رغم اضطراب الأسواق .. ثلث أدوات الدين السعودية الدولية تحقق مكاسب رأسمالية تصل إلى 32.2 %

رغم اضطراب الأسواق .. ثلث أدوات الدين السعودية الدولية تحقق مكاسب رأسمالية تصل إلى 32.2 %

دفع إقبال المستثمرين المؤسسيين الدوليين على أدوات الدين السيادية للحكومة السعودية، 30 في المائة منها لتداول فوق 115 سنتا للدولار أوائل كانون الأول (ديسمبر) الجاري، محققه مكاسب رأسمالية في نطاق 15.2 في المائة إلى 32.2 في المائة مقارنة بقيمتها الاسمية.
وبحسب رصد وحدة التقارير في "الاقتصادية"، فإن ذلك الأداء القوي جاء على الرغم من اضطراب أسواق الدخل الثابت العالمية بسبب سلالة كورونا المتحورة المعروفة بـ"أوميكرون".
وحقق استحقاق 2050 لسندات المملكة مكاسب رأسمالية بنحو الثلث، حيث بلغت 32.2 في المائة خلال التداولات الدولية عليه.
وتلقت بعض سندات السعودية ذات أجل 30 عاما و40 عاما طلبات استثنائية في السوق الثانوية في الأيام الماضية، وذلك بسبب عائدها المرتفع ما بين 4.5 في المائة و 5.25 في المائة، الأمر الذي يجعلها مطلبا لصناديق التحوط وشركات التأمين العالمية.
وأسهم ارتفاع متوسط أسعار النفط وتحسن مؤشرات نمو الاقتصاد السعودي بدفع 87.5 في المائة من إصدارات الدين الدولارية للتداول فوق قيمتها الاسمية.
في حين أن ثلاثة من الإصدارات الدولارية تتداول دون قيمتها الاسمية من بين 24 إصدارا قائما. وتصنف السعودية من ضمن الأصول الآمنة في الأسواق الناشئة وهي ذات جدارة ائتمانية عالية وذلك وفقا لدرجة تصنيفها الائتماني. ويبلغ تعداد أدوات الدين الدولارية لحكومة المملكة 24 سندات وصكوكا.

قيود جديدة

ويستبعد مستثمرو أدوات الدخل الثابت أن تقوم دول الخليج بفرض قيود جديدة لمواجهة "أوميكرون" في المستقبل، لذلك كانت سندات دول الخليج أقل عرضة للضغوط البيعية مقارنة بنظيراتها بدول آسيا.
والسبب يعود لكون المنطقة الخليجية طعمت معظم شعوبها ولن تعود لإغلاق اقتصاداتها مقارنة بالدول الآسيوية التي يرجح لها أن تقوم بفرض قواعد صحية جديدة بما في ذلك الإغلاق، في مواجهة ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا.

تفاؤل بأرقام الميزانية

ينتظر مستثمرو الدخل الثابت، الذين لديهم انكشاف على الديون السعودية الدولية، أن تحمل الميزانية أنباء إيجابية تتعلق بتقليص السعودية للعجز مع انخفاض مقياس نسبة الدين إلى الناتج المحلي.
ويسعر المستثمرون نجاح الرياض في تعاملها مع الجائحة عبر تمكنها من احتوائها ومن ثم معاودة النمو التدريجي لاقتصادها، فضلا عن انعكاس أثر ارتفاع متوسط أسعار النفط على أدوات الدين المدرجة.
وينتظر أن تكشف أرقام الميزانية في كانون الأول (ديسمبر) انضباطا واضحا في أوضاع المالية العامة، وهذا الأمر مهم لحملة الديون السيادية وكذلك لشركات التصنيف الائتماني.
وتلقت أدوات الدين السعودية دعما واضحا بالسوق الثانوية فور قرار تحالف "أوبك+" بشأن إبقاء سياسة رفع إنتاج النفط دون تغيير خلال الشهر المقبل وهو الأمر الذي سينعكس إيجابيا على المملكة.
وقرر تحالف "أوبك +" تأكيد خطط زيادة إنتاج النفط بمقدار 400 ألف برميل يوميا في كانون الثاني (يناير) المقبل، وهي سياسة الإمدادات نفسها المعلنة سابقا.

تقييم الأداء

وحول أداء أدوات الدين ذات الآجال الطويلة، زادت السندات الدولارية السعودية المستحقة في 2049 نحو 2.5 سنت ليجري تداولها عند مستويات 127.2 سنت للدولار، أوائل كانون الأول (ديسمبر) الجاري.
وصعد استحقاق 2060 للحكومة السعودية بواقع 1.3 سنت ليجري تداولها عند مستويات 123 سنتا للدولار عن الفترة نفسها. ولقيت الأوراق المالية للسعودية دعما بمشتريات المستثمرين الأوروبيين ونظرائهم من الولايات المتحدة وكذلك الآسيويين.
وشهد أداء آجال الاستحقاق الأطول للسعودية، وهي من بين الأعلى ائتمانيا في المنطقة، تميزا خلال التعاملات الأوروبية لدى بورصة لندن، وهي المنصة التي أدرجت فيها تلك الأدوات.
وارتفع إصدار 2047 بما يزيد على 0.9 سنت إلى مستويات 120.5 سنت للدولار، عن الفترة ذاتها.
واستند رصد "الاقتصادية" إلى بيانات تسعير أدوات الدين بالسوق الثانوية المتوافرة عبر منصة "سي بوندز" للبيانات المالية التي يستعين العاملون في أسواق الدخل الثابت بمنصتها من أجل تتبع حركة مؤشرات أسواق الائتمان العالمية وكذلك منصة "آي إتش إس ماركيت" للخدمات المالية.
ويحل في 2022 أجل استحقاق يقدر بـ18.1 مليار ريال لسداد أصل الديون الدولية، منها استحقاق نيسان (أبريل) الذي بموجبه سيتم سداد رأس المال والأرباح المتبقية لصكوك دولارية خمسية (بعائد 2.89 في المائة) تم إصدارها بقيمة 4.5 مليار دولار (تعادل 16.8 مليار ريال).
واستند رصد "الاقتصادية" الخاص بمواعيد آجال الاستحقاق إلى البيانات التي حصلت عليها من منصة "فاكتست" للخدمات المالية.
و"فاكتست" واحدة من أشهر منصات التحليلات المالية التي يستعين بها المجتمع الاستثماري العالمي من أجل تقييم الأوراق المالية وبناء القرار الاستثماري.

إدارة الصناديق ومؤشرات قياس الأداء

ومعلوم أن المستثمرين في سوق السندات والصكوك وكذلك شركات إدارة الأصول يستعينون بما يعرف بـ"مؤشرات قياس الأداء" من أجل مقارنة أداء تلك الأدوات الاستثمارية وفقا لمنطقة جغرافية محددة أو قطاع معين.
ومن المتعارف عليه مع شركات إدارات الأصول، فإن هناك مؤشر قياس لكل فئة من الأصول الاستثمارية، وذلك لكي يقيس مدير الصندوق الأداء السنوي للصندوق مع مؤشر القياس الذي يسترشد به، حيث يتم الطلب من مديري الأصول الذين يتولون إدارة صناديق الدخل الثابت أن يحققوا عائدا قريبا من المؤشر الذي يتبعونه.
والغاية من ذلك تكمن في مساعدة المستثمر بتلك الصناديق على قياس أرباح أو خسائر الصندوق وفقا لمؤشر قياس يعتد به. ويعد مؤشر بلومبيرج باركليز أحد المزودين الثلاثة الرئيسين لمؤشرات السندات في العالم وتتبع أداءه صناديق السندات العالمية.
وكان مؤشر بلومبيرج باركليز من أوائل المؤشرات العالمية التي أدرجت سندات وصكوك الحكومة السعودية ضمن مؤشراته.

أهمية مؤشرات قياس الأداء

وانضمت السعودية في نهاية أيلول (سبتمبر) من 2019 لمؤشرات جي بي مورجان لسندات الأسواق الناشئة التي كان انضمامها لها تدريجيا على مدى تسعة أشهر في 2019.
وبذلك أصبحت الديون السيادية للمملكة (المقومة بالعملات الصعبة) جزءا لا يتجزأ من محافظ شركات إدارة الأصول العالمية (سواء الخاملة منها أو النشطة).
وأهم تلك المؤشرات، مؤشر سندات الأسواق الناشئة العالمي المتنوع EMBI GD الذي تندرج تحته أدوات دين بقيمة اسمية تصل لأكثر من 300.2 مليار دولار الذي يصل فيه وزن أدوات الدين السعودية لى 3.30 في المائة وتحتل فيه المملكة المرتبة الخامسة من بين 72 دولة من الأسواق الصاعدة.
وبحسب البيانات غير المحدثة في أوائل 2019، تصل حصة أدوات الدين السيادية للمملكة ما بين 3.30 في المائة إلى 8.66 في المائة من إجمالي أوزان الدول الأخرى التي بتلك المؤشرات. في حين تصل حصة منطقة الخليج في مؤشرات السندات الأربعة، وفقا لحسابات الصحيفة، ما بين 13.88 في المائة إلى 17.94 في المائة.
ويتضح من الوثيقة الثقل الواضح للسعودية في مؤشرات الأسواق الناشئة لأدوات الدخل الثابت، حيث تصدرت السعودية ما بين رابع إلى خامس أضخم جهة إصدار تم تضمين أدوات الدين الصادرة منها ضمن المؤشرات الأربعة التي تتبع أدوات الدخل الثابت القادمة من الأسواق الصاعدة. لتأتي بعدها روسيا في بعض الحالات. وتتصدر المراتب الثلاثة الأولى المكسيك والصين و إندونيسيا.
ومن المرجح أن تكون أوزان أدوات الدين للسعودية والخليج أعلى من تلك الأرقام وذلك لكون دول المنطقة إضافة إلى الشركات الحكومية المؤهلة للانضمام لتلك المؤشرات قد أصدرت أدوات دين جديدة منذ أوائل 2019.

الانضمام لم يكن سهلا

ودائما ما عانت أدوات الدخل الثابت من عدم حصولها على التقدير اللازم، كأصول متميزة عن غيرها من الأسواق الصاعدة. ونتج عن ذلك عدم تواجد نوعية الأصول تلك بمعظم محافظ شركات إدارة الأصول المتخصصة في الاستثمار بالأسواق الناشئة، إلا أن الأمر برمته بدأ بالتغير تدريجيا مع نهاية كانون الثاني (يناير) 2019 عندما شرعت مؤشرات جي بي مورجان بإضافة الديون الخليجية إلى مؤشراتها الرئيسة التي تتبع أداءها الصناديق المتخصصة بأدوات الدخل الثابت.
لكن عملية الانضمام لهذا المؤشر تأخرت بشكل كبير. وكان ذلك بسبب وجود معيار صارم يفيد أن دول الخليج تقع في مرتبة عالية جدا على مؤشر البنك الدولي لتصنيف الدخول المرتفعة تتجاوز المعايير العادية التي تؤهل للإدراج في مؤشر الأسواق الناشئة (وهو أن يكون دخل الفرد أقل من 20 ألف دولار). فدخل الفرد في الإمارات يصل إلى 40 ألف دولار مقارنة بـعشرة آلاف دولار بالبرازيل.
بيد أنه تم إيجاد منهجية أخرى تسمح لدول الخليج أن تكون ضمن تصنيف الأسواق الناشئة، مثل "نسب تعادل القوة الشرائية" التي يستخدمها صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للمقارنة بين ثروات مختلف الدول.
وهذا المؤشر يمكن استخدامه في بعض الأحيان لمقارنة مستويات المعيشة بين بلدين أو أكثر. وهذا المعيار يستخدم أيضا لقياس تكلفة شراء سلة سلع مماثلة لعملات دول أخرى بالأسواق الناشئة.
وبالنسبة للصكوك، فإن الأنظمة الداخلية للمؤشرات تسمح باختيار الصكوك الصادرة من جهات الإصدار المؤهلة، وذلك شريطة أن تكون الصكوك حاصلة على تصنيف ائتماني من إحدى وكالات التصنيف الائتماني العالمية وتاريخيا تمت إضافة الصكوك للمؤشر منذ أواخر 2016.

ماهية تسعير أدوات الدين

يتم تسعير معظم أدوات الدين السيادية عبر الاستعانة بمؤشر قياس وهو عوائد سندات الخزينة الأمريكية. حيث تدخل عوائد تلك السندات مع المنظومة التسعيرية لأدوات الدين السيادية.
وعندما تبدأ عملية بناء الأوامر الخاصة بالإصدار، يلتفت المستثمرون إلى عاملين، أولهما هوامش الائتمان spreads الخاصة بجهة الإصدار، وثانيهما معدلات مؤشر القياس وذلك وفقا لآجال الاستحقاق المستهدفة.
وعندما يتم دمج هذه الأرقام - أي "هوامش الائتمان" مع "مؤشر القياس" - يتم الحصول على العائد النهائي المعروف بـ(yield) وذلك عندما يغلق الإصدار. مع العلم أن هوامش الائتمان تمر بثلاث جولات للأسعار الاسترشادية قبل أن يتم تقليص تلك الأرقام مع كل جولة وذلك بحسب حجم إقبال المستثمرين على الإصدار.

تعزيز كفاءات إدارات الخزينة

مع انضمام مصدرين خليجيين جدد لأسواق الدين، بات ظاهرا استعانة تلك الشركات العملاقة بمصرفيين سابقين بأسواق الدخل الثابت وذلك من أجل تعزيز إدارات الخزينة التي تتولى في العادة ملف الاستدانة.
ومن المنتظر أن تسهم تلك الظاهرة الحديثة في إحداث وفرة بتكلفة الإصدار والاقتراض، بحكم خبرة تلك الكفاءات في تسعير تلك الأوراق المالية، ولا سيما تلك الكيانات التي لديها احتياجات تمويلية ضخمة.
والبنوك المرتبة للإصدار تتنوع تخصصاتها: فمنها من يمتلك فريق أسواق دين متمكن يعرف كيف يغلق مثل هذه الإصدارات. إلا أن هذه البنوك الاستثمارية تفتقر للودائع المليارية الفائضة (التي يمكن تسخيرها لمصلحة شراء جزء من الإصدار.
وهنا يأتي دور البنوك التجارية الخليجية التي تمتلك هذه الميزة ولكن تفتقد خبرة أسواق الدين. ولا يعني بالضرورة تفويض العديد من البنوك لترتيب إصدار سندات أن رسوم الإصدار ستكون مرتفعة على جهة الإصدار، حيث إن رسوم ترتيب الإصدار ستكون هي نفسها ولكن حصص البنوك ستكون منخفضة.
ويصل معدل عدد البنوك المرتبة لإصدارات السندات الدولارية يتراوح ما بين 6.5 و 4.6. يذكر أن بعض البنوك مستعدة لتقديم التنازلات مع الرسوم من أجل أن تتصدر جدول ترتيب البنوك الأكثر طلبا من حيث ترتيب إصدارات أدوات الدين (وهذه الاستراتيجية تجلب عملاء جدد).
ويصل معدل رسوم تريب إصدار أدوات الدين بالولايات المتحدة إلى 0.7 في المائة للسندات ذات الدرجة الاستثمارية العالية، أي إذا كانت قيمة الإصدار مليارا، فإن جهة الإصدار تدفع سبعة ملايين دولار للبنوك. في حين يصل معدل هذه الرسوم لسندات "الخردة" إلى 1.2 في المائة من إجمالي قيمة الإصدار.

وحدة التقارير الاقتصادية

الأكثر قراءة