Author

أسعار الغذاء العالمية تواصل ارتفاعاتها

|

بدأ استخدام مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لأسعار الغذاء منذ ربع قرن. ويعكس المؤشر العام ومكوناته تقلبات أسعار الغذاء العالمية، ويدخل في تكوينه أهم 24 سلعة زراعية متبادلة بين الدول كالقمح والأرز والسكر ولحوم الأبقار والدجاج. ويتم تبويب سلع المؤشر في خمس مجموعات رئيسة للحبوب، والزيوت النباتية، ومنتجات الألبان، والسكر، واللحوم. تحدد أوزان السلع والمجموعات على أساس التبادلات التجارية العالمية. وشهدت تبادلات الغذاء العالمية خلال الـ25 عاما الماضية الكثير من التقلبات السعرية والتغيرات وارتفعت أحجامها بمستويات تفوق نمو سكان العالم. وعلى الرغم من النمو الكبير في إنتاج السلع الزراعية خلال ربع القرن الماضي إلا أن أسعار الأغذية المتبادلة بين دول العالم ارتفعت.
شهدت أسعار الغذاء العالمية صعودا شبه متواصل منذ بداية أزمة كورونا. وتشير أحدث بيانات منظمة الأغذية والزراعة العالمية إلى ارتفاع المؤشر العام لأسعار الغذاء - على أساس سنوي - بنسبة 27.3 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 مقارنة بمستواه في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020. أما شهريا فقد ارتفع المؤشر العام بنسبة 1.2 في المائة مقارنة بمستواه في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهو رابع ارتفاع شهري متوال. وقد وصل المؤشر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 إلى 134.4، وهو أعلى مستوى له منذ حزيران (يونيو) 2011. وجاء ارتفاع أسعار الغذاء العالمية لارتفاع أسعار مكوناته التي تأثرت بعوامل متعددة كونية ومحلية في الدول الرئيسة المنتجة للغذاء.
ارتفع مؤشر أسعار مجموعة الحبوب في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 إلى 141.5 نقطة مسجلا زيادة سنوية نسبتها 32.2 في المائة، وشهرية نسبتها 3.1 في المائة. وجاءت الزيادة نتيجة للتحسن القوي في الطلب العالمي على القمح مع تعرض المعروض منه لبعض الضغوطات، ما رفع أسعار القمح للشهر الخامس على التوالي. ومن بين الحبوب، واصلت أسعار الشعير ارتفاعها مع تراجع المحاصيل وتأثيرات ارتفاع أسعار القمح. في المقابل استقرت أسعار الأرز الشهر الماضي لتوافر المحاصيل في الدول الرئيسة المنتجة. أما بالنسبة لمؤشر أسعار مجموعة الزيوت النباتية فقد تراجع خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بنسبة ضئيلة مقدارها 0.2 في المائة بعد تسجيله مستوا قياسيا في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وصل حينذاك إلى 184.8. وأسهمت الزيادات القوية في أسعار هذه المجموعة بقوة في رفع مؤشر الغذاء العالمي. وقفز مؤشر أسعار المجموعة على أساس سنوي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 بنسبة 51.4 في المائة مقارنة بمستواه في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020.
ارتفع مؤشر مجموعة منتجات الألبان في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 بنسبة 19.1 في المائة على أساس سنوي ، وبنسبة 3.4 في المائة على أساس شهري. وقد واصلت أسعار مساحيق الحليب والزبدة ارتفاعها الشهر الماضي للشهر الثالث على التوالي بسبب تراجع مخزوناتها والضغوط على المعروض منها والناتج عن انخفاض إمدادات الحليب في الدول الأوروبية. في المقابل شهدت مجموعة اللحوم تراجعا محدودا في أسعارها خلال الشهر الماضي مقارنة بتشرين الأول (أكتوبر) الماضي وبنسبة 0.9 في المائة. أما على الأساس السنوي فقد ارتفع مؤشر مجموعة اللحوم بنسبة 17.6 في المائة مقارنة بمستواه في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020. واستقرت أسعار لحوم الأبقار والدجاج الشهر الماضي مقارنة بالشهر السابق، بينما تراجعت باقي أسعار اللحوم. أما مؤشر مجموعة السكر فقد ارتفع بنسبة 1.6 في المائة الشهر الماضي على أساس شهري ولكنه صعد سنويا بنسبة 37.9 في المائة.
تأثرت أسعار الغذاء العالمية مثلها مثل باقي السلع والمنتجات بأزمة كورونا وآثارها في الاقتصاد العالمي. وتأتي معضلات سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف الشحن وعجوزات العمالة الزراعية وعمالة النقل كأبرز السلبيات التي تسببت بها أو فاقمتها أزمة كورونا. وتمثل تكاليف الشحن جزءا لا يستهان به من قيم المواد الغذائية نظرا لأوزانها المرتفعة مقارنة بأسعارها، كما قد تعرقل إجراءات السلامة والحماية من الجائحة تنقل السلع الزراعية وسفر العمالة ما ضغط على الإنتاج وفاقم فاقد المنتجات الزراعية. إضافة إلى ذلك تأثرت إمدادات الغذاء بالتغيرات المناخية والتقلبات الجوية، فمحصول البرازيل (أكبر منتج) من السكر تراجع نتيجة للطقس البارد الذي أصاب مناطق إنتاجه. وكان لارتفاع تكاليف الطاقة دورا محوريا في الضغط على جانبي عرض وطلب السلع الزراعية، حيث زادت تكاليف إنتاج المحاصيل الزراعية لكون الطاقة أحد مدخلات الإنتاج المهمة، كما حفزت زيادة أسعار الطاقة الطلب على بعض المنتجات الزراعية الرئيسة. ومن المعروف أن زياد أسعار الطاقة ترفع الطلب على منتجات الوقود الحيوي المنتج من بعض المحاصيل الزراعية كالذرة والسكر. إضافة إلى ذلك أسهمت سياسات التحفيز الاقتصادي وعودة النشاط الاقتصادي العالمي إلى مستويات قريبة من مستويات ما قبل الجائحة بدعم الطلب على السلع الزراعية ومنتجاتها.
تولي الدول والمجتمعات حساسية بالغة لإمدادات وأسعار الغذاء، لأهميتها القصوى للحياة الإنسانية ولتأثيراتها القوية في رفاهية الشعوب، ومستويات الفقر، والسلام الاجتماعي. ويشكل الإنفاق على الأغذية جزءا كبيرا من ميزانية الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة. ويخفض ارتفاع أسعار الغذاء الدخول الحقيقية للفقراء ورفاهيتهم بدرجات تفوق كثيرا الشرائح السكانية الأخرى، ما يعمق العوز والفقر في المجتمعات وقد يهدد السلام الاجتماعي. لهذا تسعى معظم دول العالم لتوفير الدعم المناسب - من خلال شبكات الحماية الاجتماعية - للشرائح السكانية المحتاجة عند مواجهتها زيادات أسعار غذاء حادة.

إنشرها