معالجة ضغوط التضخم في غمار جائحة متواصلة «2 من 3»
هناك تفاوت مماثل عبر الدول فيما يتعلق بالتضخم الوسيط، وهو مقياس لا يتأثر بالتغيرات السعرية الكبيرة أو الصغيرة الاستثنائية في بضع فئات من السلع ومن ثم يوضح مدى اتساع نطاق الضغوط السعرية واستمراريتها المرجحة. ففي الولايات المتحدة، كان ارتفاع التضخم الوسيط إلى نحو 3 في المائة أخيرا في أكتوبر أعلى أيضا من الارتفاع المسجل في دول مجموعة السبعة.
وبينما يرجح أن يستمر التضخم المرتفع في عدة دول فترة طويلة من عام 2022، فإن مقاييس توقعات التضخم للمديين المتوسط والطويل تظل قريبة من مستهدفات السياسة في معظم الاقتصادات. ويعكس هذا، إضافة إلى توقعات تراجع القوى التضخمية أن إجراءات السياسة يمكن أن تعيد التضخم إلى المستوى المستهدف.
ففي الولايات المتحدة، ارتفعت توقعات التضخم طويلة المدى، لكنها لا تزال قريبة من المتوسطات التاريخية ومن ثم تبدو مثبتة بإحكام حول المستوى المستهدف. وفي منطقة اليورو، ارتفعت هذه التوقعات، لكنها بدأت من مستويات أقل كثيرا من المستهدف لتصبح الآن قريبة منه، ما يشير إلى أن توقعات المدى الطويل ربما تكون قد أصبحت أكثر ثباتا حول هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المائة. وبالنسبة لليابان لا تزال توقعات التضخم أقل كثيرا من المستوى المستهدف.
وهناك دلائل تشير إلى ثبات التوقعات في عدة أسواق صاعدة، منها الهند وإندونيسيا وروسيا وجنوب إفريقيا. وتمثل تركيا استثناء في هذا الصدد، إذ تظهر فيها مخاطر انفلات توقعات التضخم عن النطاق المستهدف في ظل تيسير السياسة النقدية رغم تصاعد التضخم.
وبشأن مصادر الضغوط السعرية، فإنه يعكس ارتفاع التضخم الجوهري عدة عوامل. فهو يعكس انتعاش الطلب بقوة مدعوما بالتدابير المالية والنقدية الاستثنائية، خاصة في الاقتصادات المتقدمة. إضافة إلى ذلك، فإن فترات تعطل الإمدادات من جراء الجائحة وتغير المناخ، وتحول الإنفاق نحو السلع أكثر من الخدمات، أديا إلى زيادة الضغوط السعرية. كذلك فإن ضغوط الأجور تبدو واضحة في بعض قطاعات سوق العمل. وقد مرت الولايات المتحدة بفترة أطول من الانخفاض في مشاركة القوى العاملة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة الأخرى، ما زاد من ضغوط الأجور والتضخم.
ونتوقع أن يقل عدم الاتساق بين العرض والطلب مع مرور الوقت، ما يخفض الضغوط السعرية في الدول. ففي ظل السيناريو الأساسي، من المرجح أن تقصر فترات التأخير في الشحن والتسليم، ويقل نقص أشباه الموصلات، في النصف الثاني من عام 2022. ومن المتوقع أن يقل الطلب الكلي مع انتهاء تدابير المالية العامة في 2022.
ومع ذلك، فمن المهم أن نتذكر أن النشاط الاقتصادي قد انتعش بسرعة في عدة دول، وكانت الولايات المتحدة هي الأسرع في التعافي بين الاقتصادات المتقدمة الكبرى. وفي تلك الدول بالذات، حيث كان النشاط الاقتصادي أسرع في التعافي وصولا إلى اتجاهات ما قبل الجائحة، ارتفع التضخم الجوهري بدرجة حادة مقارنة بالمستويات السابقة على الأزمة. وهذه العلاقة بين قوة التعافي والتضخم الجوهري، رغم كونها بعيدة كل البعد عن الكمال، تشير إلى ضغوط أقوى على صعيد التضخم الأساسي في الدول التي كانت وتيرة تعافي الطلب فيها هي الأسرع.
وحول تحرك متفاوت على صعيد السياسات ففي بداية الجائحة، تحرك صناع السياسات حول العالم بصورة متزامنة في اتجاه التيسير الحاد للسياسة النقدية والتوسع في سياسة المالية العامة. وساعدت هذه الإجراءات على منع وقوع أزمة مالية عالمية، رغم الإغلاقات العامة والصدمات الصحية التي سببت ركودا تاريخيا. وكان اقتران التضخم شديد الانخفاض بالطلب الضعيف مبررا منطقيا قويا لتيسير السياسات النقدية.