Author

البيت الخليجي .. كيانات وشراكات

|

ارتبطت المملكة بعلاقات تاريخية راسخة جذورها ومميزة بدول مجلس التعاون الخليجي وبحكم الجوار الجغرافي، فقد تولدت ونبعت روابط أخوية واجتماعية وسياسية واقتصادية متينة بين هذه الكيانات السياسية. وحرصت الرياض على تطويرها والمحافظة عليها وتقويتها في كل الجوانب، وتعزيز قاعدتها، خاصة فيما يتعلق بتوحيد المواقف المشتركة التي تحمي الكيان الخليجي من كل التدخلات الخارجية التي تعوق الاستقرار في المنطقة، حيث كانت لها تجارب ناجحة في قيادة دول الخليج في توطيد السلام والأمن وترسيخ العلاقات الأخوية، ولذلك تمتلك منطقة الخليج خريطة بيضاء نظيفة من كل ما يعكر صفو أمن دولها فأصبحت نموذجا يحتذى به مقارنة بالدول الأخرى.
وشهدت المنطقة استقرارا اقتصاديا إيجابيا ونجحت في تنفيذ عديد من المشاريع الاستثمارية التنموية الكبرى التي ساعدت ودعمت المؤشرات الاقتصادية لكثير من دول المنطقة، ونجحت في تحقيق تطلعاتها التجارية والمالية والاقتصادية. فشهدت نهضة فريدة في التقدم والعمران. وهذه العلاقات تاريخية ممتدة منذ زمن بعيد، ومبنية على نهج الآباء المؤسسين لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتعزيزا لقيم حسن الجوار، فمن هذا المنطق يحرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، على تعزيز وتدعيم وتقوية هذه العلاقات الأصيلة لتحقيق مفهوم الوحدة الخليجية الشاملة من أجل تطلعات شعوب المنطقة، وبناء على توجيه الملك سلمان بدأ الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، جولته الرسمية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الشقيقة، وهي الجولة التي تنتظرها الشعوب العربية والخليجية على نحو خاص، نظرا إلى أهميتها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، حيث تلقى هذه الجولة اهتماما كبيرا من كل الجوانب، كما أن الدبلوماسية السعودية بقيادته تعمل على تحقيق رؤية المملكة 2030، وتعزيز المكانة السياسية والاقتصادية للمملكة، إضافة إلى أن توجيهات خادم الحرمين الشريفين بهذه الجولة تؤكد حرصه وولي عهده على تعزيز قوة وتماسك مجلس التعاون، ووحدة الصف بين أعضائه، لما يربط بين شعوبها من علاقات خاصة وسمات مشتركة أساسها العقيدة الإسلامية والثقافة العربية، والمصير المشترك ووحدة الهدف، كما أن هناك فرصا واسعة لتحقيق مزيد من التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين.
ولقد كان بيان العلا واضح العبارات بشأن هذا التماسك والمحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة، وبفضل جهود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي رأس أعمال قمة العلا، تحقق تطور ملموس على مستوى العلاقات الخليجية منذ العام الماضي، ومن ذلك تبادل الزيارات بين الدول على أعلى مستويات التمثيل، والتقدم الملحوظ أيضا في تنفيذ الرؤى المشتركة، لتعزيز وتفعيل العمل الخليجي المشترك التي أقرها المجلس الأعلى في دورته الـ36 في كانون الأول (ديسمبر) 2015. وتحظى هذه الجولة باهتمام شعبي كبير نظرا إلى تطلع الشعوب لاستكمال عديد من المشاريع، من بينها مشاريع الوحدة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون بحلول 2025، والسوق الخليجية المشتركة، ومشروع سكة الحديد، وربط أنظمة المدفوعات بين دول المنطقة، وكذلك العمل على تحقيق قرارات المجلس الأعلى نحو تحقيق الأمن الغذائي والمائي وأمن الطاقة، في ظل الثورة الصناعية الرابعة في مجال تقنية المعلومات، وتكنولوجيا الاتصالات والذكاء الاصطناعي، خاصة أن ولي العهد السعودي يرعى عديدا من المبادرات العالمية والمشاريع الجبارة على هذا الصعيد، وكان لقمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر بحضور قادة بارزين من المنطقة والعالم، أثر عميق في إحياء آمال الشعوب العربية نحو تعزيز التعاون وتوحيد الجهود في مجالات البيئية والتغيرات المناخية.
استهل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان جولته بسلطة عمان، ما يعكس اهتمامه بتوطين العلاقات بين الدولتين بما يحقق رفاهية الشعبين، وتتويجا لجهود عمل مثمرة، من بينها تنفيذ أول طريق حدودي بري مباشر بين السعودية وعمان بطول 725 كيلومترا، وهو منفذ الربع الخالي، الطريق الحيوي الذي يتوقع أن يسهم في تحقق الأهداف التنموية لكلتا الدولتين، ويعزز التناغم الكبير بين الرؤى الاستراتيجية.
فالمملكة تسعى إلى أن تصبح أكبر منطقة للخدمات اللوجستية في العالم وبين قاراته الثلاث، بتميز موقعها الجغرافي، فهي واسطة العقد بين كل الدول العربية المطلة على الخليج العربي، وكذلك البحر الأحمر، وهي في قلب العالم الإسلامي بما حباها الله من خدمة للحرمين الشريفين، فنجاح التعاون بين الدولتين في مشاريع الربط البري يحقق للشعوب ما تطمح إليه من نمو حركة التجارة العالمية وتجاوز عقبات التقلبات السياسية حتى المناخية في المنطقة.
هذه المشاريع تمثل تأكيدا لقرارات المجلس الأعلى لدول الخليج العربية بأهمية التركيز على المشاريع ذات البعد الاستراتيجي التكاملي في المجالين الاقتصادي والتنموي. ومع ما تتمتع به المملكة في ظل هذا العهد السعودي الزاهر بثقة الشعوب العربية كافة، فإن هذه الجولة التاريخية ستعمل على تحقيق الاستقرار والأمن لدول المنطقة بدعم جهود التكامل العسكري المشترك لتحقيق الأمن الجماعي لدول المجلس، وتفعيل عمل القيادة العسكرية الموحدة، بما يبعث رسالة قوية بشأن متانة العلاقات ووحدة المصير المشترك، وبما يقطع الطريق أمام الطامعين بتهديد إمدادات الطاقة العالمية عبر تهديد أمن وسلامة الملاحة والمنشآت البحرية في الخليج العربي والممرات المائية.
كما أن قرارات مجلس التعاون ثابتة بشأن دعم الشرعية في اليمن، فهي الأمل الذي يحفظ للبلاد وحدتها وسلامتها واحترام سيادتها واستقلالها ورفض أي تدخل في شؤونها الداخلية، والمملكة وعبر هذه الجولة التاريخية تؤكد دعمها للحل السياسي وفقا للمرجعيات المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن 2216، وهو ما تبناه البيان الختامي الصادر عن القمة الخليجية في منطقة العلا.

إنشرها