التنمر و«الطقطقة»
تختلف تعريفات التنمر لكنها في النهاية تتفق أنه سلوك عدواني يميل للعنف الجسدي أو اللفظي، يمارسه شخص أو مجموعة نحو فرد أو أفراد. ولأن التنمر أصبح يشكل ظاهرة في مدارسنا، كما في معظم دول العالم، فأظن أن الأمر يستحق أن نناقشه بكثير من الصراحة والوضوح، وليعذرني الأهل، إن قسوت عليهم قليلا، لكن حتى ننجح في تفكيك هذه الظاهرة، فعلينا أن نعرف ما الأسباب قبل أن نبحث عن الحلول ...!
الطفل أو المراهق المتنمر هو ضحية محيطه العائلي، ولذلك من النادر أن نجد متنمرا عاش في بيئة أسرية متوازنة يمارس هذا السلوك العدواني على الآخرين. من يطالبون بسن العقوبات في المدارس التي تنتشر فيها هذه الظاهرة، عليهم قبل ذلك أن يناقشوا الأسرة عن الأسباب التي رسخت هذا السلوك العدواني. حين ينشأ الفرد في أسرة يخيم على أجوائها العنف والعدوانية والكلمات الجارحة، ويسيطر أحد أفرادها على البقية بالقوة والصوت المرتفع والغضب، ويشعر الفرد فيها بالتهميش وعدم القيمة، ويجد نفسه مرغما على تنفيذ الأوامر الصارمة دون أي نقاش، فإنه سيبحث فيما بعد عن متنفس لكل تلك المشاعر السلبية والغضب المكبوت داخله، هذا التنفيس يمنحه إحساسا زائفا بقيمته وأهميته في نظر الآخرين، خصوصا حين يعملون له ألف حساب، ويخافون منه كما يخاف هو من الطرف الأقوى في أسرته. المتنمر هو نتاج تربية أسرية متطرفة نحو القسوة المفرطة أو الدلال المفرط، ولذلك من وجهة نظري المتواضعة، فإن توعية الأسرة مقدمة على توعية البيئة المدرسية، لأنها هي الأساس في إيجاد هذا المتنمر بطريقة أو بأخرى.
حين يسخر الزوج من زوجته أمام أطفاله، ويقلل من قيمتها، ويتطاول عليها جسديا ولفظيا وهي مستسلمة، فإن ذلك سيوجد متنمرا!
حين يغيب الحوار في الأسرة، ويتخلى الأبوان عن مسؤولياتهما، ويسند الأمر للخادمة والسائق، فإن ذلك سيوجد متنمرا.
حين يتم تهميش الطفل وعدم الإحساس بوجوده إما بسبب تفضيل أحد الإخوة أو انشغال الوالدين عنه بالعمل، أو السخرية غير المقصودة منه أمام الآخرين، فإن ذلك يوجد متنمرا.
حين يعزز أسلوب "الطقطقة" ويتخذ كوسيلة للتندر والتسلية لجلب المتابعين ورفع مؤشر المشاهدات في وسائل التواصل الاجتماعي، وإظهار "المطقطق" على أنه الحلقة الأقوى القادر على إظهار الطرف الآخر بمظهر مثير للسخرية والضحك، فإن ذلك سيوجد متنمرا يظن أن "الطقطقة" طريقه نحو الشهرة، بينما هي والتنمر وجهان لعملة واحدة.
وخزة:
لا أحد يولد متنمرا.. وقبل أن نحاكم المتنمرين علينا أن نسأل أنفسنا كأهل: كيف جعلناهم كذلك؟!