Author

الابتكار الرقمي والطائرات المسيرة «الدرون»

|

*أستاذ وباحث في الهندسة والأنظمة الابتكارية

التحول الرقمي العالمي الكبير الذي نشاهده ونلامسه اليوم على جميع الأصعدة لهو جدير بنا أن نقف وقفة جادة لنعمل على الاستفادة منه بشتى الطرق الممكنة. ولعلي في هذا المقال أتطرق بشكل سريع حول ابتكار الطائرات المسيرة "الدرون" وكيف يلعب الابتكار الرقمي والذكاء الاصطناعي الدور الكبير في تطبيقاتها والتحدي الهائل المقبل وضرورة مواجهته.
كثير منا يعتقد أن الطائرة المسيرة هي أحد الأنواع الحديثة من التكنولوجيا المعاصرة لكن في الواقع أن فكرة هذه الطائرات بدأت منذ عام 1863، وكانت أول براءة اختراع حصل عليها تشارلز برلي Charles Perley في مجال تصميم الطائرات دون طيار وتوالت بعد ذلك التصاميم والابتكارات في هذا المجال حتى تم الوصول إلى تصميم طائرة أطلق عليها ملكة النحل Queen Bee وكانت للبحرية الملكية البريطانية، وتم استخدامها للأغراض التدريبية، وكانت أول طائرة مسيرة يمكن استعادتها وأطلق عليها الدرون Drone وكان ذلك عام 1930. وبدأت تظهر أهمية هذا النوع من التقنيات على مستوى الدول الكبرى وبدأ التنافس في هذا الميدان. حيث بدأ في اواخر الثمانينيات ظهور ابتكارات متقدمة في هذ المجال بتطبيقات حيوية وحساسة، وبدأ تأثير هذه التقنية في كثير من المجالات سواء العسكرية الدفاعية والأمنية أو الاقتصادية والبيئية وغيرها.
ولعب الابتكار الرقمي، والذكاء الاصطناعي بالتحديد، دورا كبيرا في تطوير هذه الطائرات المسيرة، وأصبحت تلعب دورا كبيرا في كثير من المجالات، خصوصا في المجال الدفاعي وأنظمته؛ بل غيرت كثيرا من المفاهيم العملياتية والاستراتيجية العسكرية. حيث سابقا كان التحكم في هذه الطائرات عن طريق محطات تحكم أرضية وتطور الأمر إلى أن تمكن الباحثون والعلماء من برمجتها إلكترونيا للقيام بعمليات دون أي تدخل بشري، حيث أصبحت هذه الطائرات تحتوي على نظام رقمي معقد يشمل عددا من التقنيات المتطورة والأجهزة، مثل أجهزة الرصد والتحكم عن بعد وأجهزة استشعار خاصة بجمع البيانات، مثل نظام "جي بي إس" العالمي لتحديد المواقع، وأجهزة قياس سرعة الحركة "لطائرات الدرون"، والبوصلة، ووسائل التقاط الصور ومقاطع الفيديو، إضافة إلى الخوارزميات التي تعمل على تكامل هذه الأنظمة مع بعضها بعضا.
يتنافس العلماء والباحثون والمبتكرون اليوم على تدريب هذه الطائرات المسيرة لتحاكي ما يقوم به الإنسان وبمختلف التطبيقات، بل إنها وفي الواقع تغلبت على أدائه في الدقة والاستمرارية بفعل الذكاء الاصطناعي والبرمجة الرقمية وتحليل البيانات. فعلى سبيل المثال، أصبحنا نرى طائرات مسيرة بأحجامها وأشكالها المختلفة تستخدم في عدد من المجالات منها المدنية المهنية والخدمات والمجال الدفاعي العسكري والأمني لتشمل المراقبة والاستطلاع والتتبع والتجسس إلى أن وصلت إلى الأعمال القتالية أو ما يسمى الحروب الجديدة أو الجيوش المسيرة التي لا يتدخل فيها العنصر البشري إطلاقا.
إن بناء العلاقات الاستراتيجية بين كل الجهات ذات العلاقة من شركات التصنيع ومراكز الأبحاث سيؤدي بلا شك إلى بناء قاعدة ابتكارية وتقنية مميزة تسهم في تطوير وصناعة وتوطين منظومات الطائرات بدون طيار محليا؛ ما يسهم في رفع كفاءة واستدامة المنظومات الدفاعية لدينا، ولعلنا شاهدنا أولى بوادر ذلك في تطوير الطائرة المسيرة "حارس الأجواء" سعودية الصنع، ويبدوا لي أن التوجه والتحدي المستقبلي لنا في هذا المجال لنحقق التنافسية في المجال الدفاعي - على سبيل المثال - هو من الناحية التصنيعية وإنتاجها بأحجام متناهية الصغر يصعب بذلك تعقبها ورصدها والعملية التكاملية مع ما يقوم به الباحثون والمبتكرون سواء في مراكز الدراسات والأبحاث والجامعات والهيئات من دور في تطوير البرمجيات الرقمية لهذه الطائرات للخروج بمنظمومة متكاملة بأداء تكنولوجي مطور ومتقن ودقيق.

إنشرها