل، الذي أصبح فيما بعد وزيرا للمالية والاقتصاد الوطني، والذي عرف بالجدية والإنجاز، وفرض الانضباط في أي جهاز يشرف عليه، ولذا عرف المعهد منذ إنشائه حتى الآن بالانضباط بين موظفيه دون الحاجة إلى التوقيع أو البصمة لإثبات الحضور والانصراف.
وبعد محمد أبا الخيل، تولى إدارة المعهد عديد من الرموز الذين كان لهم أثر كبير في رفع مستوى كفاءة الإدارة الحكومية، وأصبح المعهد منجما لتطوير الكفاءات الوطنية التي أسهمت ولا تزال في إمداد المؤسسات الحكومية بالقيادات الإدارية التي أحدثت الفرق في مختلف القطاعات، واليوم يتولى المهمة الدكتور بندر السجان الذي يملك التأهيل والخبرة في عدة مواقع إدارية مهمة، وأهم من ذلك الحماس أن تواكب هذا الجهاز رؤية 2030 بما تحمله من حث على تطوير الجهاز الحكومي ورفع كفاءة الأداء. وهنا يعتمد معهد الإدارة على أن يقدم المشورة والتدريب انطلاقا من خبرته المتخصصة خلال 60 عاما. ولمواكبة المرحلة الحالية أرى أن يتجه المعهد إلى التخصيص لكل أنشطته "أو جلها" لدعم التخصص، بمعنى أن يتوسع في تقديم البرامج التدريبية التخصصية وتطوير دورات لتطوير الذات والمهارات الإدارية لمختلف القطاعات والمستويات الوظيفية، وهي سوق مهمة تتسرب بسببه ميزانيات طائلة من الجهات الحكومية والخاصة، بل حتى الأفراد الذين يعمدون لحضور مثل هذه البرامج في معاهد منتشرة في عدة دول حول العالم "وبعضها في منطقتنا"، وما تحمله هذه البرامج من اقتصاد مواز لأثرها المالي المتمثل في تكاليف البرامج التدريبية إلى تكاليف أخرى للسفر والسكن وتحريك أسواق سياحية وخدمية مرتبطة به، لو استطاع المعهد تقديمها في مناطق المملكة المختلفة لتمكنا من توطين جزء من هذه الصناعة، ويمكن أن يتم ذاك بشراكات نوعية بين المعهد وبعض المراكز العالمية المتقدمة ويكون اختيار مواقع التدريب موزعة في مناطق المملكة، حسب الإمكانات الطبيعية والسياحية التي تكفل تفرغ المتدرب لتطوير قدراته في بيئة معزولة عما يشغله في مكان عمله، إلى جانب البرامج الممتدة التي يمكن تقديمها للعاملين وهم على رأس العمل، مع دراسة المحفزات التي تدفع المتدربين على حضور مثل هذه البرامج سواء بإعادة العمل باحتساب نقاط للترقية أو تقييم الأداء السنوي لحاضري البرامج التدريبية، وهو ما كان معمولا به سابقا وتوقف لأجل إعادة النظر في بعض سلبياته.
وما ينطبق على التدريب يمكن أن يقدمه المعهد في مجال الاستشارات ويفتح المجال لدخول شركاء من مؤسسات وجامعات ومستثمرين محليين وعالميين لكي يغطي المعهد جانب الخبرة التي تطلبها الجهات المحتاجة إلى الاستشارات خاصة، وثبت أن "أهل مكة أدرى بشعابها"، مع عدم إغفال الاستعانة بالخبرات التخصصية الدولية لبعض القطاعات أو المسارات المستجدة. وبذلك يصبح المعهد شركة عالمية تقدم خدماتها في مجال الاستشارات والتدريب الحكومي أولا وللقطاع الخاص أيضا ولدول المنطقة بدل الاعتماد على الشركات الأجنبية.
وأخيرا: في ظل توطين الوظائف والطلب المتزايد على خريجي المعهد لا بد من وجود المعهد وبرامجه في مناطق بلادنا الواسعة لكي يجد الشباب والشابات التدريب الصحيح الذي ينتهي بالتوظيف ثقة بمخرجات المعهد التي تتسم بالحرص على السلوك الوظيفي وأهمها الانضباط، كما أشرنا سابقا.
إنشرها