قلق الآباء

تنتشر في المجتمع السعودي عبارة "هي من أصدق المعرفات لآمال الآباء" عندما يشاهدون صغار السن مع والديهم، "جعلك خير من أبيك"، في العرف المجتمعي العالمي يرجو كل أب وكل أم أن يكون أبناؤهم وبناتهم خيرا منهم. سواء في الحالة الاجتماعية أو العملية. السعادة والتوفيق هما عنوانان مهمان لما يريده ويخطط له كل بيت، لا خلاف على ذلك في كل الثقافات العالمية. وضع الله سبحانه هذه القيمة جزءا من تركيبة كل المخلوقات، ونشاهد ذلك في العلاقات في كل أنواع الأسر البيولوجية بغض النظر عن الكائن الحي الذي نراقبه. هذا عنوان مهم من عناوين الحياة على هذه الأرض، ولهذا شواهد واضحة في كل الثقافات. ولنا في قصة يوسف مع أبيه وقصة نوح مع ابنه أمثلة حقيقية لا يمكن أن يغفلها المتأمل.
أصبح صديقي يعاني نوبات الكآبة رغم وضعه الاقتصادي والاجتماعي الجيد. مرت أعوام كنا نضرب المثل فيها بصاحبنا وابتسامته المشهورة، وكان كثير منا يتمنى أن يكون مكانه بسبب ما يشاهده من ارتياح وتوازن نفسي وعاطفي لدى الرجل وفي بيته الصغير وبين أبناء عمومته وجيرانه.
جلست معه ذات مساء وتبادلت معه الحديث عن وضعه الجديد المختلف، وصارحني بأنه يستخدم المهدئات لينام من شدة القلق الذي يعيشه. يتكلم بحرقة عن ابنه فلان وما يعانيه في بيته، وابنته فلانة التي تشكو من زوجها وتعامله معها. والثالث الذي يأتيه كل أسبوع وقد عزم على ترك وظيفته بسبب ما يعيشه من مضايقات من قبل مسؤوليه في مكان العمل.
بذل - هو وزوجته - الغالي والنفيس لضمان التعليم والتربية والمنزلة الاجتماعية المرموقة لكل أبنائه. مع ذلك يستمر الجميع في الشكوى من عدم توفيقهم أو مشكلاتهم الأسرية. لا يعلم الأبناء قدر المعاناة التي يعيشها الآباء عندما يستمعون إلى هذه الشكاوى التي قد لا تكون بهذا الحجم من الأهمية، بل إن الأبناء يخرجون من بيت العائلة وهم مبتسمون ويعيشون حياتهم لأقصى حد دون أن يدركوا الأذى النفسي الذي سببوه لوالديهم في تلك الزيارة.
نصيحتي للأبناء والبنات أن يرأفوا بقلوب والديهم، وأن يدخلوا عليهم الفرح والسرور ويحتفظوا بمشكلاتهم لأنفسهم، لأن أثرها فيمن يحبونهم لا يمكن وصفه أو مقارنته، فلنحسن إليهم كما أحسنوا إلينا، حتى إن كان ذلك بحمايتهم من القلق والحزن على الأقل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي