الدرعية .. طريق قوافل التجارة التاريخية وقبلة الباحثين عن الرزق
في إقليم اليمامة التي تحتل مساحة كبيرة من الجزيرة العربية تقع الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، لتأخذ موقعا استراتيجيا في اليمامة الخضراء، على ضفاف وادي حنيفة أحد أهم الأودية في الجزيرة العربية، حيث يمثل هذا الوادي منطقة جذب للاستقرار البشري، ومحطة مهمة وسط الجزيرة.
ويتميز موقع الدرعية الجغرافي بكونه في قلب الطرق التجارية القديمة، ومفترق طرق قوافل التجارة التي أسهمت في تعزيز حركة التجارة في الجزيرة العربية، والتي تأتي من جنوب شبه الجزيرة العربية، مرورا بنجران، ثم الاتجاه شمالا إلى اليمامة، وصولا إلى دومة الجندل، وإلى الشرق نحو العراق، والغرب نحو الحجاز.
كما يعد الطريق الذي يمر بالدرعية أيضا مقصدا لقوافل الحجيج، للقادمين من بلاد فارس، والعراق وكذلك وسط آسيا، الذين كانوا يواصلون سيرهم عبر الدرعية إلى مكة المكرمة.
وزادت أهمية هذا الطريق التجاري، بعد تأسيس الدرعية على يد مانع المريدي الذي سعى هو وأبناؤه وأحفاده إلى تأمينه، وبتأسيس الإمام محمد بن سعود للدولة السعودية الأولى أصبح هذا الطريق من أبرز الطرق التي تمر بها قوافل التجارة والحج، نتيجة لسياسة الإمام الحكيمة التي أمنت هذا الطريق، وعملت على تعزيز العلاقات مع القبائل التي يمر من خلالها الطريق، والاتفاق معها على ضبط الأمن، وتقديم الخدمة اللازمة للمستفيدين منه.
وانعكس ذلك على المجتمع في حينها، وأصبحت الدرعية مقصدا للتجار، وطلاب العلم، ومع مرور الوقت ازداد عدد سكان الدرعية بشكل كبير، وتوسعت رقعة مساحتها، وأصبحت قبلة أرباب التجارة، وموئل الباحثين عن الرزق.
الدرعية ورؤية 2030
تشهد السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تطورا كبيرا على جميع الأصعدة، حيث أولى الدرعية اهتماما بارزا، فهو من أسهم في إعادة إحياء تاريخ الدرعية الذي يمتد لأكثر من ثلاثة عقود، من خلال إسهامه في جعلها إحدى أهم وجهات التعرف على التاريخ السعودي، والإرث الحقيقي الذي تتناقله الأجيال.
وفي منتصف عام 2017 أمر الملك سلمان بإنشاء هيئة تطوير بوابة الدرعية، وهي أحد أهم مخرجات ومنجزات رؤية المملكة 2030، لتصبح "بوابة الدرعية" ضمن أكبر مشاريع التراث والثقافة العالمية؛ ويعاضده في تلك الإنجازات المتنامية الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس مجلس إدارة هيئة تطوير بوابة الدرعية، لتكون الدرعية التاريخية واحدة من أهم الوجهات السياحية، والثقافية، وأماكن التجمع الإنساني في المنطقة، والعالم.
ويحقق مشروع بوابة الدرعية عديدا من تطلعات وأهداف رؤية المملكة 2030 الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، منها تعزيز وحماية التاريخ، والتراث السعودي الحضاري، وتطوير المواهب المحلية في مجال البحوث الأكاديمية، والتاريخية، والتراثية، وتعزيز قيمة الاعتزاز بالتاريخ، والتراث الوطني، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وتطوير المحتوى المحلي. يتصل الحديث بما تخطط له هيئة تطوير بوابة الدرعية من إنشاء عدد من المتاحف المتميزة، ومراكز الفعاليات، والمعارض التراثية والثقافية المتنوعة، وذلك سعيا لإبراز الدور الذي قدمته الدرعية في تطور المنطقة بأكملها استراتيجيا، واقتصاديا، إضافة إلى عدد من الأصول ذات الطابع التراثي التقليدي.
كما سيتم إنشاء فنادق عالمية، وأخرى صغيرة ذات طراز تاريخي، تدار من قبل علامات تجارية عالمية مرموقة في هذا المجال، لجذب الزوار لتجربة فريدة يعيشون من خلالها عراقة المدن القديمة وفقا لأفضل المعايير العالمية العصرية المتميزة.
وفي قلب الدرعية يقع حي الطريف الذي يعد أحد أهم أحياء الدرعية التاريخية، كما أنه أحد أهم مواقع التراث الوطني في المملكة، والمدرج على قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، وهو أيضا رمز فريد لتاريخ المملكة العريق، وتقاليدها الأصيلة.
تعزيز التجارة عالميا
شكلت السعودية على مدار تاريخها ثقلا سياسيا في المنطقة مستفيدة من موقعها الجغرافي المميز وحكمة قادتها حتى جعلت منها نقطة توازن إقليمي، وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط.
وتسعى السعودية من خلال رؤية المملكة 2030 إلى جعل المملكة مركزا لوجستيا عالميا، حيث أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، التي تهدف إلى ترسيخ مكانة المملكة مركزا لوجستيا عالميا يربط القارات الثلاث، والارتقاء بخدمات ووسائل النقل كافة، وتعزيز التكامل في منظومة الخدمات اللوجستية، وأنماط النقل الحديثة لدعم مسيرة التنمية الشاملة.
كما تعمل المملكة على استغلال الفرص الضخمة جدا، والاستفادة منها بشكل كبير، وأهم تلك الفرص موقع البحر الأحمر وما يتضمنه من موارد، حيث تمر من خلاله ما نسبته 13 في المائة من حركة التجارة العالمية.
وكان ولي العهد قد أشار في وقت سابق إلى أن هذه الاستراتيجية ستسهم في تعزيز القدرات البشرية، والفنية في قطاع النقل والخدمات اللوجستية، وستعزز ارتباط المملكة بالاقتصاد العالمي، وتمكن بلادنا من استثمار موقعها الجغرافي الذي يتوسط القارات الثلاث لتنويع اقتصادها.
وتستهدف الاستراتيجية الوصول إلى طاقة استيعابية تزيد على 40 مليون حاوية سنويا على صعيد النقل البحري، مع ما يعنيه ذلك من استثمارات واسعة في مجال تطوير البنى التحتية للموانئ وتعزيز تكاملها مع المناطق اللوجستية في المملكة، وكذلك توسيع ربطها بخطوط الملاحة الدولية.
ومنذ عام 2016 بلغ حجم التجارة السعودية مع دول العام نحو 8.4 تريليون ريال، وبمتوسط وصل إلى 1.4 تريليون ريال سنويا.