Author

التعامل مع من لا يستحق الوظيفة

|
نستسهل أحيانا أن نقول، "فلان لا يستحق هذه الوظيفة"، وقد تصدر هذه العبارة من المدير المسؤول عن "فلان" هذا، أو من أحد مرؤوسيه، أو من أحد زملائه، وأحيانا من عميل، أو حتى شخص لا تربطه علاقة عملية مع هذا الشخص. يرى مصدر هذا الحكم أن مسبباته واضحة وجلية، ولديه من التجربة أو من الأدلة ما يجعله يخرج بمثل هذا الحكم القاسي. إلا أن مثل هذا الحكم الكبير يجب صدوره من شخص يملك حق وآلية التقييم، ولا يعلن، ولا يذكر إلا بأسلوب وطريقة مناسبة له.
بكل تأكيد، لا يمكن أن يكون التعميم هنا أمرا عادلا، فالظروف تختلف من شخص إلى آخر، ومن منظمة إلى أخرى، ومن موقع مصدر الحكم ذاته. من يرى أن من لا يستحقون الوظيفة كثر وموجودون في كل مكان، يرفع من احتمالية أن يكون أحدهم. كلما سمعنا من يحكم على الآخرين بذلك، ازدادت احتمالية أن يقال عنا الشيء نفسه. ولكن، لماذا نسمع مثل هذه العبارات؟ قد تكون مجرد ردة فعل على تجربة تعامل سيئة، امتعاض من حالة نعتقد أنها تستحق التغيير ولا نملك أدواته، وربما تمثل تقييما حقيقيا ولكن بطريقة غير مناسبة. وقد تكون مشاعر سلبية تصل إلى مستوى الكره والحسد. على الأرجح، إن كان من يصدر هذا الحكم يملك حق إصداره، فلن تسمعه في أي سياق عادي، لأنه سيتواصل به مع صاحب الشأن في الوقت المناسب بالطريقة المناسبة.
لو نظرنا إلى ظروف ومستوى المواءمة بين الوظائف ومن يشغلها، لوجدنا كثيرا من حالات النشاز الطبيعية وغير الطبيعية. ومع ذلك، لا يحق لنا أن نقول، إن "فلانا" من الناس لا يستحق هذه الوظيفة، لأن المواءمة التامة والمثالية لا تحصل إلا في بيئة مثالية. وحالات عدم المواءمة هذه لها كثير من المسببات الشرعية وغير الشرعية. على سبيل المثال، قد تكون "الواسطة" والمحسوبية، أحد أول الأسباب التي تطرأ عند الحديث عمن يستحق أو لا يستحق وظيفة أو منصبا ما، إلا أن ندرة أصحاب المهارات تصنع سببا آخر مهما. وقد تكون الترقيات السريعة سببا لوجود من نراه لا يستحق، ولكنها قد تكون الطريقة الوحيدة للمحافظة على من يملك المعرفة المؤسسية. عقدة الخواجة قد تعد مبررا واضحا يستخدمه من يرى أن أحدهم لا يستحق الوظيفة، ولكن توظيف الأجانب أحد الطرق القليلة - أحيانا - لنقل المعرفة الخاصة والنوعية.
من العدل أن يتم توصيف درجة مواءمة الكفاءة مع الوظيفة بعقلانية غير متحيزة، لماذا؟ لأن إطلاق الأحكام يثبت تحيزات أخرى تؤثر في جودة تصرفاتنا وتصرفات من يسمعها، ناهيك عن أن إطلاق الأحكام الجزافية في الموقف الخاطئ ظلم مباشر وتجاوز صريح. ولأن معالجة هذه الحالات لا يكون بإطلاق الأحكام، إنما بمواجهة هذه الحالات ومعالجتها. على سبيل المثال، المدير الذي يجد نفسه يرأس موظفا يعاني عدم المواءمة، عليه معالجة هذا التحدي قبل أن يتحدث عنه. والمستفيد الذي يعاني تسلط موظف جاهل أو شخص يعتقد بأنه ليس أهلا لهذا المنصب، يجب عليه أن يستخدم الطريقة النظامية للفت الانتباه والحصول على حقه، وليس بمهاجمة فلان في الخفاء أو في العلن.
المؤكد أن ظروف سوق العمل في منطقة المهارات المرتفعة تحتم وجود عدد لا يستهان به من حالات عدم المواءمة بين الكفاءات المطلوبة والمتوافرة. ناهيك عن تأثير التنقل الوظيفي الذي يزيد من هذه الحالات. لذا، يتحمل المديرون المسؤولية مضاعفة هنا، وعليهم تجنب إصدار الأحكام أولا، ثم معالجة الحالات التي يواجهونها بالتركيز الكافي، وهذا يشمل التقييم الجيد والدقيق للموظفين، ويشمل عمليات تجسير المعرفة والمهارات بسرعة وتركيز، والتطوير المهني والوظيفي بكل تفاصيله. وقبل ذلك، إجادة الحديث عن هذا الأمر بالطريقة المناسبة. المدير الذي يتطرف في تقديره لهذا الأمر، يزيد الأمر سوءا. هناك - مثلا - من يبالغ في الحديث عن التحدي الذي يواجهه موظفه، وهناك من ينكر التحدي بالكامل، بل يبالغ في مدح موظفه بمختلف الطرق. وهناك من يتحدث عن التحدي مع الجميع باستثناء صاحب الشأن نفسه، ومثل هذا قد يدمر الحالة التي بين يديه بالمبالغة في الذم أو المديح، بينما دوره يستوجب عليه أن يحقق التوازن الذي يسد الفراغ. واجبه أن يحول من يظن الآخرون أنه لا يستحق الوظيفة، نجما يصنع في ظروف استثنائية، وليس كيانا تنفى عنه صفة الاستحقاقية.
إنشرها