ثقافة وفنون

عبدالرحمن بن مساعد .. مهندس الدهشة يروي رحلة الـ 40 عاما

عبدالرحمن بن مساعد .. مهندس الدهشة يروي رحلة الـ 40 عاما

الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد

عبدالرحمن بن مساعد .. مهندس الدهشة يروي رحلة الـ 40 عاما

أمسية شعرية سابقة.

عبدالرحمن بن مساعد .. مهندس الدهشة يروي رحلة الـ 40 عاما

عبدالرحمن بن مساعد .. مهندس الدهشة يروي رحلة الـ 40 عاما

جانب من توقيع الديوان.

"كتابة الشعر عذاب جميل، أما قراءته فعذاب أجمل".. هكذا كان يقول الشاعر الراحل نزار قباني عن القصيدة، بعد أن اكتشف أن الشعر ما هو إلا وحش خرافي لم يره الناس، لكنهم رأوا آثار أقدامه على الأرض، وبصمات أصابعه على الدفاتر.. كل الذين كتبوا عن الشعر، كانوا يعرفون أنهم يطاردون حيوانا خرافيا لا يمسك به ولا يقهر. كما يولد السكر في التفاحة، تولدت موهبة الشعر لدى الأمير عبدالرحمن بن مساعد، الذي يصحبنا في دروس شعرية، قدمها عبر أكاديمية MBC، من خلال منصة "شاهد" للبث الرقمي، نغوص في معانيها، وخلاصة أفكارها، بعد أن وجدت أبياته مكانا في القلوب والأذهان.
فضيلة العرب
كتب العرب عشرات الآلاف من القصائد على مدى القرون الماضية، لم يخلد منها إلا قليل، لعوامل مختلفة ومشتركة، يكشف عن جوانبها الأمير عبدالرحمن بن مساعد "شبيه الريح"، ويروي بعضا من هذه العوامل التي خلدت قصائد وأبياتا عبر الأعوام والقرون.
الشعر تراكمات تاريخية وثقافية وحضارية ونفسية، وفي الدروس التي قدمها الأمير عبدالرحمن بن مساعد بعنوان "كيف تصبح شاعرا متميزا"، يروي عن نشأته التي شكلها تنقله بين الرياض وبيروت وباريس وغيرها من عواصم العالم، ونشأته أيضا في كنف والده، الذي كف بصره في سن متأخرة، وكان "شبيه الريح" يقرأ له، فكان عينا ومعينا، قرأ له الكتب الدينية، تفسير ابن كثير، التاج، دواوين المتنبي وغيرها من الدواوين والكتب، التي أكسبته مخزونا علميا ولغويا منذ الطفولة، وغيرت ذائقته الفنية والشعرية وارتقت بها، لدرجة أنه حينما كان طفلا في الثامنة من عمره كان يستمع لأم كلثوم، ويتلذذ بكلمات أغانيها.
الشاعر المختلف - في رأي الأمير - لا ينجذب إلى الأبيات التقليدية، فحسبما يروي في حلقاته الثماني القصيرة والممتعة "40 عاما قضيتها أكتب الشعر، عدد القصائد التي كتبتها لا يتوازى وهذه الأعوام الطويلة، والسبب أنني لا أكتب قصيدة إلا وأنا حريص كل الحرص على أن يكون فيها شيء مختلف ومدهش، وغير تقليدي".
المخزون اللغوي والسخرية
لا شك أن الشعر هو فضيلة العرب، والفضيلة هنا تعني أطهر ما لدى الإنسان وأشرف ما عنده، وفي دروس الأمير عبدالرحمن بن مساعد، يخبرنا بأنه يسهل استخدام المصطلحات التي تحتوي على حرف مد عملية الإلقاء والغناء والتلحين، فيما تعطي القوافي سمة خاصة للقصائد.
كما يجب على الشاعر أن تكون له شخصية تميزه، مهتما بالتفاصيل، يروي شبيه الريح "حينما بدأت أكتب شعري، كان هناك نموذجان للكتابة، الشاعر الأمير خالد الفيصل والشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن، أسلوبان متباعدان، كان الدافع لي هو أن أكون شاعرا مشهورا ومعروفا مثل هذين النموذجين المشرفين، في بداياتي قلدت دون أشعر قصائد البدر، مثل قصيدة تدرين وأدري بنفترق، كنت مقلدا بسبب المخزون الهائل الذي تركه الأمير بدر بداخلي، وبعد تجربة استطعت أن أجد لي خطا يتوافق مع ما أملك من أدوات تميزني عن غيري، مثل المخزون اللغوي الهائل، والسخرية العالية، الانتباه للتفاصيل، والقدرة على تجاوز المحلي إلى مناطق أوسع"، ليصل بنا إلى حقيقة أن التقليد هو خطوة تأخذ نحو طريق الابتكار.
وبالحديث عن التفاصيل، لعل ذلك مما كان يراه أيضا الشاعر الراحل نزار قباني في كتابه "الشعر قنديل أخضر"، وقال فيه: "إن الشاعر العربي هو صياد مصادفات من الطراز الأول، فهو ينتقل من وصف سيفه، إلى ثغر حبيبته، بخفة بهلوان، والشعر هندسة حروف وأصوات نعمر بها في نفوس الآخرين عالما يشابه عالمنا الداخلي، والشعراء مهندسون، لكل واحد منهم طريقته في بناء الحروف وتعميرها، فالحجر متوافر للجميع، لكن قلة من الموهوبين هي التي تعرف أين تضعه وكيف تضعه. الشعر هو همس الإنسان للإنسان، هذه هي حقيقة الشعر منذ هوميروس إلى فاليري، وأداة نقل راقية بين الهامس والمهموس له، أداة تصلنا بالآخرين وتوحدنا معهم".
غزارة المخزون اللغوي
وصفة مستمدة من حكاية قديمة، رواها الأمير عبدالرحمن بن مساعد، للدلالة على أهمية المخزون اللغوي والاطلاع الواسع للشاعر، فالحكاية تقول "إن شابا جاء لحكيم يسأله كيف يصبح شاعرا؟ فأجابه، احفظ عشرة آلاف بيت جيدا، ثم انسها، ثم اكتب"، في هذه الوصفة دلالة على أهمية الاطلاع على القصائد على اختلاف أشكالها وتصنيفاتها، وعلى غير المألوف قد يستفيد الشاعر من القصائد الرديئة، وأكثرها سوقية وفجاجة، لأن الأشياء بضدها تتمايز".
القرآن الكريم مصدر أساسي في تكوين الشاعر، وكلما زاد اطلاعك - على حد تعبير "شبيه الريح" - ستجد الناس وصلت إلى معان وأفكار جديدة، والتجديد هنا بات أصعب، فالقدرة التعبيرية تتطلب الاطلاع ومراقبة الإنتاج الفني، وأن يكون شغوفا ومطلعا على تجارب الآخرين.
ولا ينبغي أن يكون الشعر مجرد رسالة من رجل إلى امرأة، ولا يجب أن يكون مقصورا على الحب والعاطفة والفراق، بل يجب أن تعبر كشاعر عن كل شيء يحصل في حياة الناس.
وعلى نحو آخر، يرى ابن مساعد أن الشعر "المغنى" مختلف جذريا وكليا عن غيره، قد يتطلب من الشاعر تقديم بعض التنازلات، وأن يغير في قصيدته، واصفا البطل الأوحد والأبرز في الأغنية، هو المطرب.
الشاعر المتفرد
الشعر في الأساس موهبة، يجب على الشاعر في بداياته أن ينال اعترافا ممن يحيطون به، تتسع الدائرة شيئا فشيئا، وتزيد معها ثقة الشاعر وقدرته، ومدى اعتزازه بما يكتبه، ولا بد أن يكون متفردا، يطمح إلى القمة، وإن لم يكن لديك طموح فستراوح مكانك، وذلك لا يتعارض مع احترام أقدمية الرموز الموجودة في وقته، ولهم إسهامات أدبية مشهودة، وإنزال الناس منازلها.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، يعيدنا هذا المحور في حديث الأمير إلى ما كتبه أنيس منصور في كتابه "عاشوا في حياتي"، حينما دون "لو استبعد شاعر واحد كلمة (أنا) من قصائده، لم يكن شاعرا! فالشعر ترجمة ذاتية، كتبها عاشق لنفسه، يريدنا أن نصدقه، لكننا لا نصدقه، لكن عندما نصدقه أو لا نفعل ذلك فإننا نصفق له، فما أجمله كاذبا وما أروعه صادقا، وليس من الأدب ولا من الفن ولا من الشعر أن نقول له، قف من أنت".
كسر المسلمات سبيل للإبداع
في نصائحه ووصفاته السحرية، إن صح التعبير، يرى الأمير عبدالرحمن بن مساعد أن الفن هو كسر المسلمات، ومن يركن إلى المسلمات يعطل مصادر الإبداع، وذكر أمثلة من مسيرته ومشواره الطويل في عالم الشعر.
كان يؤكد في كل مرة أن الشاعر لا يجب أن يجبر نفسه على الكتابة، إن لم يكن راغبا في ذلك، وألا يتصنع تعبيرا يوافق ذوق الأغلبية، لأنه سيصبح مزيفا ومقلدا، كما يجب أن يبحث عن التعبير بطريقة مختلفة لم تطرق من قبل، فعلى سبيل المثال، الخصال الحميدة معروفة، لكن ما يميز الشاعر قدرته على إيجاد تعبيرات جديدة لوصفها. وحول الإلقاء، يقول الشاعر الأمير "إن الإلقاء المسرحي قد يجعل من قصيدة متوسطة قصيدة عظيمة، ولا يمكن للإلقاء العظيم بدوره أن يجعل من قصيدة تعيسة شيئا مهما"، متناولا الإلقاء ودوره في نقل إحساس الشاعر إلى القلوب.
كامل الشناوي، الشاعر الراحل رقيق المشاعر، كان يردد "الشعر إذا لم يهز قلبك وذهنك فهو ليس شعرا، ولا يكفي أن ينبض فيك الشعر الذي تقوله، بل يجب أن ينتقل نبضه إلى قلوب الآخرين".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون