Author

الابتكار النوعي لأسراب الطائرات بدون طيار

|

*أستاذ وباحث في الهندسة والأنظمة الابتكارية

في مقال سابق تطرقت بشكل سريع حول ابتكار الطائرات المسيرة "الدرون" وكيف يلعب الابتكار الرقمي والذكاء الاصطناعي الدور الكبير في تصنيعها وتطوير قدراتها وهو التحدي الكبير الآن بين الدول ومراكز الأبحاث، وكيف أصبحنا نرى هذه الطائرات بأحجام وأشكال مختلفة واستخدامات متعددة، خصوصا في المجال الدفاعي العسكري والأمني لتشمل المراقبة والاستطلاع والتتبع والتجسس إلى أن وصلت إلى الأعمال القتالية أو ما يسمى الحروب الجديدة أو الجيوش المسيرة التي لا يتدخل فيها العنصر البشري إطلاقا، وتطرقت إلى أن التحدي في ذلك سيكون من الناحية التصنيعية وإنتاجها بقدرات طيران عالية ومسافات بعيدة وكذلك بقدرة ودقة تصوير عالية وإمكانية تسليحها وإنتاجها بأحجام متناهية الصغر يصعب بذلك تعقبها أو رصدها والخروج بمنظومة متكاملة بأداء تكنولوجي مطور ومتقن ودقيق لهذه التقنية النوعية.
في وقتنا الحاضر أصبحت هذه الطائرات من دون طيار أصغر حجما وأقل تكلفة وأكثر صعوبة في اكتشافها بواسطة أجهزة الرصد الآلي "الرادارات"، كما تطورت بشكل كبير وبإمكانات مختلفة حيث يمكنها الوصول إلى أماكن بعيدة، وإصابة أهدافها بدقة كبيرة بل أصبح بإمكانها التحليق في مجموعات تضم أعدادا كبيرة جدا تصل إلى الآلاف، كما لو كانت أسرابا من الطيور، وقد رأى كثير منا على الأرجح استخدامها في كثير من المجالات بأشكال متعددة وألوان مختلفة أبهرت كثيرا من الناس والمهتمين بهذا المجال دوليا ومحليا، ولعلي في هذا المقال اليوم أعطي القارئ نبذة عن هذا الابتكار النوعي لأسراب الطائرات بدون طيار وكيفية عملها وكيف يتم الاتصال والتواصل فيما بينها.
حاليا تم ابتكار أسراب الطائرات بدون طيار على غرار ما هو موجود بالطبيعة على سبيل المثال أسراب النحل والطيور، وأصبح ابتكار هذا النوع يعد أحد أهم المجالات الواعدة في تطور تكنولوجيا الدفاع، وأصبحت الدول العظمى تعطيه أولوية قصوى، حيث صدر قبل عدة أشهر تقرير حول هذا الموضوع من لجنة الأمن القومي الأمريكية للذكاء الاصطناعي ويتضمن أن استخدام هذا النوع من التقنيات "الابتكارات النوعية"، خصوصا في العمليات الدفاعية بشتى أنواعها سيشكل ثورة تقنية تفوق التقنيات الأخرى، وأوصت اللجنة في تقريرها آنذاك بضرورة مضاعفة الاستثمار في البحث العلمي الخاص بهذا المجال، حيث يتوقع أن ترتفع قيمة الدعم في ذلك إلى نحو 32 مليار دولار بحلول عام 2026.
تعمل الطائرات بدون طيار "الدرون" عموما التي تطير لمسافات قريبة بواسطة أدوات تحكم مختلفة، عن طريق استخدام الموجات الراديوية، حيث تعمل هذه الأدوات على الاتصال بالطائرات وتسهيل قيادتها، أما النوع الآخر الذي يطير لمسافات بعيدة عن محطات التوجيه الأرضية فيتم التحكم بها بواسطة الأقمار الصناعية، ويتم تحديد مهام هذه الطائرات بإحداثيات محددة مسبقا وتقوم بتوجيه نفسها ذاتيا بواسطة نظامها الآلي، حيث يتم ربط وتكامل حساسات استشعارية مثل الكاميرات والرادارات كمنظومة واحدة على هذه الطائرات لتفادي التصادم فيما بينها، وتم تطوير هذا الابتكار بتدخل تقنيات الذكاء الاصطناعي وذلك بتطبيق بعض القواعد التي يمكنها التحكم في السرعة والمحافظة على الاتجاه وعدم التصادم والطيران بأعداد كبيرة، حيث تمكن الباحثون من التحكم بحركة هذه الطائرات العشوائية في البداية، وببرمجتها ذاتيا وبتطبيق هذه القواعد السابقة لإحكام التحكم فيما بينها، تستطيع مجموعة من هذه الطائرات أن تطير بالسرعة نفسها وبالاتجاه نفسه بجانب بعضها بعضا لتشكل سربا أو أسرابا بمجموعات ضخمة. وأصبحت الدول الكبرى كالصين وأمريكا وكندا وروسيا وبعض دول أوروبا كفرنسا وبريطانيا وهولندا تتنافس على تطوير هذه التكنولوجيا كقوة عسكرية دفاعية ضاربة وتعمل في الوقت نفسه على تطوير التقنيات اللازمة للتصدي لها إذا ما تم استخدامها في هذا المجال.
لذا فنحن بحاجة ضرورية إلى رفع مستوى الوعي والتركيز في الفرص النوعية التي يفرضها الواقع، خصوصا تلك التي تخص التطوير الدفاعي، ومن ذلك على سبيل المثال إدراج مقررات دراسية للابتكارات النوعية لمثل هذا النوع وغيره وفتح تخصصات ومسارات خاصة في معاهد التدريب الفنية والكليات التقنية، إضافة إلى التخصصات الدقيقة في الجامعات مع ضرورة وجود التكامل بين مراكز الأبحاث الوطنية والهيئات مثل هيئة تنمية البحث العلمي والابتكار والهيئة العامة للتطوير الدفاعي، ما يسرع الحصول على النتائج المأمولة في هذا المجال. كما أنه يمكن الاستفادة من برامج توطين الصناعات العسكرية التي تعد نقلة نوعية وجزءا من رؤية 2030، وذلك عن طريق إدخال مجال تصنيع طائرات الدرون والحرص على جلب أفضل الشركات العالمية في هذا المجال لتسريع توطين هذه الصناعات، كما أن صناعات الدرون دخلت في مجالات عديدة كالاستخدامات السياحية والطبية والطوارئ والإنقاذ ونقل الطرود البريدية وغيرها، لذلك فإن الاستثمار في هذا المجال سينشئ سوقا جديدة ويقلل الاعتماد على الشراء من الخارج كما أنه سيوجد فرصة وظيفية مرموقة لأبناء وبنات الوطن.

إنشرها