البؤس في أماكن العمل اليابانية يظهر القليل من التحسن

البؤس في أماكن العمل اليابانية يظهر القليل من التحسن

البؤس في أماكن العمل اليابانية يظهر القليل من التحسن
إحدى نتائج الإفراط في العمل المصحوب بقلة النوم.

بحلول ظهر يوم 12 تشرين الأول (أكتوبر)، كانت اليابان تستعد لوصول هاجيبس، أقوى إعصار يضرب البلاد منذ عقود. توقفت وسائل النقل العام وتم إيقاف الرحلات الجوية التجارية، في حين انطلقت أوامر الإجلاء من الهواتف المحمولة مع تصاعد مخاطر حدوث فيضانات وانهيارات أرضية ورياح قاتلة.
في الوقت الذي كان يتزايد فيه الخطر، وثقت وسائل التواصل الاجتماعي شكاوى عمال أجبرهم أصحاب العمل على مجابهة تغيرات الطبيعة والحضور إلى العمل. كثير من الشركات التي تم تحديدها - المقاهي ووكلاء العقارات ومطاعم السوشي – لم تكن تقدم خدمات أساسية.
لكن الأقوال كانت صحيحة. قبل أسبوعين، نشرت الحكومة تقريرا حول أزمة العمل الزائد في اليابان، أشار إلى أن التقدم في القضاء على واحدة من أعتى مشكلات مكان العمل في البلاد كان بطيئا.
وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ينام العمال اليابانيون أقل من أي من نظرائهم في الاقتصادات المتقدمة: ينامون في المتوسط 442 دقيقة خلال الـ24 ساعة، مقارنة بـ528 دقيقة في الولايات المتحدة.
تعد الروح والتوقعات الكامنة وراء رسائل البريد الإلكتروني التي تطلب من الموظفين "إحضار بطانيات نوم ووجبات خفيفة إضافية" في حال تقطعت بهم السبل في العمل جراء الإعصار من بين مجموعة من المشكلات المحيطة بالعمل المفرط، بدءا من الشركات التي تحظر القيلولة الطويلة في دورات المياه إلى حقيقة أن 19 عاملا في العشرينيات من عمرهم وقعوا العام الماضي ضحايا لـ"كاروشي"، الموت بسبب الإفراط في العمل (اعتلال الصحة المرتبط بالتوتر أو الانتحار).
وجد استطلاع أجرته وزارة الصحة عام 2017 أن نحو نصف اليابانيين في الأربعينيات من العمر ينامون أقل من ست ساعات في الليلة. وخلص تحليل لشركة راند كوربوريشن قبل ذلك بعام إلى أن الاقتصاد الياباني يخسر 138 مليار دولار سنويا بسبب انخفاض الإنتاجية الناجم عن قلة النوم.
يلاحظ جون كوهياما، طبيب أعصاب في الجمعية اليابانية لأبحاث النوم، أنه على الرغم من الوعي المتزايد بمخاطر قلة النوم، فإن المشكلة تزداد سوءا. فقد أظهر استطلاع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في العام الماضي أن اليابانيين حصلوا على معدل نوم أقل 21 دقيقة في عام 2018 مما كانوا عليه في عام 2014، على الرغم مما يسميه كوهياما مستوى أعلى من القلق العام بشأن هذه المشكلة. يقول: "قد يكون لدى اليابانيين وعي أكبر بالنوم أكثر من ذي قبل، لكن الناس يميلون إلى الإعجاب بأولئك الذين يكرسون أنفسهم للعمل والضغط دون نوم كاف". أضاف: "أنا قلق من أن الوضع لم يتغير على الإطلاق".
تأتي تعليقاته بعد عام من إقرار تشريع رائد "لإصلاح نمط العمل" قدمة رئيس الوزراء السابق، شينزو آبي، بغرض معالجة الإفراط المستمر في العمل والمشكلات الأخرى في أماكن العمل في اليابان.
قدمت التغييرات القانونية الخلفية لعديد من المبادرات اللافتة للنظر من قبل الشركات، مثل شركة التكنولوجيا واي آر جي إل إم في أوساكا، التي تسمح للموظفين برفض مكالمات العمل ورسائل البريد الإلكتروني في أيام إجازتهم. أضافت الإصلاحات أيضا زخما إلى حملة #KuToo التي أطلقتها يومي إيشيكاوا ضد سياسات الشركة التي تتطلب من الموظفات ارتداء أحذية عالية الكعب.
مع ذلك، هذه استثناءات، ويظل الإفراط في العمل هو القاعدة. فلم يتم البدء بعد في تنفيذ الجوانب الرئيسية لقانون آبي، في حين أن مجموعات العمل ومحامي التوظيف لديهم شكوك جدية في أن تغييرا جوهريا في ثقافة العمل اليابانية بات وشيكا.
تردد صدى هذه الشكوك في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) عندما نشرت الحكومة تقريرا بشأن العمل الزائد والكاروشي، طالبت فيه صناعات متنوعة، مثل وسائل الإعلام والبناء، بتبني إجراءات أكثر فاعلية لتقليل الوفيات. وجد التقرير أن مكاتب العمل في جميع أنحاء اليابان اعترفت بوجود 158 حالة وفاة في عام 2018 ناتجة عن إرهاق العمل الزائد - أدنى إجمالي خلال عقد، لكن الحكومة حذرت من أن المستوى لا يزال مرتفعا بشكل غير مقبول.
نتج عديد من الوفيات عن ساعات العمل الطويلة وأعباء العمل المفرطة. فقد عمل نحو 6.9 في المائة من القوى العاملة اليابانية أكثر من 60 ساعة في الأسبوع الأخير من كل شهر، وهي الفترة الأكثر انشغالا تقليديا للشركات، بينما تستمر المشكلات المتعلقة بالوظيفة في الارتفاع كنسبة من معدل الانتحار الإجمالي في اليابان، وفقا للتقرير الحكومي.
المشكلة شديدة الخطورة لدرجة أن وزارة الصحة أدخلت مفهوم "حد كاروشي" - وهو مستوى من الإرهاق الذي يؤدي إلى خطر الإصابة بمرض قاتل مثل النوبة القلبية أو النزيف الدماغي. ويتم تعريف الحد الأدنى على أنه العمل الإضافي لأكثر من 80 ساعة في الشهر على مدى شهرين إلى ستة أشهر.
في تموز (يوليو) من العام الماضي، عندما هطلت أمطار غزيرة في محافظات هيروشيما وأوكاياما وإيهيمي، عد نحو 2768 من موظفي الحكومات المحلية معرضين لخطر الموت جراء إرهاق العمل بسبب جهودهم بعد الكارثة. وطلب الاتحاد الدولي لنقابات عمال البناء والخشب من منظمي أولمبياد طوكيو 2020 السماح بعمليات تفتيش للتأكد من أن أعمال البناء استعدادا للألعاب لا تدفع المئات إلى حد الكاروشي.
كان أحد الآثار الرئيسة لتركيز الحكومة البارز على الكاروشي وإصلاح مكان العمل هو تحفيز هوس قومي بالحرمان من النوم والأعراف والعادات والآثار السيئة التي تحيط به. يسرد موقع Amazon.co.jp للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت، مثلا، أكثر من أربعة آلاف منشور باللغة اليابانية حول موضوع النوم، منها 82 منشورا عن نقص النوم و121 منشورا عن جودة النوم.
هناك الآلاف من الحلول العملية الفورية لنقص النوم معروضة للبيع في اليابان، خاصة الحلول المصممة لمساعدة الناس المرهقين على الحصول على بضع دقائق جيدة من النوم "هيرون"، أو قيلولة بعد الظهر. وتراوح المنتجات من وسائد مكتب عالية التكنولوجيا إلى خيام تعتيم مصغرة يمكن نصبها تحت مكتب لمن يحتاجون إلى التمدد.
يرى سيجي نيشينو، مدير مختبر النوم والبيولوجيا العصبية في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة ومؤلف كتاب ياباني هو الأكثر مبيعا عن النوم، أن نوعية النوم مجال مهم يجب التركيز عليه. يقول: "من الصعب جدا الحصول على قسط كاف من النوم، لذا الخيار الذي أهتم به هو كيفية تحسين نوعية النوم"، مشددا على أنه لا يمكن لأي قدر من تحسين الجودة أن يحل تماما محل الحاجة إلى الكم.
يضيف: "التعليم مهم جدا. والمعلومات المتوافرة غير دقيقة للغاية، لكن الناس لا يزالون مؤمنين بأفكار معينة حول النوم. أحد الأمثلة، أن هناك فرقا كبيرا بين احتياجات النوم الفردية، لذلك نحتاج إلى فصل المجموعة عن الفرد عندما نتحدث عن متطلبات النوم".
يقول نيشينو إن التقدم العلمي الحقيقي بشأن نوعية النوم ظهر الآن فقط بعد الاعتراف بأهمية البيانات. البيانات الكبيرة التي تم جمعها من الساعات الذكية والأجهزة الأخرى التي تتعقب طريقة نوم الملايين من الناس، غيرت بشكل كبير وجهة النظر التي تتحدث عن إمكانية تجاهل جودة النوم. إذ لا يوجد نقص في الأساليب أو البرامج المقترحة لمساعدة الناس على النوم، لكنها عموما لم تتطور على أيدي العلماء المختصين في النوم.
في أماكن أخرى عبر الشركات اليابانية، تستخدم الشركات سياساتها بشأن القيلولة أثناء النهار بديلا عن رسالة أوسع مفادها أنها جادة في تحسين الظروف في مكان العمل. تقول رينا هياكويا، المتحدثة باسم شركة نيكست بيت لخدمات تكنولوجيا المعلومات، واصفة قانونا للشركة تم تقديمه أخيرا، إنه يمنح لكل موظف فترة قيلولة تمتد 30 دقيقة في أي وقت خلال يوم العمل. وفرت الشركة غرفتي نوم "استراتيجيتين" وخمسة كراسي "تكتيكية" لأخذ غفوة.
وأوضحت أن الشركة قامت بتركيب جهاز يمكنه حجب الأصوات الخارجية عن الغرف، وأنها تشمل في مرافقها الأرائك والروائح العطرة. أضافت أن الموظفين ممنوعون من استخدام أجهزة الحاسوب أو الهواتف الذكية في تلك الغرف. تقول: "في الأغلب يتم استخدام غرف النوم الاستراتيجية من قبل موظفي قسم الهندسة".
شركات ومنظمات أخرى شرعت في برامج مشابهة ـ ركزت وسائل الإعلام اليابانية على نتائج الامتحانات المحسنة المزعومة في مدرسة ميزن الثانوية في محافظة فوكوكا حيث أوصى مدير المدرسة الطلاب بأخذ غفوة لمدة 15 دقيقة بعد تناول وجبة الغداء، وذلك بعد أن استمع إلى محاضرات من قبل متخصصين في النوم.
لكن كما يقول كوهياما، من الجمعية اليابانية لأبحاث النوم، توفير مرافق تسمح بالقيلولة أو التسامح مع أخذ القيلولة الجماعية قد لا يعالج المشكلة الأساسية. "إذا كنت تتوق إلى قيلولة أثناء النهار، فهذا يعني أنك لا تحصل على قسط كاف من النوم أثناء الليل. فكرة أن تعمل الشركات على الترويج للقيلولة أثناء النهار ليست سيئة، لكن في الوقت نفسه يجب السماح للموظفين بمغادرة العمل مبكرا. من غير المنطقي أن تأخذ قيلولة بينما تستمر في العمل حتى وقت متأخر جدا من الليل".

الأكثر قراءة