Author

الوقف الصحي .. وصية الأجداد

|
تاريخنا الإسلامي يروي قصصا مشرقة عن نماذج من العطاء الحضاري في مختلف المجالات، ومنها الوقف الصحي الذي كان الممول الرئيس لعلاج المرضى، حيث يتحمل تكاليف تجول المعالجين بين القرى والهجر، ولم تكن هناك في ذلك العصر مساهمة تذكر من جهات أخرى. وكغيرها من التجارب الناجحة التقطها الآخرون، بينما غفل العالم الإسلامي عن هذا الجانب المهم، واستفاد من هذه التجربة العالم الغربي، وظهر ما يسمى المؤسسات غير الربحية التي تمول معظم المستشفيات والخدمات الصحية، فعلى سبيل المثال، فإن الخدمات الصحية في الولايات المتحدة تمول بما يقارب 60 في المائة من المؤسسات غير الربحية.
وفي الأسبوع الماضي، استضافت الجمعية السعودية لكتاب الرأي الدكتور إبراهيم الحيدري، الرئيس التنفيذي لصندوق الوقف الصحي، الذي تحدث لمجموعة من كتاب الرأي، عن فكرة هذا الصندوق التي تعد تنفيذا لوصية الأجداد، بأن يسهم المجتمع في وقف يدعم جهود الدولة التي لم تقصر أبدا في توفير التمويل المفتوح للخدمات الصحية، وظهر ذلك جليا في مواجهة جائحة كورونا. وبأسلوبه المقنع المدعوم بالأرقام، تحدث الدكتور الحيدري لمدة ساعة ونصف الساعة، أجاب خلالها عن جميع الأسئلة، واستمع للمداخلات من الحاضرين وعن بعد أيضا. ومما ورد في الحديث المهم، أن الوقف الصحي لم يكن موجودا في بلادنا قبل إنشاء الصندوق، وإنما كانت بعض الجمعيات الخيرية تسهم في بعض تكاليف الحالات الصحية. وأكد أن الصندوق مستقل في جميع أعماله، ويشرف عليه مجلس إدارة برئاسة وزير الصحة، وعضوية عدد من الجهات الحكومية ذات العلاقة، وكذلك ممثلين من القطاع الخاص، حيث يحق لمن يتبرع بمليون ريال فأكثر أن يكتسب عضوية مجلس الإدارة. وتحدث عن نشأة الصندوق، فقال إنه في 1429هـ طرحت فكرة الصندوق لأول مرة، وكان وزير الصحة آنذاك الدكتور حمد المانع، وصدرت موافقة مجلس الوزراء على تأسيس الصندوق لدعم المشاركة المجتمعية في المجال الصحي، وتم إحياء الفكرة من جديد واستكمال الخطوات التي اتخذت من قبل وأكملت الإجراءات وأُسس صندوق الوقف الصحي في 1440هـ، ووجد الصندوق استجابة سريعة ومرنة من المتبرعين سواء كأفراد أو رجال أعمال وشركات وبنوك، حيث بلغت موجودات الصندوق الآن نحو مليار ريال، منها 700 مليون ريال نقدا، والباقي تبرعات عينية، والطموح أكبر من ذلك في ظل حب المجتمع السعودي لدعم الأعمال الخيرية عامة والوقف الصحي خاصة، مع العمل على استثمار أموال الصندوق بشكل احترافي.
وأخيرا: أطلق صندوق الوقف الصحي مبادرة "شفاء" وهي منصة إلكترونية تهدف إلى تسهيل تقديم الخدمات العلاجية والأجهزة الطبية والأدوية للمحتاجين المنقطعين والحالات الطارئة الذين ليست لديهم قدرة للحصول على العلاج. ومع هذه الأهداف العظيمة، فإن علينا كأفراد ورجال أعمال وشركات أن ندعم هذا الصندوق طلبا للأجر، ومساهمة في المسؤولية الاجتماعية، خاصة أنه يتمتع بشخصية اعتبارية واستقلال مالي وحوكمة في جميع أعماله.
إنشرها