FINANCIAL TIMES

شعبويو أوروبا يبحثون عن فرصة في جائحة لا نهاية لها

شعبويو أوروبا يبحثون عن فرصة في جائحة لا نهاية لها

محتجون على إجراءات مكافحة كورونا في بروكسل."رويترز"

شعبويو أوروبا يبحثون عن فرصة في جائحة لا نهاية لها

حتى قبل ظهور متحور أوميكرون الجديد، كانت بعض الحكومات الأوروبية تواجه مقاومة متزايدة للقيود المتعلقة بالجائحة.

كانت هناك موسيقى حية، ورقص، والمستشار، والرئيس، وقادة الأحزاب الرئيسة وزعماء وسائل الإعلام حاضرين جميعا، بربطات عنق سوداء وملابس سهرة براقة.
إن ما جعل حفل الجمعة قبل الماضية أكثر حصرية، كذلك، هو أنه كان أيضا الحفل القانوني الوحيد في البلد - وهو جمع التبرعات الخيرية في محطة إذاعة أو آر إف النمساوية الحكومية، الذي، وفقا للمنظمين، يعني أنه يعد حدث عمل "رسمي".
قبل ذلك بأربعة أيام، حظرت الحكومة جميع الحفلات الأخرى عندما أصبحت النمسا أول أمة في أوروبا هذا الشتاء تعيد العمل بإغلاق وطني صارم. وتزامنت القيود الجديدة مع إعلان مثير للجدل إلى حد كبير بأن التطعيمات ستكون إلزامية لجميع البالغين اعتبارا من شباط (فبراير) فصاعدا. ويتعين على النمساويين البقاء في المنزل حتى منتصف كانون الأول (ديسمبر)، وإغلاق المتاجر غير الضرورية ولا يمكن للأطفال الذهاب إلى المدرسة إلا للضرورة القصوى.
كانت إحدى الجماعات السياسية وقادتها غائبين بشكل واضح عن حفلة الجمعة - حزب الحرية اليميني الشعبوي المتطرف في النمسا FPÖ.
مع تداول صور الحفل على نطاق واسع صباح السبت، عقد دومينيك نيب زعيم حزب الحرية في فيينا، مؤتمرا صحافيا. وصرخ بأن النمساويين "محبوسون" أمام أجهزة التلفاز الخاصة بهم، لكن "حكومتنا الفيدرالية تحتفل... من دون تباعد اجتماعي، ومن دون كمامات، وفوق كل شيء، من دون خجل ".
حتى قبل ظهور متحور أوميكرون الجديد، كانت بعض الحكومات الأوروبية تواجه مقاومة متزايدة للقيود المتعلقة بالجائحة التي تم وضعها للتعامل مع زيادة العدوى في أوائل الشتاء. ومن المرجح أن تزداد احتمالية المقاومة السياسية مع سعي الحكومات، المتوترة من متحور جديد قد يكون أكثر مقاومة للقاحات، إلى فرض تدابير جديدة على شعوبها - من المحتمل أن تشمل مزيدا من أوامر اللقاحات الإجبارية.
في بعض الدول، على الأقل، توجد الجائحة الآن مساحة سياسية جدديدة للسياسيين من اليمين واليسار الذين أمضوا العقد الماضي في محاولة لاستعراض موجة من المشاعر المعادية للسياسة التقليدية. وفي جميع أنحاء القارة، تعيد الأحزاب الشعبوية التفكير في استراتيجياتها وتصور نفسها بشكل متزايد على أنها أحزاب تشكك في اللقاحات وتحررية ومناهضة للإغلاق.
ومع تنامي الإحباط العام، يجد السياسيون الشعبويون أنفسهم يتفقون على شيء معروف، مع الغضب الموجه نحو النخب الحاكمة المنافقة والخبراء العلميين البعيدين عن الواقع على ما يبدو. إن هذا النمط هو الأكثر لفتا للانتباه في أوروبا الوسطى والشرقية، حيث كان الشك في اللقاحات أعلى من أجزاء أخرى من القارة وبدأت بالفعل إعادة فرض القيود الاجتماعية الجديدة، نتيجة لارتفاع حالات كوفيد - 19.
حتى الآن، ينظر إلى الجائحة على أنها سيئة للأحزاب الشعبوية. فقد وجدت دراسة عن العولمة أجرتها مؤسسة يوجوف-كامبريدج للعولمة في تشرين الثاني (نوفمبر) أن المعتقدات الشعبوية قد "تراجعت على نطاق واسع" في عشر دول أوروبية على مدى الأعوام الثلاثة الماضية.
لكن الأحزاب الشعبوية بدأت ترى فرصا في السخط العام من جائحة سريعة التغير ولامتناهية على ما يبدو. فبعد وقت قصير من إعلان الإغلاق الصارم في النمسا الشهر الماضي، خرج 40 ألف متظاهر إلى شوارع فيينا في واحد من أكبر الاحتجاجات السياسية منذ أعوام. وفي هولندا، في نهاية الأسبوع نفسه، تحولت الاحتجاجات إلى أعمال شغب في روتردام ولاهاي، واعتقل العشرات. وفي هذه الأثناء في بروكسل، خرج 35 ألف شخص للتظاهر ضد القيود الجديدة على حياتهم، بما فيها العمل الإلزامي من المنزل أربعة أيام من الأسبوع. وشهدت كل من جمهورية التشيك، وألمانيا، وسويسرا تجمعات حاشدة في الأسابيع القليلة الماضية، شارك فيها الآلاف.
وما إذا كان بإمكان الأحزاب الشعبوية الراسخة تحويل الإحباط العام إلى دعم سياسي أم لا سيعتمد على مسار الجائحة، فضلا عن خصوصيات الدول الفردية. فحتى الآن، حققت الأحزاب الشعبوية في أوروبا نجاحا متباينا في تحويل السخط العام إلى أصوات انتخابية.
لكن بعض الأحزاب بدأت في اغتنام الثغرة السياسية التي قدمتها الجائحة. ويقول عالم السياسة إيفان كراستيف، رئيس مركز الاستراتيجيات الليبرالية في صوفيا، "لربما كانت الأعوام الثلاثة الماضية سيئة بالنسبة إلى الشعبويين الأوروبيين. لكن ما هو مثير للاهتمام الآن... كيف يغير الشعبويون طبيعتهم وماذا سيعني ذلك للمستقبل. فجأة، أصبح لدى الشعبويين في جميع أنحاء أوروبا معمدانية تحررية."
ويضيف كراستيف أن الجائحة دفعت الشعبويين في أوروبا خطوة أقرب إلى نظرائهم عبر المحيط الأطلسي. ففي الولايات المتحدة، ارتبطت القومية منذ فترة طويلة بالتحررية كقوة مناهضة للتقاليد السياسية. ويقول، "أعتقد أنه سيكون أمامنا عقد سياسي مضطرب للغاية في أوروبا".

شباب معبأ
في يوم سبت بارد في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر)، تجمع الآلاف من المتظاهرين في توربيننبلاتز في زيورخ استعدادا للسير عبر وسط المدينة. لقد كان عبارة عن تجمع مشوش. إلى جانب أنصار حزب الشعب السويسري اليميني الشعبوي كان هناك البوذيون وليبراليو السوق الحرة. كان هناك "فريدوم رينجرز" -وهم رجال يرتدون ثيابا ثقيلة في لباس جبال الألب التقليدي ويحملون أجراس الأبقار الضخمة على أكتافهم، وطلاب من جامعة تقنية مشهورة عالميا في زيورخ.
قالت الشرطة إن الاحتجاج السلمي، الذي شارك فيه ما يقدر بنحو ألفي شخص، هو الأحدث من بين عشرات عبر المدن السويسرية في الشهر الماضي. وكان هدف المحتجين هو استفتاء أجري في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) عما إذا كان للسلطات القانونية الحكومية فرض استخدام اللقاحات وشهادات اختبار كوفيد. لقد فازت الحكومة. لكن 38 في المائة من السكان صوتوا ضده.
إن سويسرا غنية، ومحكومة بكفاءة، وبالكاد تضرر اقتصادها جراء الجائحة وأبقى نظام رعاية صحية قوي بالموارد وفيات كوفيد - 19 منخفضة بشكل ملحوظ. لكنها شهدت تصاعدا في دعم مجموعات الحملات والحركات المعارضة لكل من التطعيمات، وعلى نطاق أوسع، لأي إجراءات تقييدية تفرضها الحكومة.
إنه، على هذا النحو، مثال مثير للاهتمام على كيفية تحفيز الجائحة رد فعل شعبوي عنيف ببعض الطرق المدهشة.
"إننا نحارب التلقيح القسري"، كما قال إيسيدور كاسبر، وهو نجار شاب من بييل من عائلة من الطبقة الوسطى واصفا سياسته بأنها "خضراء وبيئية". إنه يدعم "اليسار الحر"، وهو حركة احتجاجية تعارض بشكل واسع اللقاحات وعمليات الإغلاق التي ظهرت في الصيف ويقودها بشكل غير رسمي سيمون ماتشادو، عضو مجلس المدينة الأخضر من بيرن. وأضاف كاسبر وهو يقيم كشكه لصنع الكريب للحاضرين في التجمع، "أعرف شخصا حصل على اللقاح وبعد يومين أصيب بجلطة دموية. ولم يعد الشخص نفسه مذاك". "إن هذه قضية كبيرة. إذا لم تتغير الأمور فسنذهب ونعيش في المكسيك ".
إن عدد الشباب الذين شاركوا في المسيرات الاحتجاجية في سويسرا وألمانيا والنمسا كان مدهشا بشكل كبير.
فقد أظهر استطلاع حديث للرأي لعموم أوروبا أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية الفجوة بين الأجيال، حيث قال 57 في المائة من أولئك الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما إن حياتهم تأثرت بالجائحة، مقارنة بـ35 في المائة فقط ممن تزيد أعمارهم على 60 عاما. علاوة على ذلك، قال 43 في المائة من الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما إنهم يشككون في دوافع الحكومة لفرض عمليات الإغلاق، مقارنة بـ28 في المائة من أولئك الذين تبلغ أعمارهم أكثر من 60 عاما.
إن بعض هذه المشاعر المناهضة للحكومة تغذي الحركات الناشئة على اليمين واليسار. يقول نيكولاس ريمولدي، أحد منظمي ماس-فول، وهي مجموعة سويسرية تم إنشاؤها للاحتجاج على قيود فيروس كورونا، "إننا حركة شبابية يقودها الشباب من أجل الشباب". ويضيف، "إننا حركة حقوق مدنية. لقد سلبت الحكومات كل الأشياء التي تعد طبيعية بالنسبة إلى الشباب."

حدود التطرف
إن النمو المتزايد في دعم الجماعات الشعبية بعيد كل البعد عن أن يكون ظاهرة شمولية في أوروبا. وإذا ما دخلنا الحدود الألمانية، نرى أن الائتلافات الفضفاضة التي ظهرت بين معارضي الإغلاق والمشككين في اللقاحات لم تترجم إلى نجاح في صناديق الاقتراع للأحزاب الشعبوية المترسخة.
وفي غالب الأمر بالنسبة إلى الجائحة، كان حزب أقصى اليمين البديل من أجل ألمانيا هو أشد المعارضين في السياسة لإجراءات الوقاية من فيروس كورونا. فقد انتقد سياسيوها ما يسمونه "ديكتاتورية كورونا" وقاموا بحملات شديدة الصخب من أجل رفع الإغلاق الطويل في الشتاء الماضي.
وقد حظي موقف الحزب ببعض الدعم في بلد كان فيه سير المطاعيم بطيئا مقارنة بدول أخرى في أوروبا. ففي ألمانيا، تم تطعيم 68.5 في المائة من السكان بشكل كامل، مقارنة بـ79.4 في المائة في إسبانيا.
وقد وجدت دراسة استقصائية أجرتها شركة فورسا، وهي شركة متخصصة في استطلاعات الرأي، بعد الانتخابات الفيدرالية في أيلول (سبتمبر)، أن 50 في المائة من الناخبين الذين لم يتلقوا اللقاح قد اختاروا انتخاب حزب البديل من أجل ألمانيا، ما يشير إلى أن الحزب قد بات مرتبطا بقوة بمقاومة اللقاح. في غضون ذلك، أصبح الجمهور الألماني غير راض عن استجابة الحكومة للأزمة بشكل متزايد. ووفقا لاستطلاع أجرته يو غوف-كامبريدج، قال 27 في المائة من المستجيبين الألمان إن حكومتهم كانت تتصرف بشكل سيئ في التعامل مع الجائحة في 2020. فيما ارتفعت تلك النسبة إلى 52 في المائة هذا العام. لكن في المقابل، في إسبانيا وفرنسا، ازداد الدعم للسياسات الحكومية في مكافحة الجائحة.
غير أن الاستراتيجية التي اتبعها حزب البديل من أجل ألمانيا شوهت صورته. حيث أدى ارتباطها بمناهضي اللقاح ومنظري مؤامرة فيروس كورونا إلى وقف أصوات الناخبين اليمينيين الأكثر تقليدية التي كانت قد حصلت في السابق على دعم حذر منهم بسبب موقف الحزب المتشدد من الهجرة. وبذلك انخفضت حصة حزب البديل من أجل ألمانيا من الأصوات من 12.6 في المائة في 2017 إلى 10.3 في المائة في انتخابات أيلول (سبتمبر).
وبحسب قول هانز فورليندر، العالم في السياسة في جامعة دريسدن للتكنولوجيا، "لقد تبين لحزب البديل من أجل ألمانيا أنه كان من الصعب عليهم حشد الناخبين المعارضين لعمليات الإغلاق ضد فيروس كورونا مقارنة بمسألة الهجرة".
فيما تعارضت مواقف الحزب المتطرفة مع مواقف حزب فري ديموكراتس الليبرالي، الذين لم يدعموا عمليات الإغلاق لكنهم لم ينفوا خطورة الجائحة وكانوا وراء حملة التطعيم منذ بدايتها. يقول المحللون السياسيون إن حزب الديمقراطيين الأحرار كان قادرا على حصد أصوات الناخبين المعتدلين من المشككين في فيروس كورونا وهم الآن جزء من الائتلاف الحكومي الجديد الذي سيؤدي اليمين الدستورية في كانون الأول (ديسمبر).
ومع ذلك، فإنه يمكن أن يؤدي ظهور المتحور الجديد إلى زيادة حدة التوترات السياسية في ألمانيا فيما يتعلق بالجائحة. حيث قال المستشار المكلف أولاف شولتز، الثلاثاء، إنه يؤيد إلزامية اللقاحات للجميع. وإذا تبنى البوندستاغ مثل هذا المطلب الآن، فقد يؤدي ذلك إلى تحفيز الحركة المناهضة للقاح في ألمانيا وربما يؤدي إلى موجة عارمة من القلاقل الاجتماعية.
وكما هي الحال في ألمانيا، فقد حققت الأحزاب الشعبوية الموجودة في هولندا نجاحا متباينا في فوزها بالناخبين. فبعد حملة شنها حزب الحرية من أجل الديمقراطية بزعامة تييري بودت - الملقب بدونالد ترمب الهولندي – ضد إجراءات الإغلاق في الانتخابات العامة هذا العام، فاز الحزب بثمانية مقاعد في البرلمان. ثم خسر ثلاثة منها بسبب الانشقاقات السياسية بعد أن رد أعضاء البرلمان باشمئزاز على ملصق نشره الحزب يقارن حالات الإغلاق بالاحتلال النازي للبلاد خلال الحرب.

"جين المقاومة"
كانت الموجة الجديدة من الإصابات بالفيروس قضية صعبة بشكل خاص تواجهها الحكومة في بولندا، التي يقودها حزب القانون والعدالة الشعبوي "بي آي إس". ففي وقت مبكر من الجائحة، استجابت الحكومة بقوة نسبيا، حيث أغلقت حدود البلاد في آذار (مارس) 2020، وفرضت عمليات الإغلاق وارتداء الأقنعة في الأماكن العامة.
ولكن مع ارتفاع الحالات مرة أخرى في الأسابيع الأخيرة كانت الحكومة مترددة في اتخاذ إجراءات صارمة مشابهة، على الرغم من أن انخفاض مستوى التطعيم نسبيا في البلاد أثار مخاوف بأن الخدمات الصحية ستتعرض إلى ضغوط شديدة مرة أخرى.
فيما أوضح فالديمار كراسكا نائب وزير الصحة أثناء حديثه لمحطة آر إم إف إف إم الإذاعية، "نحن بلد مختلف عن غيرنا قليلا... إننا مكونون ثقافيا بشكل مختلف". وقال أيضا، "أعتقد أننا نقترب من حالة نرزخ فيها تحت القيود التي تفرضها حكومتنا مع جرعة كبيرة من الحذر. لقد كان في جيناتنا لقرون عديدة، جين المقاومة".
ويقول ريزارد لوكزين، المحلل في بوليتيكا إنسايت، إن إحجام الحكومة عن فرض قيود أقوى كان مدفوعا بعدة عوامل، تراوح بين الخوف من إزعاج ناخبيها - ومعظمهم يرفضون القيود الجديدة - والقلق حول التكلفة التي يتسبب بها إغلاق آخر.
ويقول، "لا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية فرض إجراءات صارمة". وقال، "إن هذه العاصفة متكاملة من حيث الافتقار إلى القيادة، ونقص الدعم للقيود المشددة، ونقص الأموال".
ويضيف أن هناك عاملا آخر، وهو أن حزب القانون والعدالة يتخوف أيضا من السماح لتجمع كونفيديرايشن اليميني المتطرف الذي دخل البرلمان في 2019، ببناء موقفه من خلال حشد دعم مناهضي اللقاح ومعارضي الإغلاق.
ويقول، "إن هناك ضغطا من مناهضي اللقاح من داخل البرلمان وخارجه. لقد حاول حزب القانون والعدالة البولندي دائما منع أي شخص من الظهور على اليمين المتطرف، وحزب الكونفيدرالية موجود هناك الآن، وحزب القانون والعدالة لا يريد حقا تقويتهم".
في النمسا أيضا، كان ظهور حزب جديد معارض للقيود المتعلقة باللقاح، وهو حزب بيبول فريدام رايتس "إم إف جي"، هو كما يبدو من قام بدفع حزب الحرية إلى اتخاذ موقف أكثر تشددا. وقد فاز حزب إم إف جي 6 في المائة من الأصوات في الانتخابات الإقليمية في أيلول (سبتمبر) - حيث حصل على نسبة كبيرة من الدعم من ناخبي حزب إف بي أو السابقين.

هل هذه موجة شعبوية جديدة؟
يقول المعلق السياسي النمساوي توماس هوفر، إن السؤال الأهم في الأشهر المقبلة هو ما إذا كانت الأحزاب الشعبية ستكون قادرة على نسج خيوط الغضب والاستياء المتنوعة والمتنامية التي انتشرت بين السكان المنهكين من الجائحة لتصبح شيئا يتسم بديمومة أكثر.
وكما يقول، مشيرا إلى النمسا، "هل يمكنهم تحويل هذه القضية المتعلقة بالحريات والحقوق الشخصية إلى قضايا أخرى؟ إن الإمكانيات متوافرة ولن أقلل من شأنها". وقال، "وهل يمكن لحزب الحرية أن يغلق الدائرة؟ ربما باستطاعتهم فعل ذلك، إذا ما تخيلتهم يأخذون هذه الرسالة المناهضة للمؤسسة والمبنية على الحقوق الشخصية والتحرر من المؤسسة ثم يضيفونها إلى الضرائب، وتكلفة المعيشة، وتكلفة التدفئة، والعبء الذي سنراه مفروضا علينا بسبب التحول المناخي".
وبالفعل، فقد شهد حزب الحرية النمساوي ارتفاع تقييماته في استطلاعات الرأي بشكل مطرد. فإذا كانت هناك انتخابات فيدرالية في الغد، سيتجه حزب الحرية للفوز 20 في المائة من الأصوات، وذلك بارتفاع من 10 في المائة في بداية العام.
فيما يقول كراستيف، "أعتقد أننا على الأرجح نواجه دورة جديدة من عدم الاستقرار السياسي". ويقول إن الجائحة قد أدت إلى تحطيم أجزاء من الإجماع الليبرالي الأوروبي من دون أن يدرك عديد من الحكومات ذلك حتى الآن.
ويضيف أن الحقائق التي توصلت إليها أوروبا في الرد على أزماتها الثلاث الكبرى الأخيرة قد أعيد النظر فيها جميعا. ففي حربها على الإرهاب، دعت أوروبا إلى الخصوصية والحريات المدنية، لكن الجائحة تسببت بفرض أكبر قيود على الحريات الشخصية منذ جيل. ومع الأزمة المالية، تعهدت أوروبا بالحفاظ على الانضباط المالي والسيطرة على الإنفاق، لكن الدين الوطني قد ارتفع منذ ظهور كوفيد. ومع أزمة الهجرة، دافعت أوروبا عن فتح الحدود والتكامل، في حين حولها فيروس كورونا إلى حصن منيع.
يقول كراستيف، "إن الجائحة هي لحظة حاسمة". ويضيف، "ولكن ربما ليس بمعنى أن على القطار أن يغير مساره، بل بمعنى أن يزيد من سرعته".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES