ثقافة وفنون

"قوة الكلب".. درامي نفسي بصيغة الكاوبوي

"قوة الكلب".. درامي نفسي بصيغة الكاوبوي

مشاهد من الفيلم.

"قوة الكلب".. درامي نفسي بصيغة الكاوبوي

بوستر العمل.

بعد غياب نحو 12 عاما، تعود المخرجة جين كامبيون بصورة ويسترنية (الكاوبوي) نمطية مختلفة عن التاريخ المجيد لهذا النوع من الأفلام الذي اكتسح هوليوود قديما وأعطاها أعواما ذهبية، عادت بقوة لتقدم حبكة مستوحاة من رواية للكاتب توماس سافاج تحمل الاسم نفسه ونشرت عام 1967، عادت واقتنصت بعودتها جائزة أفضل إخراج من مهرجان البندقية السينمائي عن فيلمها قوة الكلب The power of dog الذي طرح دراما نفسية تتصادم فيها الحالات النفسية مع الغرور، ويسيطر عليها الغموض، والحوار القليل.

من نيوزيلاندا
تدور الأحداث عام 1925 في مدينة مونتانا التي عرفت على الشاشة على أنها نيوزيلندا مسقط رأس المخرجة كامبيون، تميزت بالتلال الجميلة، والغابات المختلفة، في حين تلوح في الأفق خلفية الحكاية، وليكتمل المشهد التقط آري فيجنر المصور السينمائي الجمال الساحر للمناظر الطبيعية من خلال الاستفادة القصوى من الإضاءة الطبيعية لما يسمى بالساعة السحرية قبل الغروب أو بعد الفجر لتعزيز الشعور الأسطوري لهذا الوقت وهؤلاء الأشخاص.

ما بين المكان والثروة:
يظهر واضحا أننا في بلد مزارع، رغم أن مكان وجودنا في أي لحظة يتبين أن المكان غير واضح، يستغرق الأمر بعض الوقت للحصول على اتجاهات المرء، اقتصاديا بقدر ما هو جغرافي. وكما دونت الكاتبة آني برولكس في خاتمة لكتاب سافاج، قليل منا يستطيع فهم الجمع بين العمل البدني الجاد والثروة التي ميزت بعض المزارع القديمة.

من المزرعة
أما المشاهد الداخلية داخل منزل المزرعة التي صممها جرانت ميجور الحائز جائزة لعمله على The Lord of the Rings، جاءت مؤطرة ببرود بزوايا طويلة تضفي شعورا بالضباب غير الصحي الذي يخيم على الهواء، ضباب يتهادى على أنغام موسيقى جوني جرينوود التصويرية التي تعطي شعورا بالشؤم.

التناقض بين الإخوة:
وهذا ينطبق خصوصا على عائلة جورج بوربانك، الذي يلعب دوره الممثل جيسي بليمونز، حصنهم عبارة عن قصر مؤثث بشكل غني، بألواح خشبية داكنة، مثل نادي السادة، يتسم جورج بالمتانة والمجاملة، وهو مريض في حالة يرثى لها، ولو على صهوة جواد تراه يرتدي بدلة سوداء، وعلى النقيض من ذلك، فإن شقيقه فيل الذي يلعب دوره الممثل بنديكت كومبرباتش يقطع الجلود ويحتقر زخارف ثرائه، مفضلا قضاء وقته في الهواء الطلق. ورغم أنه تخرج من جامعة مرموقة، الا أن البعض يشمئز منه، فالشخصية الذكورية التي رسمها بأداء قوي ومتماسك تخفي كثيرا من الأسرار في أعماقها، فرغم ظهوره بهيئة الكاوبوي الخشن الذي لا يهتم بالاستحمام، أو استعمال القفازات وهو يتعامل طبيا مع الحيوانات، لكن تلك القشرة الصارمة هشة في حقيقتها، وهى رداء يخفي به شعوره الداخلي بأزمة تهدد هيبته وصورته أمام الآخرين فعندما يأتي حاكم الولاية لتناول الطعام، يطلب جورج من فيل تنظيف نفسه، فيرد عليه فيل: رائحتي كريهة، وأنا أحبها.
إبداع في أعمال كامبيون:
هذا الاحتكاك بالقسوة مع السلاسة من الطرق البرية، سيكون مألوفا لمتابعي أعمال المخرجة كامبيون، فمن يستطيع أن ينسى فيلم البيانو الذي صدر عام 1993 وظهرت فيه هولي هنتر مرتدية قبعتها وتنورتها المتطايرة وهي محمولة على الشاطئ وسط موجة من الأمواج، وترسب الرمال لنيوزيلندا، أما بالنسبة للأشقاء غير المتطابقين، فقد كان لهم دور حاسم في فيلم كامبيون المبتكر سويتي الذي صدر عام 1989، وتطغى شخصية الفيلم (سويتي) على حياة شقيقتها، ومع ذلك، فإن شيئا ما عن الاشتباكات في فيلم قوة الكلب يشعر بأنه مفرط في العمل، وعلى صعيد آخر، يشك المشاهد بأن جورج وفيل أخوان.

الحبكة في الزواج:
محور الحبكة هي روز جوردن التي تلعب دورها الممثلة كريستين دونست، وهي أرملة تدير منزلا داخليا ولديها ابن يدعى بيتر ويلعب دوره الممثل كودي سميت ماكفي، يظهر نحيفا كالشتلة يتجول ذهابا وإيابا بأحذية بيضاء ويصنع الأزهار، عندما يتوقف أصحاب الماشية عند روز لتناول وجبة ما، يسخر فيل من بيتر لتسلية الرجال الأشداء، فيبدو على روز آثار الاستياء، فيأتي جروج المستاء من صراحة أخيه، ويقدم اعتذاره إلى روز، وبعد فترة يتزوج جورج من روز وتنتقل هي وبيتر للعيش معه ومع فيل.
حب من الواقع إلى الشاشة:
ينقل جورج وروز كل المشاعر التي تجمعهما كزوجين في الحياة الواقعية إلى شخصيتيهما في الفيلم. فنستطيع أن نشعر بالعاطفة الطبيعية والانسجام الحقيقي في دورهما كعروسين متزوجين حديثا. بالطبع شهر العسل الذي يعيشانه كان قصيرا بمجرد انتقال روز إلى منزل الشقيقين في المزرعة، والتحاق بيتر بمدرسة داخلية لدراسة الطب مثل والده الراحل. لكن مع بقائها وحيدة في كثير من الأحيان وصراعها مع زميل في السكن لا يريدها أن توجد حوله، تبدأ الحرب النفسية بين فيل وروز بالاشتعال، وتخرج كامبيون ذلك بشكل رائع.
ذكورية:
يجسد فيل شخصية ذكورية خسيسة وفي الوقت نفسه هشة، فهو رجل مزدر تخلى عن المشاعر الحضرية واستبدلها بالخشونة الريفية لكنه يستمد السعادة بهزيمة الأشخاص الذين يعدهم ضعفاء لأنه هو نفسه يخفي ضعفه، تتميز شخصيته بغطرسة حقيقية ويمكن الشعور بكراهيته العميقة تجاه النساء في كل مرة يستهدف فيها روز سواء سرا أو علنا للسخرية منها.
مقارنة بفيلم آخر:
تتمثل إحدى طرق قياس فيلم قوة الكلب بوضعه بجانب فيلم إيست أوف إيدن عام 1955 للمخرجة إيليا كازان، ملحمة أخرى من التنافس الأخوي، محملة بعبارات من الكتاب المقدس، البطل الأساسي للفيلم جيمس دين يقرأ المزمور الـ 32، كلا الفيلمين مظلل بشكل قاتم، رغم عظمة المناظر الطبيعية.
العلاقة بين الكلب والبطل:
بعد الانتهاء من الفيلم يتبادر إلى ذهن المشاهد سؤال حول العلاقة بين الفيلم وعنوانه، إلا أن المخرجة كانت قد صرحت قبل عرض الفيلم أن الكلب في العنوان هو صفة رمزية لبطل الفيلم فيل الشخص المتناقض الذي تخاله في البداية ليبراليا منفتحا ومتحررا، لكنه يكشف حين اتخاذه القرارات عن عجز في التواصل مع الآخرين، حتى بالنسبة للمرأة التي يحب.
إشادات:
يذكر أن فيلم قوة الكلب لدى عرضه في الحدث السينمائي الإيطالي العريق، حظي الشريط بإشادة النقاد، حيث وصفته مجلة تايم الأميركية بالرائع، عادة أنه من الجيد الغوص في هذا الرسم الرملي الذكي والمسلي الذي لا يخلو من التوتر، أما موقع IndieWire، فعد أن الفيلم شريط وسترن عظيم، فيما لفت موقع Vulture إلى أن عودة كامبيون بعد انقطاع عن الشاشة الكبيرة أتت ميمونة ومنتصرة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون