سياسة صفر كوفيد تهدد مكانة هونج كونج بين مراكز المال العالمية
خارج الأبواب المغلقة لفندق لاندمارك ماندرين أورينتل في شارع كوين رود سنترال الصاخب والمزدحم، الذي يمر عبر وسط الحي التجاري في هونج كونج، يقف حارس وحيد يرتدي مشمعا بلاستيكيا وقفازات. التحذير من دخول فندق الخمس نجوم الذي كان يوما يعج بالنشاط – الآن سجن فخم شديد الحراسة – هو رمز لمدينة تحولت بفعل الجائحة والسياسة.
في الداخل يوجد ضيوف في 111 غرفة أسرى لسياسة الحجر الصحي القاسية لثلاثة أسابيع، التي حمت في الغالب هونج كونج من كوفيد - 19، لكنها انعكست سلبا على سمعتها باعتبارها واحدة من أكثر المراكز التجارية حيوية في العالم. يعد فندق لاندمارك واحدا من 44 فندقا مخصصة للحجر الصحي، تضم نحو 12500 غرفة في جميع أنحاء هونج كونج – كثير منها أقل فخامة – تمثل الآن فترة توقف طويلة ومحبطة لأي شخص يصل إلى هذا الإقليم.
تعتمد المراكز المالية العالمية على حرية تنقل الأشخاص والأفكار. لا يحدث أي من ذلك في الوقت الحالي، كما يقول أولئك الذين يعملون في الصناعات المالية والتجارة في المدينة. بدأت المدينة بالخروج من عام عانت فيه انخفاضا سكانيا قياسيا 1.2 في المائة، نحو 87 ألف شخص، وقد وصل عدد أقل من الأشخاص للحلول محلهم. ومع استمرار الحجر الصحي الطويل وحظر السفر في عديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة – تم إيقاف الرحلات الجوية إلى ما بعد العام الصيني الجديد في شباط (فبراير) على أقرب تقدير – من المرجح أن يشتد هذا النزوح.
أثارت جهود بكين للحد من بعض الحريات المدنية التي تتمتع بها هونج كونج وسط احتجاجات واسعة النطاق في 2019 تساؤلات حول دورها بوصفها مركزا ماليا.
يقول سايمون كارتليدج، وهو أكاديمي عاش في الإقليم لثلاثة عقود: "إذا لم تكن هونج كونج مرتبطة ببقية العالم، فإنها تفقد سبب وجودها. لكن بسبب السياسة، لا يمكن للحكومة حتى التفكير في نهج أكثر واقعية".
تعرب الشركات الآن عن مخاوفها بشأن صعوبة الاستمرار في العمل في مدينة كانت تفتخر في السابق بسهولة الوصول إليها.
يقول مسؤول تنفيذي بريطاني في صناعة الترفيه في المدينة، سيغادر مع عائلته في نهاية العام الدراسي في حزيران (يونيو): "لقد أحببت هونج كونج لـ28 عاما، لكن حان الوقت للرحيل. من المستحيل العمل في هونج كونج إذا كنت تعمل في آسيا، لأنه يمكنك المغادرة بسهولة كافية لكن لا يمكنك العودة. هناك أرواح شجاعة خضعت لحجرين صحيين أو ثلاثة، لكن ذلك لا يناسب رجال الأعمال".
يجادل بعضهم بأن هونج كونج – ظلت لعقود من الزمان نقطة انطلاق للشركات التي تمارس الأعمال التجارية في البر الصيني – يتم إعادة تشكيلها لتصبح مجرد مدينة صينية أخرى. أنهم قلقون من أن الجائحة، ونهج المدينة المتشدد تجاهها، قد عجل بهذه العملية. مع ذلك، يتحدث آخرون عن الوعد بالتحول إلى مركز مالي نموذجي جديد، مركز يستمر في الازدهار باعتباره بوابة إلى البر الرئيس للصين، لكن مع قليل جدا من القواسم المشتركة مع نظرائه في نيويورك أو لندن.
يقول رئيس القسم الآسيوي في صندوق أمريكي عالمي كبير يعتزم البقاء في هونج كونج: "يتحدث الناس عن ’موت هونج كونج كما نعرفها‘ (...) عندما يتغير أي أمر كبير، للأفضل أو للأسوأ، تموت النسخة القديمة".
كارثة الشركات
حتى المتفائلين على المدى الطويل بشأن هونج كونج يعترفون بوجود أسباب مباشرة للقلق.
تستعد الشركات العالمية التي واجهت انهيارا كبيرا في التوظيف من خارج هونج كونج، لموجة من الخروج هذا الصيف. يقول الرئيس المحلي لبنك عالمي في هونج كونج: "إنني قلق بشأن القدرة على الاستمرار في العمل. ليس من المغري لأي شخص يعمل في الخارج أن يأتي إلى هونج كونج".
يضيف: "إنني أدير شركة تضم عشرات الآلاف من الموظفين في المنطقة ولا يمكنني زيارة أي منهم ما لم أخضع نفسي لحجر صحي طويل. من الواضح أن من العسير إدارة المنطقة من المركز، بينما تغلق المدينة أبوابها أمام بقية العالم"، مشيرا إلى أن البنك يخسر العشرات من المغتربين والسكان المحليين الذين لديهم أسر في الخارج، مع استنزاف في المستويات العليا ضعف مثيله في عام عادي.
انخفضت اعتمادات التأشيرات للمهنيين الأجانب من أكثر من 40 ألفا في 2019 إلى ما يزيد قليلا عن عشرة آلاف في الأشهر التسعة الأولى من 2021، وفقا لبيانات حكومية.
حتى قبل أن تدفع المخاوف بشأن المتحور أوميكرون شديد القابلية للانتشار هونج كونج إلى إعادة التأكيد على استراتيجيتها الصفرية بخصوص كوفيد وتغلق المدارس وتطبق قيودا جديدة على التواصل الاجتماعي وتفرض حظرا على الطيران، حذر اتحاد صناعة الأوراق المالية والأسواق المالية في آسيا، وهو أكبر مجموعة ضغط مالية في آسيا، من أن نحو نصف البنوك الدولية الكبرى ومديري الأصول في المدينة يعتقدون أن ظروف العمل ستتردى خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
لقد زاد موسم المكافآت – الذي يمتد من الآن حتى نيسان (أبريل) – من القلق بشأن هجرة الأدمغة المحتملة في البنوك الدولية. يقول أحد المصرفيين: "كل الرهانات متوقفة لمعرفة عدد الأشخاص الذين سيغادرون بعد دفع المكافآت. إنها كارثة شركات إقليمية".
في بعض الحالات تظل الوظائف العليا في المؤسسات المالية شاغرة لستة أشهر أو أكثر، وفقا للباحثين عن الكفاءات – وهو موقف قال رايان جيليسبي، من شركة البحث بريستويك جروب: إنه "لم يسمع به من قبل". أضاف: "تقول الشركات إننا نفقد بعضا من أفضل موظفينا ولا يمكننا العثور على مواهب مشابهة للحلول محلهم".
يستشهد مؤيدو إجراءات الحجر الصحي الصارمة بانخفاض عدد حالات الوفاة في هونج كونج أثناء الجائحة: 213 حالة وفاة فقط بين سكان عددهم 7.5 مليون نسمة. لكن حتى بعض كبار المؤسسات السياسية في المدينة تعترف بأن ذلك قد تسبب في خسائر فادحة في عمل الشركات.
يقول جيفري لام، وهو مستشار لكاري لام، الرئيسة التنفيذية لهونج كونج ـ بحكم الأمر الواقع: "لا تزال هناك مواهب تأتي إلى هونج كونج. لكن (...) يبدو أن هناك عددا من الأشخاص يغادرون المدينة أكثر من ذي قبل".
يضيف: "لا أعتقد أن ذلك سيكون مشكلة طويلة الأمد. لا تزال هونج كونج مكانا جذابا للغاية، مع ضرائب منخفضة وبسيطة وبيئة أعمال مستقرة نسبيا مقارنة بالأماكن الأخرى. لكنني أعتقد أن الحكومة بحاجة إلى صياغة سياسات جديدة لجذب مزيد من المواهب".
ويشير آخرون إلى التحول المستمر في سوق الأوراق المالية، حيث تدفع السياسة الأمريكية الإدراجات الصينية بعيدا عن الأسواق الأمريكية، بينما تدفعها السياسة الصينية تجاه هونج كونج. يقول أحد مديري الصناديق المخضرمين: "كان مؤشر هانج سنج (في هونج كونج) يدور حول العقارات والبنوك. الآن هو لعبة سيولة تعتمد على الصين". يضيف: "قد يكون من الصعب التوظيف من الولايات المتحدة أو أوروبا، لكنني لا أعتقد أن أي مؤسسة مالية ستواجه أي صعوبة في توظيف أفضل المواهب من الصين القارية للحضور والعمل هنا. وهذا ما تدور حوله المراكز المالية – السيولة والموهبة".
استراتيجية "الصين أولا"
مكانة هونج كونج باعتبارها مركزا دوليا للأعمال والتمويل كانت في خطر قبل فترة طويلة من عزلتها عن بقية العالم بسبب استراتيجية صفر كوفيد الخاصة بها. فقد أدت اضطرابات سياسية شديدة في الأشهر التي سبقت الجائحة إلى تضخيم الجدل حول الطبيعة الكاملة لعلاقة المدينة بالصين وما تمثله للعالم الخارجي.
بعد أن سلمت بريطانيا هونج كونج إلى الصين في 1997، سمحت صيغة دنغ شياو بينغ "دولة واحدة ونظامان" للمدينة بالازدهار بوصفها بوابة لما سيصبح قريبا الاقتصاد الرئيس الأسرع نموا في العالم.
بني ظهور هونج كونج كمركز مالي على بوابتين مفتوحتين: واحدة تربطها بالصين والأخرى ببقية العالم. الثقة في عدالة أنظمتها القانونية والتدفق الحر للمعلومات يضعها على قدم المساواة مع لندن ونيويورك.
حتى الآن، يعتقد بعضهم أن المنطق القديم سيستمر وأن مستقبل هونج كونج تضمنه بكين. ويعتقد بعض آخر أن هذا فشل في فهم مدى تحرك الوضع السياسي. في عهد الرئيس شي جين بينج، قرر الحزب الشيوعي الصيني أنه لم يعد بإمكانه التسامح مع الحريات المدنية في هونج كونج وحركتها المؤيدة للديمقراطية. استخدمت بكين قانون الأمن القومي في حزيران (يونيو) في 2020 لسحق المعارضة السياسية في الإقليم.
عندما اندلعت الجائحة واختارت الصين عزل نفسها عن العالم، لم يكن أمام هونج كونج خيار سوى أن تحذو حذو ما أوضحه شي من أن "البلد الواحد" يتفوق على "النظامين". وهذا يشكل تحديا غير مسبوق للإقليم.
يقول أكاديمي صيني، يقدم المشورة للحكومة المركزية بشأن هونج كونج، طلب عدم ذكر اسمه، إن الوضع واضح: "كلما زادت الضوابط على التنقل بين هونج كونج وبقية العالم، أمكن أن يكون هناك عدد أقل من الضوابط بين هونج كونج والصين".
أعطت لام الأولوية لاستعادة السفر غير الخاضع للحجر الصحي مع الصين - تم إنفاذ إغلاق الحدود منذ أوائل 2020، وتعد سياحة البر الرئيس أمرا بالغ الأهمية لاقتصاد هونج كونج. إذا نجحت، فستكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ هونج كونج الذي يمتد على مدى 180 عاما التي تنفتح فيها على الصين ولكن ليس على العالم الخارجي.
عندها فقط ستتمكن إدارة لام من تجربة ضوابط أكثر مرونة على الوافدين الدوليين - كما فعلت سنغافورة مع "ممرات سفر المطعمين" الخالية من الحجر الصحي - لكن فقط إذا وافقت بكين.
تفشي كوفيد الأخير في كل من هونج كونج والصين يعني أن السفر دون الحجر الصحي بين البلدين معلق مرة أخرى.
ويقول كارتليدج: "يبدو أن فتح الحدود مع البر الرئيس لن يحدث في أي وقت قريب، ما يترك الانفتاح الدولي في طي النسيان". يضيف: "استراتيجية الحكومة للقضاء على كوفيد تسبب ألما حقيقيا.
يقول رئيس تنفيذي سابق لأحد أكبر البنوك في هونج كونج، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "سينتهي الأمر بمغادرة عدد كبير من الوافدين ووضع المديرين التنفيذيين من هونج كونج أو الصينيين في جميع المناصب الرئيسة. سيكون توطينا للوظائف، لا يمكنني رؤية أي طريقة للتغلب على ذلك".
معظم الشركات لديها ما يكفي من الموهوبين في هونج كونج والصين بحيث ينبغي ألا تكون هناك مشكلة، لكن بمرور الوقت ستفقد الشركات العالمية الاتصال بين الشركات في هونج كونج والمقر الرئيس في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر. يضيف: "لن تكون قيمة هونج كونج صفرا، لكنها ستكون مختلفة".
بالنسبة إلى أولئك المحتجزين في غرف فنادق هونج كونج، مع العد التنازلي لأيام الحرية، فإن أي تغيير سيكون موضع ترحيب.