ثقافة وفنون

«إنكانتو» .. ترفيه ثقافي حقيقي أم مزيف؟

«إنكانتو» .. ترفيه ثقافي حقيقي أم مزيف؟

مشهد من الفيلم.

«إنكانتو» .. ترفيه ثقافي حقيقي أم مزيف؟

بوستر العدد.

عندما تزيح ديزني الستار عن فيلم جديد، نتهافت وكلنا شوق للاستمتاع بالألوان المبهجة والأحداث الاستثنائية التي تطرحها، ننظر بتمعن لأخذ أكبر كمية ممكنة من الجمال البصري، ندندن مع الترنيمات التي تتفرد ديزني بنوتاتها، ونغوص في تحليلات القصة، لنشرح لأطفالنا المغزى الحقيقي من ورائها. ولطالما اعتادت ديزني على تقديم أفلام هادفة للأطفال وماتعة للكبار.
اقتحام القصة
فور سماعي بصدور فيلم "إنكانتو" Encanto لملمت حماسي وتوجهت لمشاهدته، جلست أنتظر البداية إلى جانب ابنتي، علامات الفرح ظهرت على وجهي أكثر من الأطفال الموجودين في الصالة، إنها مشاعر الحنين الممزوج بالذكريات التي تأخذك من شبابك إلى طفولتك. ما إن بدأت موسيقى الفيلم، شعرت رويدا رويدا بأنني داخل منزل عائلة مادريجال التي تتألف من الشقيقتين لويزا، تؤدي صوتها جيسيكا دارو، وإيزابيلا، تؤدي صوتها ديان جيريرو، اللتين تتمتع الأولى منهما بقوة فائقة، والأخرى بالقدرة على جعل الزهور تتفتح. وهناك جولييت، تؤدي صوتها أنجي سيبيدا، التي يمكنها علاج الناس من خلال طبخها، وأختها بيبا، تؤدي صوتها كارولينا جيتان، التي يمكنها التحكم في الطقس.
الوضوح
يقدم فيلم الرسوم المتحركة "إنكانتو" Encanto من إنتاج شركة ديزني العملاقة، سردا لقصة عائلة من السكان الأصليين في كولومبيا، تحديدا من قبيلة "زينو" التي تعيش في مدينة ساحرة في الجبال. ويتمتع جميع أفراد العائلة - باستثناء طفل واحد - بقدرات فريدة. ولا تقتصر عائلة مادريجال في الفيلم على أفراد المنزل، بل تمتد القوة الخارقة إلى الأقارب، وهم دولوريس، تؤدي صوتها أداسا، التي لديها سمع محسن، وكاميلو، يؤدي صوته رينزي فيليز، الذي يمكنه تغيير شكله، وأنطونيو، يؤدي صوته رافي كابوت كونيرز، الذي يمكنه التحدث إلى الحيوانات، جميعهم تحت إمرة أبويلا، تؤدي صوتها ماريا سيسيليا بوتيرو، فهي تترأس عائلة مادريجال، وتحافظ على انضباط الجميع، سواء إلى الأفضل أو الأسوأ.
البطلة مختلفة
أما الشخصية المحورية للفيلم فهي الكولومبية ميرابيل مادريجال، البالغة من العمر 15 عاما، تؤدي صوتها ستيفاني بياتريز، فهي الوحيدة التي لا تتمتع بقوى خاصة، على الرغم من شخصيتها الغريبة والمتعاطفة.
ما بين الموهبة وعدمها
لم تتأخر ديزني في فيلمها الـ60 الذي تبلغ مدته 99 دقيقة في شرح أسباب حصول أفراد هذه العائلة على التميز السحري، فقديما وبسبب حرب العصابات في أمريكا الجنوبية تفقد الجدة ألما زوجها، لكنها تفلح في إنقاذ توأمها الثلاثي جوليت وبيبا وبرونو، وبسبب شجاعتها تمت مكافأتها بشمعة سحرية، تبعث في كل فرد منهم قوة سحرية يستغلها في مساعدة الآخرين، ويكبر الأولاد وتتزوج الفتاتان وتنجبان أطفالا، ليصبح لديهم جيل آخر من الموهوبين، ما عدا ميرابيل التي تحرم من الموهبة، كذلك الخال برونو الذي كانت قدرته الخارقة هي قراءة المستقبل، ما عده كثيرون في العائلة وخارجها مصدرا للتشاؤم والبحث عن المصائب، فاختفى.
الشبه بين «إنكانتو» و«كوكو»
بعد اكتشاف قصة الفيلم يعود شريط ذكرياتنا إلى فيلم "كوكو" الذي صدر 2017، ويتمحور حول صبي يبلغ من العمر 12 عاما يدعى ميجيل، لديه شغف كبير بالموسيقى، لكن عائلته تحظر عليه الغناء، لأنه السبب في هجر زوجها لها، حتى يأتي ميجيل الموهوب في الموسيقى ليصبح "الآخر" والشخص المنبوذ داخل عائلته مثل ميرابيل وبرونو.
التميز عن الآخرين
من هذه الفكرة يبرز مغزى الفيلم الذي يدور في فلك رفض الطفل من قبل من حوله بسبب اختلافه، فميرابيل كانت مختلفة بغياب موهبتها وميجيل كان مختلفا بموهبته الموسيقية، لكن الاختلاف ليس عيبا، بل على العكس يحاول الفيلم أن يقول للأطفال إن الاختلاف داخل المجتمع أمر طبيعي، وكل فرد لديه ما يميزه، خاصة المراهقين، فجميع الأهل يواجهون صعوبة في رسم شخصية المراهق، إذ إن أغلب المراهقين يمرون بفترة معاناة عندما يعدون أنفسهم غير متميزين في أي مجال، الأمر الذي يودي بهم في بعض الأحيان إلى الانعزال أو إلى اتخاذ خيارات خاطئة. هنا يأتي دور الفيلم لمساعدة المراهقين على رؤية حقيقتهم والاقتناع بها وتقبل اختلافهم عن بعضهم بعضا.
ديزني ورسائلها الهادفة
لقد اعتدنا على مساهمة ديزني في تشكيل وعي الأطفال، بدءا من قصص الأميرات التي رسخت لأعوام أفكارا حول هشاشة المرأة، والأمير المنقذ، وصولا إلى قضايا الانفتاح على الآخر، كذلك بدءا من شخصيات بوكاهنتوس وسنووايت وسندريلا، وصولا إلى موانا، مرورا بفروزن وإيلسا ورابونزيل ومولان، جميعهن تميزن بشيء مختلف وحصدن شعبية واسعة، وفي كل مرة كانت ديزني قبل أن يخفت وهجها تبتكر مغزى وتوجها جديدا في شخصية جديدة، فتأسر القلوب مجددا وتضيف رصيدا جماهيريا يعشق ابتكاراتها كافة، والتغيير الأكثر وضوحا بين أفلام ديزني الحديثة هو لون بشرة أبطالها، فبعد قرن تقريبا من الأبطال بيض البشرة أصبح لدينا أبطال من أصول مختلفة، إفريقية وكولومبية وغيرها.
نجاح الأداء الصوتي
النجاح لا يتحقق إلا باكتمال الحلقة التي يشكل الممثلون الذين يقدمون الأصوات ركنا أساسيا فيها، حيث طغت بياتريس في دور ميرابل بسحر صوتها المراهق على المشاهد، كذلك تمكن ليجويزامو في دور برونو من تحقيق التوازن بين الفكاهة والاستياء الشديد لشخص يعاني لأعوام من الأذى العميق والعار، كما تحصل كل من دارو وجويريرو في دوري لويزا وإيزابيلا على فرصتيهما للتألق أثناء الأغاني المنفردة، التي جاءت من إبداع لي مانويل ميريندا الملحن والشاعر الغنائي، الذي تميز في أعمال مسرح برودواي، تحديدا في "هاميلتون" و"إن ذا هايتس"، وكذلك في فيلمي "فيفو" و"موانا".
إبداع بصري
أما من الناحية الإخراجية فيعد فيلم "إنكانتو" لوحة فنية رائعة ومبهجة، تتمايل عناصرها بحسب الموسيقى التي تنبض فرحا، فكأنها تخرج من الشاشة لتعانق إحساس المشاهد، خاصة في الاستعراضات التي حصلت، ويمزج الفيلم بسهولة بين المشاعر المؤثرة والفكاهة بطريقة تبدو سلسة، وهذا ليس غريبا على مخرجيه بايرون هووارد وجاريد بوش، اللذين أخرجا سابقا فيلم زووتوبيا، الذي ربح جائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أنيميشن لـ2017.
الجدير بالذكر أنه من أجل إخراج الفيلم بهذا الشكل المبهر، مكث القائمون عليه مع ممثلين من قبيلة زينو، لسرد قصة حقيقية، في حين إن ديزني لم تقم بهذا الأمر سابقا أثناء إنتاجها أفلام الرسوم المتحركة، ما دفع كثيرا من النقاد الفنيين إلى اتهام عملاق الرسوم المتحركة بتمثيل الثقافات الأخرى بشكل غير مناسب، بل نمت بعض الأفلام عن عنصرية، بحسب رأي هؤلاء النقاد.
ويبقى سؤال يطرح نفسه، هل يمثل فيلم إنكانتو، كإخوانه من إنتاجات ديزني، رواية غير حقيقية عن السكان الأصليين لكولومبيا، وهل جل ما يهم عمالقة الفن السابع هو الإيرادات، حتى لو كان ذلك على حساب تقديم ترفيه ثقافي مزيف وغير حقيقي؟
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون