الاختيار ما بين النظم الاقتصادية

لا تزال الاقتصادات المتقدمة، مثل أمريكا والدول الأوروبية الرئيسة، تعاكس النموذج الرأسمالي المعروف من خلال توسيع الحكومة وزيادة مصروفاتها، وذلك بالاعتماد على زيادة الضرائب إلى مستويات أعلى، أي من إجمالي الناتج المحلي، فمثلا الولايات المتحدة نمت ضرائبها إلى مستويات 30 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وبريطانيا إلى 40 في المائة، وألمانيا إلى 45 في المائة، وفرنسا إلى 53 في المائة، والسويد إلى 50 في المائة، في مقابل أن جميع تلك الدول عام 1930 لا تتخطى 20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
تحولت الاقتصادات المتقدمة إلى دول رعاية بطرق غير مباشرة، ويمكننا الاستدلال بحجم الإنفاق على الرعاية الاجتماعية والبنية التحتية والتقاعد وإعانات البطالة والأسر وعلى التعليم والخدمات الاجتماعية المتعلقة بالإعاقة، وفي الوقت نفسه الإنفاق على الأمن والدفاع، وإذا ما دققنا في شكل النموذج الاقتصادي بعد أزمة كوفيد - 19 سنرى أن الدعم الحكومي أصبح عاملا أساسيا في تجاوز الأزمات والدول التي كان اقتصادها يعتمد على الحكومة كانت أقل الدول تأثرا وأسرع الدول خروجا من الأزمة.
النموذج الصيني الاقتصادي لا يزال يتشكل بطريقة لافتة مع قدرته على إثبات أن اقتصاد الدولة والموجه بالائتمان الخاص أو العام قد أثبت نجاحه في تحقيق معدلات نمو مدهشة والصين نجحت في الدمج بين عدد من النظم الاقتصادية من أجل خدمة الناتج المحلي إلى أقصى حد تسمح به قدرات مواطنيها وشركاتها الحكومية والخاصة.
أما الدول الغنية التي تملك عوائد مالية من النفط والغاز والمعادن والاستثمار السيادي، فلديها مسارات بين اقتصادات الائتمان الميسر "القروض الميسرة" لدعم النمو أو نموذج الشمال الأوروبي الاسكندنافي Nordic model أو مزيج ما بين نماذج اقتصادية متعددة أو نموذج متوازن يجمع بين قدرات المواطنين وقدرات البلاد الاقتصادية والاستثمارية بهدف رفع كفاءة الاقتصاد، ويمكنني الإشارة إلى مقالة سابقة كتبتها في 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 بعنوان "دول الخليج والطريق الثالث"، أي: الجمع بين كفاءة الاقتصاد ومفاهيم تتعلق بجودة الحياة والسعادة والاستقلال الذاتي عن قوى السوق التي قد ترهق الحياة والأسرة والصحة لحساب مجموعات اقتصادية مسيطرة.
أخيرا: للجمع بين أسواق الائتمان الميسر ودولة الرعاية الحديثة، أي: مستويات معيشة عالية وتفاوتات منخفضة في الدخل مع استدامة اقتصادية ذاتية، أولا: المحافظة على معدل عبء ضريبي عام وتضخم لا يزيدان على 20 المائة من الدخل معا. ثانيا: الائتمان والقروض لا تتخطى استقطاعاتهما 33 في المائة من دخل الأسرة، بما في ذلك قروض الرهن العقاري. ثالثا: تقديم قروض ميسرة للأعمال. رابعا: بناء اقتصاد متعدد المستويات مكون من ستة مستويات، اقتصاد صناعي ومناطق وحضري وريفي، واقتصاد مشترك بين القطاعين الخاص والعام، واقتصاد شركات الدولة. خامسا: جميع الممكنات الاقتصادية مجانية أو شبه مجانية وبجودة عالية عبر إدارة مراكز التكلفة، وتحويل الأبحاث والابتكارات إلى مراكز ربح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي