البنية التحتية للتعافي «2 من 2»

تسبب الأضرار المناخية بالفعل أضرارا بالغة في البنية التحتية الموجودة. فعلى سبيل المثال، في كانون الثاني (يناير)، تسببت العاصفة الاستوائية "آنا" في تعطيل نحو نصف قدرات توليد الكهرباء الهزيلة في ملاوي. وفي الشهر التالي أدى ثوران بركاني وطوفان التسونامي، إلى فصل كابل الإنترنت البحري في تونجا.
تقدر هذه الأضرار المباشرة بالبنية التحتية بالفعل بنحو 18 مليار دولار سنويا. ومن شأن تعزيز قدرة البنية التحتية على الصمود أن تزيد الاحتياجات الاستثمارية القائمة بضع نقاط مئوية، لكن المنافع المتوقعة تفوق التكاليف بمقدار أربعة أمثال.
ورغم تجربة تونجا، تعد البنية التحتية الرقمية عاملا أساسيا لتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود في وجه الأزمات. وفي أثناء جائحة كورونا، زاد عدد مستخدمي شبكة الإنترنت على مستوى العالم بواقع 800 مليون، وزادت حركة نقل البيانات في الاقتصادات الصاعدة بنسبة 25 - 50 في المائة، مع الزيادة المطردة في الأنشطة التي تنفذ عبر الإنترنت. ومكنت التطبيقات الرقمية التي تدعم تقديم الخدمات عبر الإنترنت والعمل عن بعد الشركات والحكومات من مواصلة أنشطتها.
وتتمثل الضرورة الثالثة في الاستثمار في البنية التحتية المستدامة التي تعزز الشمول الاجتماعي، وتعالج مختلف أبعاد عدم المساواة. فرغم زيادة إمكانية الربط الرقمي في أثناء الجائحة، فإنه حتى عام 2021 كان 2.9 مليار شخص لا يزالون محرومين من وسائل الاتصال الإلكتروني، بينهم أكثر من 50 في المائة من سكان الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وما يصل إلى 81 في المائة من سكان الدول الأقل نموا. ولا يزال بعض أجزاء العالم يشهد أيضا تفاوتات كبيرة بين المناطق الحضرية والريفية وبين الرجال والنساء.
وأدت هذه الفجوة الرقمية إلى تفاوتات كبيرة في النواتج الإنمائية. ووفقا لتقديرات "اليونيسيف" حال نقص التقنيات الملائمة دون مشاركة ما لا يقل عن 463 مليونا أو 31 في المائة من تلاميذ المدارس في أنحاء العالم في التعلم عن بعد عبر الوسائط الرقمية ووسائل البث المرئية والمسموعة في أثناء الجائحة. وفي منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، لم تزد نسبة الأطفال الذين أمكنهم الوصول إلى برامج التعلم عن بعد المعتمد على شبكة الإنترنت عن 6 في المائة.
وأخيرا، يعتمد الأثر الإجمالي للبنية التحتية المادية على التنمية على كيفية التنسيق بين الاستثمارات وتكملتها بتدابير داعمة على صعيد السياسات. وفي شتى أنحاء إفريقيا، تعد ممرات الطرق الإقليمية عاملا أساسيا لتعزيز التبادل التجاري داخل القارة. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي تطوير ممر طريق لاجوس إلى أبيدجان إلى منافع اقتصادية كبيرة للدول المطلة على ساحل غرب إفريقيا. لكن سائق الشاحنة الذي يقوم بهذه الرحلة اليوم قد يضطر إلى قضاء 160 ساعة في المعابر الحدودية. ويمكن أن تتضاعف منافع تحديث الطرق إذا تم أيضا تبسيط الإجراءات الحدودية.
يمكن للأنواع المختلفة من البنية التحتية أن تعزز منافع المرافق الأخرى. ففي أنحاء المناطق الهشة في أرياف إفريقيا، حفزت الاستثمارات في الطرق الريفية على تحول العمال من زراعة الكفاف إلى وظائف أعلى أجرا في قطاعات الصناعات التحويلية والخدمات. لكن الأثر الاقتصادي للطرق قد يكون أضعاف ذلك في المجتمعات المحلية التي تكون فيها إمدادات الكهرباء متاحة أيضا.
وتنطوي البنية التحتية على كثير من المزايا التي تمكنها من الإسهام في التعافي فيما بعد زوال الجائحة، وكذلك في التنمية الخضراء القادرة على الصمود والشاملة للجميع، لا سيما في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل التي تشتد فيها الحاجة إلى الاستثمار. وستكون تلبية هذه الحاجة تحديا جسيما لكنه تحد يمكن تحويله إلى فرصة نافعة للجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي