التكتلات الاقتصادية والحلول المأمولة

مرت التكتلات الاقتصادية العالمية الرئيسة بمراحل مختلفة، ولا سيما "مجموعة السبع" و"مجموعة العشرين"، وظلت مؤثرة في الساحة الدولية لأسباب عديدة، في مقدمتها أن الدول الأعضاء فيها تتمتع بقدرات اقتصادية عالية، إلى جانب اتباعها نظام اقتصاد السوق مع بعض الاستثناءات، فضلا عن حضورها الواضح في مواجهة الأزمات الاقتصادية بشكل عام، وقدرتها على إحداث فارق في معالجة هذه الأزمة أو تلك.
وظل تأثير مجموعتي "السبع" و"العشرين" حاضرا على الساحة حتى خلال التضعضع السياسي في العلاقات بين دول المجموعتين. فـ"مجموعة العشرين" أثبتت بعد عشرة أعوام من تاريخ التأسيس، أنها التكتل المثالي لمواجهة الأزمة المالية، التي انفجرت في 2008. ومنذ ذلك الحين ظلت هذه المجموعة تدير الأزمات الاقتصادية، أو تحتويها، وتطرح المبادرات اللازمة لجعلها تدور ضمن أضيق نطاق. ولعبت السعودية - ولا تزال - دورا محوريا كعضو في هذه المجموعة، وتقدمت على بقية الدول في الحفاظ على التزاماتها. ولم تتوقف دول "العشرين" عن الإشادة بقيادة المملكة للمجموعة خلال فترة تفشي وباء كورونا، الذي عد الأشد خطرا منذ عقود، وكانت "العشرين" في الواجهة للأزمة العالمية 2008، والجائحة.
ويبدو واضحا أن ظهور التكتلات لمواجهة الأزمات أساسا، كان ضروريا، إذ انطلقت "مجموعة السبع" في 1973 للتعاطي مع أزمة الطاقة، التي نشبت آنذاك. ولأنها تضم أكبر الاقتصادات على الإطلاق، أرادت أن تضفي زخما سياسيا عالميا لها بتوازن مطلوب، فأدخلت روسيا التي تم طردها في أعقاب احتلال موسكو لشبه جزيرة القرم في 2014. ومع اندلاع الأزمة الروسية - الأوكرانية تعززت في الواقع التجمعات الاقتصادية وغير الاقتصادية. فحلف شمال الأطلسي "الناتو" صار أكثر التفافا حول أعضائه، مع ضخ مزيد من الأموال لدعم دوله عسكريا. وحتى الاتحاد الأوروبي وجد الفرصة لإعادة طرح فكرة الجيش الأوروبي الموحد الذي سيبدأ على شكل وحدات تدخل سريع. التكتلات التي أنشئت أغلبيتها من فرط الأزمات، تقوم بالفعل بدور أساسي في مواجهة الأزمات المتوالدة أو الجديدة.
وفي النهاية، يبقى وجود هذه التكتلات، خصوصا تلك التي أقيمت لأسباب وأهداف اقتصادية، محوريا لإيجاد الحلول للأزمات الخطرة التي يمر بها العالم. نحن اليوم نعيش واحدة من أكثر الفترات الاقتصادية حرجا، بسبب الآثار التي تركتها جائحة كورونا على الساحة العالمية، وتبعات الحرب الدائرة حاليا في أوروبا. والتضخم بلغ حدودا مرعبة، والمخاطر تهدد إمدادات الغذاء، والنمو العالمي المنتظر صار بعيدا، فضلا عن المشكلات المتفاقمة على صعيد سلاسل التوريد، وزيادة مستويات الفقر في هذه المنطقة أو تلك. مشكلات كبرى لا يمكن مواجهتها إلا عبر سلسلة من التكتلات المتصلة ببعضها بعضا. العالم الآن لا يتحمل بالفعل مواجهات سياسية بين الدول المؤثرة في الساحة العالمية، فكيف الحال بمواجهات عسكرية لن تأكل النمو وترفع الغلاء وتزيد الفقر وتبقي الإمدادات في خطر متواصل فحسب، بل ستدمر مكتسبات كثيرة؟ والتجمعات بما فيها تلك التي لا ترتبط سياسيا سيكون لها دورها الرئيس في تعزيز التعافي، وإنقاذ قطاعات اقتصادية متعددة مهددة، في هذه المرحلة العالمية الحرجة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي