ضجيج المدن .. ليس مجرد إزعاج
توفر المدن شيئا للجميع، فرص للعمل والترفيه والتنوع والكثافة والمنافع الاجتماعية وكذلك التوترات الاجتماعية. مع ذلك، فإن أعظم المدن الكبرى في العالم - من بانكوك إلى برشلونة، ومن بوجوتا إلى القاهرة، ومن دمشق إلى دلهي، ومن كراتشي إلى كلكتا، ومن نيويورك إلى نيروبي - تحمل أيضا مخاطر بيئية على سكانها.
في حين أن الكثير من هذه المخاطر البيئية - ولا سيما النفايات وفقدان التنوع البيولوجي والاحترار - موثقة جيدا بالفعل، إلا أن هناك تهديدا بيئيا آخر يتم تجاهله غالبا وله تأثير كبير بشكل متزايد في سكان المدن وهو: الضجيج.
مثل التلوث الهوائي، فإن التلوث الضوضائي ليس مجرد إزعاج. في الواقع، يزداد إدراكنا أن له تأثيرات طويلة الأجل في صحة الإنسان. يمكن تعريفه على أنه أصوات عالية غير مرغوب فيها تصدر لفترة طويلة، ويمكن أن يضر بشكل خطير عافيتنا الجسدية. التلوث الضوضائي يشمل الانزعاج المزمن واضطراب النوم، ما يؤدي إلى أمراض القلب الحادة واضطرابات التمثيل الغذائي مثل مرض السكري، وكذلك ضعف السمع وضعف الصحة العقلية.
مع ازدحام المدن، تصبح بيئتها الصوتية آفة للصحة العامة على مستوى العالم. يتم الآن تجاوز مستويات الضجيج المقبولة، كما حددتها منظمة الصحة العالمية، في المدن في جميع أنحاء العالم. يتعرض ما يقدر بنحو 90 في المائة من مستخدمي النقل الجماعي في مدينة نيويورك لمستويات تتجاوز حد الديسيبل الموصى به. في مدينة هو تشي مينه، يتعرض راكبو الدراجات لمستويات ضجيج أعلى من 78 ديسيبل، ما قد يتسبب في فقدان نهائي للسمع. في الاتحاد الأوروبي، يؤثر التلوث الضوضائي في واحد من كل خمسة مواطنين ويؤدي إلى 12 ألف حالة وفاة مبكرة كل عام.
كتبت جين جاكوبس في كتابها "موت وحياة المدن الأمريكية الكبرى"، أن المدن يمكن أن تقدم أشياء للجميع، فقط عندما يصنع الجميع هذه الأشياء. نادرا ما يتحقق هذا المثل القائم على المساواة اليوم. تتصف المدن، وخاصة في الدول منخفضة الدخل، بعدم المساواة الاجتماعية والفصل الجغرافي.
يؤثر التلوث الضوضائي بشكل خاص في صغار السن وكبار السن بين المجتمعات المهمشة التي تميل إلى العيش بالقرب من الطرق ذات الازدحام الشديد والمناطق الصناعية وليس بالقرب من المساحات الخضراء.
نظرا لتحضر معظم أنحاء العالم، أصبحت المدن نظاما بيئيا مهما بشكل متزايد، ليس فقط للبشر، بل للتنوع البيولوجي ككل. يعد التلوث الضوضائي أيضا تهديدا للحيوانات، حيث يغير تواصل وسلوك الفصائل المختلفة، بما في ذلك الطيور والحشرات والضفادع.
مع ذلك، توضح الأبحاث أن الأصوات الطبيعية التي تأتي من المساحات الخضراء في المناطق المتحضرة يمكن أن تقدم فوائد صحية متنوعة. في بعض الحالات، يمكن للنباتات في البيئات الحضرية أن تمتص الطاقة الصوتية وتبدد الضجيج. لا تساعد أحزمة الأشجار والشجيرات والجدران الخضراء والأسطح الخضراء على تضخيم الأصوات الطبيعية من خلال جذب الحياة البرية فحسب، بل تعمل أيضا على تحسين منظر الشوارع. في حين أن الحل النهائي للتلوث الضوضائي هو الحد منه، أفادت تقارير عن أن صفوفا من الأشجار المزروعة خلف الطرق السريعة قللت مستويات الضجيج بما يصل إلى 12 ديسيبل في مواقع معينة.
يجب أن يأخذ مخططو المدن كلا من المخاطر الصحية والبيئية للتلوث الضوضائي في الاعتبار. تم تطبيق تدابير جيدة بالفعل في المناطق الحضرية في جميع أنحاء العالم: من منطقة الانبعاثات المنخفضة جدا في لندن و"رادار الضوضاء" في باريس وممرات الدراجات الجديدة في برلين على الطرق الواسعة إلى الخطة الوطنية المصرية لمكافحة الضوضاء ومشروع "تسونامي المليار شجرة" الباكستاني.
لكن هناك حاجة إلى المزيد للتعامل مع الضجيج في كثير من مدن العالم. التلوث الضوضائي ليس مجرد إزعاج، ولكنه مشكلة صحية وبيئية خطيرة. كما أنه جزء لا يمكن تجنبه من الحياة الحضرية. في الأعوام الأخيرة، كان هناك حشد كبير للموارد لمكافحة تلوث الهواء، المسؤول عن الوفاة المبكرة لأكثر من سبعة ملايين شخص سنويا. تحتاج المدن إلى شن حملة مماثلة ضد هذا النشاز الذي يضر بالناس والكوكب.
المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة