صوم آخر
للصوم تأثيرات جسدية وروحية ونفسية عظيمة وجميلة، فالجسد يتخلص - نسبيا - من بعض السموم، والروح تسمو إذا سمت النفس عن شهواتها، لذا كان الصوم إجمالا في فترات متقطعة خلال العام أو حياة الإنسان جزءا من كل الأديان والثقافات كما قرأنا في أكثر من مصدر.
هناك أكثر من صوم يحتاج إليه الإنسان، ويكتشف من يمارس من حين لآخر أنواعا أخرى من الصيام عن أشياء أو عادات أو إدمان أصابه أو أصاب جل قومه، أن عقله، ومن ثم فؤاده يستطيع الاعتياد، ومن ثم يستطيع التحليق في سعادته بقوة عزيمته.
ومثلما يقوي الصيام عن الطعام الجسد، سيكتشف كثيرون أن الصيام من فترة لأخرى عن الهاتف الجوال مثلا يفيد الحواس والذهن، أو أن الصيام "الإلكتروني" عن التطبيقات ووسائل التواصل يفيد الروح، حتى لو كان إجباريا في البداية لأي ظرف، يكتشف البعض أنه يمكنه الاستمرار حتى عندما يصبح الأمر اختيارا.
تأمل قليلا في تطبيق محادثة مثلا وأنت محجم عنه، ستكتشف بسهولة أنه إعادة تدوير كبيرة، دقق في برنامج تواصل، ستعرف بداهة أن الغث أكثر من السمين، وأن التكرار سمة بالغة، إلا من رحم ربي من حسابات هي ثرية بأصحابها ذوي الإضافات الحقيقية في أي شأن، تلك الحسابات التي يبدو أول ملامح تميزها أنها لا تعيد نقل الأخبار، أو تتشبث يوميا بتكريس انتمائها إلى " خط" أو اتجاه.
مثلما في صيامك عن طعامك تتسامى روحيا إلى حدود ترسمها طباعك وممارستك الصوم ذاته، ستكتشف أن كثيرا من أنواع الصيام الأخرى حتى الصيام عن قيادة السيارة أو مشاهدة التلفزيون ليوم واحد في الشهر لها تأثيرات كدت أن تفقدها، وكدت تنسى كيف كانت تبدو خاصة إذا كنت في نصفك الثاني من العمر.
ستنجو بشكل أو بآخر، لكن ربما يجدر بك الانتباه إلى أطفالك أو من أنت مسؤول عنهم، يمكنك كما تمهد لهم صيام رمضان وتدربهم عليه عاما بعد عام وتمثل لهم أولا القدوة، وثانيا القائد في محيط كله صائم تقريبا، يمكنك أن تفعل ذلك مع أنواع أخرى من الصيام وأهمها تأثير نفسي وتربوي واجتماعي، وهي الصيام عن الأجهزة أيا كان نوعها وتصنيفها، وما تحويه من ألعاب أو برامج وتطبيقات.
صم أمامهم وسيقتنعون بالصيام، مرة في الشهر، ثم مرتين، وإذا وصلت إلى يوم في الأسبوع فهذه ملامح النجاح، ستلحظ تغيرات نفسية وسلوكية، وستحظى ربما بأهم ميزة، المزيد من الحديث معهم، من الحياة معهم.