Author

العالم العربي والاستفادة من التجارة الإلكترونية «1 من 2»

|

لقرون من الزمن، كانت شوارع القاهرة تتزين بالمصابيح "الفوانيس" التقليدية احتفالا بقدوم شهر رمضان المبارك. في العقود الأخيرة، حلت مصابيح أرخص صنعت في الصين محل المصابيح المصنوعة محليا. ولكن بسبب ارتباك سلاسل التوريد العالمية الناجم عن الجائحة، عادت المصابيح المصرية الصنع إلى الشوارع في العام الماضي. ولكن يتبقى لنا أن نرى ما إذا كانت هذه العودة لتدوم.
لا تشغل قصة "فانوس رمضان" المصري سوى قسم بالغ الصغر في صورة أكبر كثيرا. ففي مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تعمل تكنولوجيات جديدة بشكل متزايد على تسهيل التجارة داخل المنطقة وبين الأسواق المحلية وبقية العالم. وكانت منصات رقمية مثل Alibaba وeBay وAmazon، حريصة على توسيع نطاق السلع والخدمات التي يمكن تداولها عبر الحدود. الواقع أن التحول الرقمي لم يعمل على زيادة حجم ونطاق التجارة وسرعة انتشارها فحسب، بل أفضى أيضا إلى تغيير الطريقة التي تنتهجها الشركات في مزاولة التجارة وتخصيص الموارد عبر الحدود.
تشكل منصات التجارة الإلكترونية الناجحة مصدرا للفخر عادة. ولكن على الرغم من أن المنصات الرقمية تزود المستهلكين بمجموعة أكثر تنوعا من السلع والخدمات وتسمح للشركات بالتجارة على المستوى الدولي بقدر أعظم من الكفاءة، فإنها تخضع الشركات المحلية أيضا لمنافسة شرسة وغير عادلة في بعض الأحيان.
تظهر تجربة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن إدخال التجارة الرقمية والتجارة الإلكترونية قد يخلف عواقب معقدة على اقتصاد أي بلد نام. للاستفادة من زيادة التعرض للتجارة الدولية من خلال المنصات الرقمية، يظل أي بلد في احتياج إلى ميزة نسبية في قطاعات صناعية بعينها، فضلا عن قدرة واسعة على الوصول إلى البنية الأساسية الرقمية المتقدمة. وتفتقر دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى واحد من الأمرين أو كليهما.
تتاجر أغلب الدول العربية بشكل أساس في النفط "الذي يمثل 56 في المائة من إجمالي صادرات المنطقة" وغير ذلك من الموارد الطبيعية والأولية، التي تميل إلى كونها أقل تأثرا بصعود الأسواق الرقمية إيجابيا. كما تنتج الدول العربية قلة ضئيلة للغاية من المنتجات الوسطية الصالحة للتصدير، وهي بالتالي تندمج في سلاسل القيمة العالمية بشكل ضعيف. وتعمل نقاط الضعف هذه على التقليل من فرص استفادة الشركات المحلية من التجارة الرقمية والتجارة الإلكترونية. ليس من المستغرب إذن أن تستوطن نحو 80 في المائة من التجارة الإلكترونية في المنطقة دول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر.
بطبيعية الحال، يستفيد المستهلكون العرب من الأسواق الرقمية، وتشهد قاعدة التجارة العربية الآن تحولا رقميا سريعا. خلال الفترة من 2012 إلى 2017، ازدادت نسبة مستخدمي الوسائط الرقمية في المنطقة من أقل من 10 في المائة إلى أكثر من 30 في المائة، ومنذ ذلك الحين تسارع هذا الاتجاه في ظل الجائحة.
لكن هذا الارتفاع السريع في تبني التحول الرقمي كان مدفوعا في الأغلب الأعم بالهواتف الذكية التي تتميز بسرعات أكبر في الاتصال بالإنترنت، ولا سيما في الإمارات والسعودية، اللتين تمثلان معا نحو 60 في المائة من التجارة الإلكترونية في المنطقة. يختلف الوضع تماما في الدول الأكثر فقرا خارج دول الخليج الغنية بالنفط. وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي أخيرا، يضطر التونسيون المنتمون إلى القسم الذي يضم أدنى 40 في المائة دخلا على جدول توزيع الدخل إلى إنفاق أكثر من 40 في المائة من دخلهم لشراء الإنترنت عالي السرعة. وتونس ليست وحدها في هذا. ذلك أن أكثر من 60 في المائة من الناس في الجزائر وجيبوتي والمغرب وسورية واليمن لا يستطيعون تحمل تكلفة خدمات النطاق العريض الثابتة أو المتنقلة.
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2022

إنشرها